صفحات العالم

الحتمية في الثورة السورية


د. سعد بن طفلة العجمي

الثورة السورية مستمرة منذ ما يقارب السنة تقريباً، وقد حصدت آلاف الأرواح وجرحت أعداداً هائلة تشير كافة المصادر إلى أنها أكبر بكثير من الأعداد التي أعلنتها تنسيقيات الثورة أو مصادر المعارضة ناهيك عن الأرقام الحكومية الرسمية التي تخدش الكذب حياء بكذبها. ووقت كتابة هذا المقال، لا يزال الجيش السوري يدك المدن السورية وبالذات حمص ودرعا وإدلب والزبداني، ومبرره الإعلامي الرسمي لا يزال القضاء على “الجماعات الإرهابية المسلحة”، يتردد هذا المبرر بشكل سمج ووقح يستفز مشاعر المراقبين، فكيف بالضحايا الذين يموتون قهراً من الكذب والتلفيق ما لم تقتلهم دبابات الجيش “العربي السوري”؟.

المجزرة مستمرة بعد عرقلة “الفيتو” الروسي والصيني لقرار مجلس الأمن بإدانة المذابح، بل زادت حدة ودموية لسببين أساسيين: الأول أن نظام الأسد يفهم أن المواقف السياسية تتبدل بين يوم وليلة، والثاني أن حلفاءه -أو من بقي منهم- وتحديداً إيران وروسيا نصحوه بضرورة الحسم والقضاء على الثورة بأسرع وقت ممكن لأن استمرارها يفقدهم الكثير بين العرب والمسلمين، فإيران التي تتبجح بأنها حامية حمى المقاومة، مستمرة في تبرير ما يجري بنفس أكاذيب الإعلام السوري الرسمي: مؤامرة على سوريا بسبب مقاومتها للشيطان الأكبر وإسرائيل، لكن الأكيد أنها استثمرت في العلاقة الاستراتيجية مع النظام السوري، وسقوطه يعني ضربة موجعة لاستراتيجيتها في الهيمنة والإمساك بأوراق التفاوض مع الغرب مستقبلاً. وجاء موقف “حزب الله” -مخلب إيران وقاعدتها على البحر المتوسط- في خطاب زعيمه بذكرى المولد النبوي الشريف ليردد نفس الأكاذيب: اتصلنا بحمص نسأل عن صحة أعداد القتل والدمار هناك وقالوا لنا “ما فيه شي”! مخجل استغلال المناسبات الدينية لتبرير سياسات القمع والقتل بخطابات يكررها رجال دين-السياسة والمصالح!

أما روسيا -التي تحكمها مصالح مراكز القوى- فترى في فقدانها للنظام السوري فقداناً لآخر حليف معلن لها في الشرق الأوسط، والصين تخشى من نهج التدويل لقضايا حقوق الإنسان بشكل عام، مما قد يثير مطالب الحريات وحقوق البوذيين في التبيت والمسلمين في إقليم سينكيانغ.

إذن، المجزرة مستمرة والثورة مستمرة، وخيارات النظام السوري أصبحت محصورة في كيفية الاستمرار أحياء، فهو يدرك قبل غيره أنه نظام سقط عمليّاً أو هو ساقط لا محالة، وأن المسألة مسألة تدبير الأمور ضمن سيناريو فوضى يراهن على أن يكون أكبر لاعبيها داخل سوريا، بتعبئة الأقليات من العلويين والمسيحيين والدروز وتخويفهم من “بعبع” السنة القادمين لذبحهم، وهو “بعبع” لو تحقق يوماً، فإن نظام الأسد هو مهندسه وصانعه، فقصف حمص يتم من مناطق علوية ومسيحية لتوريط الأقليات ومحاولة تلويثها بدم الأبرياء.

لم يعد النظام السوري يسيطر على مناطق كثيرة من البلاد، فالجيش الحقيقي في الثكنات، وخروجه يعني تمرده، والقتال يتم بفرق خاصة منتقاة على أساس طائفي، وهيبة النظام التي كان يفرضها البطش والاستبداد تلاشت إلى غير رجعة، ولا بديل سوى الاستمرار في نفس النهج الدامي، وعلى نفس هذا الطريق ذي الاتجاه الواحد الذي لا مخرج فيه ولا يسمح بالاستدارة والعودة من حيث أتى، فلقد تلطخ بالدم والمذابح، وتلوث بالقهر والبطش، ولم يعد لديه خيار سوى خيار الدمار. وسياسيّاً، يعيش نظام الأسد حالة حصار خانقة، وعلى الصعيد الاقتصادي تتدهور الليرة السورية يوماً بعد يوم، ويعيش الناس حالة من التردي اليومي في حياتهم المعيشية، ويستشعرون حالة الخناق الاقتصادي والمقاطعة العالمية لهم.

هل من أمل عاجل؟ كل شيء ممكن، فقد تستمر المجزرة شهوراً، وربما أياماً، ومن يدري قد تكون أقل من ذلك بكثير…

لكن الحتمية في الثورة السورية، أن نظام الأسد قد سقط وإن بقي في السلطة.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى