الحروب سلعة/ مصطفى زين
قدمت الولايات المتحدة المزيد من الأسلحة الفتاكة إلى المعارضة السورية «المعتدلة» لتشكيل «جيش جديد» مواز للجيش النظامي، ودربت أبناء العشائر العراقية أيضاً لتشكيل جيش طائفي مقابل ميليشيات طائفية أخرى. وقررت، في الوقت ذاته، زيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل لأنها «ليست مجرد جزء مهم (من التزاماتها) تجاه الدولة العبرية، بل هي جزء مهم من البنية التحتية الأمنية لواشنطن في المنطقة، فنحن نضمن أن واحداً من أقرب حلفائنا قادر على حماية نفسه، لا بل إننا نعمل معاً ضد الإرهاب»، على ما قال الرئيس باراك أوباما خلال استقباله نتانياهو الأسبوع الماضي، متعهداً التصدي لـ «إرهاب حزب الله»، بعدما دان «الإرهاب الفلسطيني»، المتمثل بمستخدمي السكاكين والحجارة في التصدي لجنود الاحتلال.
واقع الأمر أن ضمان أمن إسرائيل لا يقتصر على المساعدات العسكرية والمالية، بل يتعداه إلى السياسة والديبلوماسية (لم تعد تحصى المرات التي استخدمت فيها الإدارات الأميركية المتعاقبة الفيتو في مجلس الأمن لمصلحة إسرائيل). لكن أفضل المساعدات التي قدمتها وتقدمها لها واشنطن لتحقيق «حلمها الاستراتيجي»، هي مساعدة الأعراق والطوائف والمذاهب في تسعير الحروب الأهلية وتفكيك الدول. وجاء «الربيع العربي» ليقدم إلى الطرفين (الطوائف وإسرائيل) فرصة تاريخية لاستكمال ما بدأته واشنطن في العراق وتعميمه على باقي المشرق، خصوصاً سورية، وبمساعدة سوريين تحولوا إلى سلعة تباع وتشترى في سوق الحروب المتناسلة في الشرق الأوسط، إذ أصبح لكل دولة، كبيرة كانت أو صغيرة، جيشها «السوري» تعتمد عليه في حماية مصالحها وتأمين دورها في صوغ النظام الجديد وإعادة البناء، وحين تعجز عن ذلك تشكل فرق مرتزقة من الإرهابيين المتمرسين، تستقطبهم من شتى البقاع.
تضارب المصالح بين هذه الدول انعكس، وينعكس، حروباً تشن مرة باسم الدين، ومرة باسم الحرية والكرامة والديموقراطية، تبعاً لتوجهات الممولين والمدربين وأصحاب القرار. لذا لم يدعَ أي سوري إلى مؤتمر فيينا، لا الأول ولا الثاني، في انتظار تفاهم أصحاب القرار واتفاقهم على إعادة تأسيس الدولة السورية. واللافت أن أي حزب أو جماعة أو مثقف، لم يعترض على هذه الإهانة، لا في بيان ولا في مقال ولا في عريضة، فالجميع استسلم للواقع، وسلّم أمره إلى الخارج، راضياً بـ «قدره المحتوم».
استكملت إدارة أوباما مهمتها في حماية إسرائيل، لأن «الجيوش السورية» التي يجرى البحث في توحيدها ليس في عقيدتها محاربة الدولة العبرية، فلا الولايات المتحدة ولا روسيا، أو غيرهما من المتفاوضين على مستقبل بلاد الشام، معاد لها، والعكس صحيح. وعلى رغم ذلك يتحرك نتانياهو من الآن، طالباً من واشنطن رفض أي حل لا يضمن ضعف «النظام الجديد» ويكبله باتفاق على عدم مهاجمة اسرائيل، وإبعاد طهران عن دمشق وعن بغداد لتفكيك التحالف الذي يمكن أن يشكل خطراً عليها ولو في المستقبل البعيد. والولايات المتحدة مستعدة لذلك، ومستعدة لإعادة إشعال الحروب، فهي سلعة تصدرها ونستوردها نحن، مثلما نستورد القمح.
الحياة