مراجعات كتب

الحركات الإسلامية: النفوذ الاجتماعي بوابة التمكين السياسي

 

 

مراجعة: د. ريتا فرج

[ الكتاب: الإسلاميون والعمق الاجتماعي في العالم العربي وتركيا

[ الكاتب: مجموعة باحثين

[ الناشر: مركز المسبار للدراسات والبحوث، دبي 2015

يستمد الإسلاميون حضورهم في العالم الإسلامي من عوامل عدة، ويشكل النفوذ الاجتماعي عبر شبكات الرعاية الصحية والتربوية والدعوية والاقتصادية والإعلامية مفصلاً رئيساً في آلية التمكين المجتمعي. تمكنت الحركات الإسلامية على مدار عقود من تأسيس عدد لا يستهان به من المؤسسات ذات النشاطات المختلفة، فاستطاعت استقطاب شرائح اجتماعية متنوعة، سهلت لها بناء نفوذها، وأدى تراجع الدولة وانسحابها من دورها التنموي، لا سيما في المناطق الريفية، إلى تعميق سطوة الإسلاميين بمختلف أطيافهم.

يعالج الكتاب قضية قلما تلفت اهتمام المعنيين في الحركات الإسلامية، شارك فيه باحثون مختصون عملوا على دراسة النفوذ الاجتماعي للإسلاميين في عدد من الدول العربية (مصر، الأردن، فلسطين، لبنان، تونس، المغرب) وتركيا. لا تقتصر الدراسات على الإسلام السياسي في الدول المدروسة، إنما اهتمت بالاتجاه السلفي خصوصاً في جانبه الدعوي والديني والإيديولوجي.

درس الباحث المصري في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن العمق الاجتماعي للإخوان المسلمين والسلفيين في مصر، مركزاً في دراسته على «الرأسمال الاجتماعي» الذي تم التأسيس له عبر منافذ عدة، إذ أدركت جماعة الإخوان المسلمين منذ انطلاقها عام 1928 أهمية مساندة قوى المجتمع لها، فحققت مكاسب سياسية عبر شبكات الرعاية والمؤسسات الاقتصادية. أثبتت البحوث الميدانية كما يلاحظ الكاتب أن التنظيمات والجماعات الدينية هي الأكثر مشاركة في تعويض العجز الذي تعانيه الدولة في توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها، وخصوصاً بالمناطق الفقيرة في الأرياف والأحياء العشوائية في المدن. يشير حسن إلى مؤشرين أديا إلى توافر العمق الاجتماعي لجماعة الإخوان والتيار السلفي على اختلاف مناهله وتوجهاته، الأول: هو انتشار مؤسساتهما الاجتماعية المتمثلة في العيادات الصحية ومراكز الدروس التعليمية والخدمات المصرفية غير الرسمية؛ والثاني: ما أتاحه المسجد من فرص لا تنقطع في عقد الاجتماعات وجهاً لوجه مع الناس، خمس مرات في اليوم الواحد، ومرة كل أسبوع بعد صلاة الجمعة. يفصّل حسن مصادر تمويل الإخوان المسلمين وأبرز الشركات التي يمتلكونها. حصدت جماعة الإخوان من مصادر دخلها جميعاً، بما في ذلك أرباح شركاتها، مبلغاً يصل إلى (7) مليارات جنيه (حوالى مليار دولار) عام 2012، وهو العام الذي تمكنت من إيصال أحد قياداتها إلى سدة الرئاسة.

لا تحظى حركة الإخوان في الأردن بالحيز نفسه من مقومات القدرة الاجتماعية والاقتصادية مقارنة بالإخوانية المصرية، لكنها وفرت شبكات دعمت وجودها في المجتمع الأردني. ترى الباحثة الأردنية نادية سعد الدين أن المنافذ الدعوية والخدمية المجتمعية، شكلت معولاً معتبراً عند جماعة الإخوان في الأردن، وتلازمت مع مسار التمكين السياسي. طغى هذا النهج عليها منذ مرحلة التأسيس واتخذ طابعاً خيرياً ودعوياً واقتصادياً سهل التغلغل في النسيج الاجتماعي على الرغم من حالة الاضطراب والمهادنة في علاقتها مع الدولة. تناول الباحث الأردني إبراهيم أمين نمر النفوذ الاجتماعي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وخلص إلى أن التجرية السياسية للإخوان المسلمين في فلسطين لعبت دوراً مهماً في إلهام حماس بالمضي قدماً في توجيه العلاقة بينها وبين قاعدة المؤسسات المجتمعية والأهلية.

