الحرب السورية… اقتصادياً/ سمير العيطة
تتوالى دراسات “الخبراء” حول إعادة إطلاق العجلة الاقتصاديّة في المرحلة الانتقاليّة، وكأنّ المرحلة الانتقاليّة مجرّد مال واقتصاد كلّي، وكأنّ هؤلاء “الخبراء” منزّهون عن المسؤوليّة السياسيّة والاجتماعيّة السابقة أو ليس لهم مواقفهم وأهواؤهم. البديهيّ هو أنّ الأساسيّ في المرحلة الانتقاليّة هو الاقتصاد السياسي، وإدارته ستحتاج إلى التعامل مع قوى قديمة وأخرى نشأت مع الأزمة في منظور مصلحة المجتمع والدولة.
الأصعب في أيّة مرحلة انتقاليّة مصدره انعدام الاستقرار السياسي والقانونيّ، ممّا يعرقل إدارة هذا التعامل بين القوى الفاعلة، حتّى لو لم يكن الانتقال في أجواء الحرب والدمار. هكذا تدلّنا تجربتا تونس ومصر بعد “الثورة” أنّ أسس النظام القديم الاقتصاديّة الريعيّة لم تمسّ، بل تمّ التنازع عليها، كما لم تنشأ سياسات اقتصاديّة بديلة نشطة تستطيع أن تخرج الدولة من الدوّامة المفرغة لتراجع الاقتصاد – تراجع الدولة – تراجع التشغيل – عدم الاستقرار السياسي. هناك فقط خطابات وأحلام وآمال حول معونات واستثمارات خارجيّة من هنا وهناك، لم تأتِ ولن تأتيَ إلاّ بشروط… سياسيّة داخليّة وخارجيّة.
فما بالنا إذا كان الانتقال في زمن حرب، خلق بفعل ضروراته وأحداثه ومآسيه اقتصاداً مشوّهاً وأمراء حربٍ هم في الدرجة الأولى أمراء اقتصاد ومال أثروا من الدمار والفوضى. فهل تكون المرحلة الانتقاليّة بسبب الحرب ودوّامة الانتقال ترسيخاً مدنيّاً لهؤلاء الأمراء ولتقاسمهم السلطة الاقتصاديّة، وبالتالي للسلطة السياسيّة؟ وها هي تجربة لبنان في إعادة الإعمار وما آلت إليه من دوّامة تأزّم ماثلة أمامنا للعبرة؟
في سوريا، تفتح الأسباب البعيدة والعميقة للحرب الأهليّة آفاقاً جديدة لو جرى حقّاً استخلاص عبرها. في سوريا كان كلّ شيء منحصراً في المراكز – العواصم، في حين تركت الأطراف حتّى القريبة منها جغرافياً بعيدة عن التنمية، مهملة مقطّعة الأوصال، فما بالك بتلك البعيدة على مسافة قد تصل إلى عشرات الساعات بالحافلات. هذه الأطراف هي التي ثارت وطالبت بالحرية والكرامة، وغرست أسماءها عميقاً في الذاكرة الجمعيّة، ورغم قصفها وتدميرها، أدارت أمورها بذاتها ولن تتخلّى عن هذه “الحريّة” و”الكرامة” قريباً. بالتالي فإنّ مشروع إعادة الإعمار هو قبل كلّ شيء مشروع تنظيم إقليميّ يقوم أوّلاً وأساساً على وصل الأوصال، وتشييد بنى تحتيّة، وخلق أقطاب للصناعة والخدمات.
معضلة إعادة الإعمار ستكمن إذاً بالضبط في خلق الديناميّة بين المركز والأطراف، في حين سيقع المركز في غياهب تخبّطات السياسة، بينما يفترض أن يضع قواعد موحّدة للمصلحة العامّة ويكون قادراً على فرضها.
لا شكّ إذاً في أنّ تحديات المرحلة الانتقاليّة هي بحجم تحديات الحرب.
النهار