رصد الأكاديمي اللبناني عبدالغني عماد المؤسسات الاجتماعية والتربوية وشبكاتها الضخمة التي أنشأها حزب الله في المجتمع الشيعي اللبناني، بالتعاون مع مؤسسات الجمهورية الإسلامية الإيرانية. توزعت شبكة النفوذ الاجتماعي على ثلاثة قطاعات: المؤسسات الإنمائية والخدماتية، المؤسسات الرعائية والصحية والخيرية، المؤسسات التربوية والشبابية والكشفية، والمؤسسات الثقافية والتعبوية والدينية. أفرد الكتاب دراسة أعدها الباحث والصحافي اللبناني قاسم قصير حول مؤسسات المرجع الديني الراحل العلاّمة محمد حسين فضل الله. تتضمن المادة طبيعة المؤسسات وانتشارها في لبنان وخارجه إلى جانب مصادر التمويل من حقوق شرعية وتبرعات وصدقات وإقامة علاقة مميزة مع عدد كبير من رجال الأعمال.

تضاعفت أعداد الجمعيات ذات التوجهات الإسلامية والخيرية في تونس خلال الفترة الممتدة بين عامي 2011 و 2014. هذه الظاهرة درسها الأكاديمي والباحث التونسي أعلية علاني في ورقته التي تحتوي على جانب مهم من المعطيات والأرقام والمؤشرات التي تكشف عن المداخيل والتبرعات التي تلقاها بعض هذه الجمعيات من دول مختلفة. يسعى الكاتب إلى تبيان أسباب ارتفاع هذه الجمعيات محدداً المخاطر الكامنة في نشاطها لا سيما تلك التي تروج لمضامين فكرية متطرفة في ظل غياب رقابة الدولة. إلى ذلك قدّم رئيس الجمعية التونسية للحوكمة معز الجودي مقاربة قانونية تهدف إلى وضع تشريعات قانونية في سبيل ضبط عمل الجمعيات ذات التوجه الديني أو المدني بغية وضعها تحت رقابة الدولة التونسية.

يملك السلفيون في المغرب – كما يبين الباحث المغربي عبدالحكيم أبو اللوز – نفوذاً اجتماعياً ودينياً ملحوظاً كرسه العمل الأهلي، وقد أفادوا من ضعف امتداد الإسلام الرسمي في المجتمع، وأسسوا قوتهم عبر شبكات مختلفة من ضمنها جمعيات التلقين الديني التي تروج للفكر السلفي. وعلى الرغم من إغلاق الدولة لأكثر من ستين جمعية لدور القرآن غير المرخص لها، حقق التيار السلفي اختراقات مهمة لتعزيز شرعيته وحضوره واستغل الصراع على إدارة المقدس بين مختلف ممثلي الإسلام والناطقين باسمه.

تنطلق دراسة الباحث المغربي منتصر حمادة من فرضية رئيسة: تميز المشروع الإسلامي الحركي عن غيره من المشروعات الإصلاحية في مجالنا التداولي الإسلامي العربي، بسعيه نحو أسلمة المجتمع والنظام والدولة، لذلك عمل على تكثيف تواجده عبر مسارين: المسار القاعدي: ويشتغل على المنظمات الأهلية أو مؤسسات المجتمع المدني وخصوصاً في قطاعي التربية والتعليم. والمسار الفوقي: الذي يستهدف أسلمة النظام والدولة، ويتم عبر اختراق مؤسسات الدولة. يتحقق الباحث من فرضيته عبر دراسة جماعة «العدل والإحسان» في المغرب كأنموذج تطبيقي إلى جانب حركة «التوحيد والإصلاح».

خصّص الكتاب دراستين لتركيا، الأولى: «العدالة والتنمية التركي.. من الديمقراطية المحافظة إلى تجذر النفوذ» والثانية: «مؤسسات جماعة «الخدمة» (حركة كولن) الاختراق الناعم للإسلام الإجتماعي». بحثت الدراسة الأولى التي أعدها الباحث المصري المختص في الشؤون التركية كمال حبيب في التحولات التي شهدها حزب العدالة والتنمية منذ ظهوره عام 2001 حيث عرض مستويين في ما يتعلق بالنفوذ الاجتماعي: مصادره وتأثيره والتحديات والقيود التي تواجهه. تُعد «حركة كولن» أحد أبرز ممثلي الإسلام الاجتماعي أو الإسلام الثالث كما يفضل بعضهم تسميته اخترقت بنشاطها مفاصل الدولة والمجتمع التركيين، تربوياً وثقافياً واجتماعياً ودينياً وسياسياً عبر العديد من الأنشطة المختلفة، والآلاف من المؤسسات المنتشرة في مختلف ربوع تركيا وخارجها.

خاتمة الدراسات أعدها الباحث اللبناني هيثم مزاحم بشأن سبل تمويل حركات الإسلام السياسي والجماعات الدينية الإرهابية. اتخذ النماذج التالية: الإخوان المسلمين في مصر، الإسلاميون في موريتانيا وجماعة الشباب المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة في الصومال وتنظيم داعش الإرهابي. اختتم العدد في قراءة لكتاب (The House of Service: The Gülen Movement and Islams Third Way) (بيت الخدمة: حركة كولن وطريق الإسلام الثالث) للباحث الإسترالي ديفيد تيتنسور أجراها الباحث السعودي عبدالله حميد الدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى