صفحات الثقافةممدوح عزام

الحرية أو الموت/ ممدوح عزام

 

 

 

هذه هي المعادلة التي وضعها نيكوس كازانتزاكيس أمامنا في روايته المعروفة، إذ إن الكابتن ميخايلس لا يجد أمامه في نضاله لتحرير بلاده، وهي جزيرة كريت، سوى الموت، حين يعجز هو عن تحقيق فعل الحرية الذي ثار لأجله ضد الاحتلال. دعونا نرَ كيف انتهت رواية كازنتزاكيس:

“فبعد أن قتل الجنود الأتراك كوزماس ابن أخي الكابتن ميخايليس، ورموا رأسه أمام قدميه، اكتسى وجهه (الكابتن) بهالة من ضوء وحشي يفيض ببهجة لا إنسانية: أكانت كبرياء، أم تحدياً، أم استهانةً بالموت؟ أكانت حبّاً لكريت لا حدود له؟  وصاح الكابتن ميخايليس هادراً: “الحرية أو….”ولكنه لم يكملها، استقرّت رصاصة داخل فمه، واخترقت أخرى صدغيه”.

ليس لديّ ما يؤكد أن الممثّل “ميل غيبسون” قد استعار من هذه النهاية المضيئة، خاتمة فيلمه السينمائي “قلب شجاع”. سوف ترى اختلافاً في سلاح الإعدام، وفي شكل المواجهة، غير أن صرخة البطل أمام الموت المحقّق تتضمّن هذا الهتاف العالي، وهذه الاندفاعة الشجاعة نحو الموت.

تنطوي معادلة الحرية أو الموت على مفارقة خفيّة، فالمعقول هو أن يتضمن مطلب الحرية الفردي أو الشعبي بحثاً عن الحياة لا عن الموت. عن حياة أخرى تكفل الخلاص من الذل والقمع واستلاب الحقوق من قبل أيّة قوة خارجية ممثّلة بالاحتلال الأجنبي، أو داخلية مجسّدة في أنظمة الاستبداد. بينما تشير معظم الأعمال الفنية والأدبية، إلى أن دعاة هذه المعادلة يمضون إلى الموت.

المرجّح أنه القلب الشجاع كما صوّر ذلك ميل غيبسون، أو كتب عنه كازنتزاكيس. أو أنه المسعى البطولي لمنح الحياة معنى أكثر عمقاً وقوّةً من خلال تحدّي النقيض، أو الاستخفاف بالوجه المهدد لوجودها. وبهذا المعنى تبدو الحرية قرينة للحياة.

المفارق أكثر أن تجد في مقابل أولئك الشهداء الأحياء الذين يهرعون إلى الموت أمام الرصاص، أو يمضون إلى السجون، أقراناً لهم، ممن يعيشون تحت سقف القهر أو الاحتلال ذاته، يسرعون إلى التنديد بشطط دعاة الحرية، أو يعلنون صراحة أن ما لديهم من الحرية يكفيهم.

يمكنك أن تتأكّد من هذا الفتور العليل في طلب الحرية، أو ذاك الاعتراض الرافض للنهوض من أجلها في الوضع السوري. لا أعرف ما إذا كان الحال السوري فريداً، غير أن الكلام عن “الخوف من الحرية” كان صريحاً من جهة، وقد تقمّص أشكالاً من المناهضة العلنية بالقول، أو بالفعل، بل إن شاعراً سورياً سبق أن كتب نداء شعرياً حصيفاً من أجل الحرية، سارع إلى الإعلان عن “خوفه” من الحشود التي كانت تتساقط قتلى على الدرب إليها. وكان عملياً من جهة أخرى، إذ سوف تجد من يلتمس بالعصا طريقة لمنع الآخرين من نعمة التعبير عن حب الحرية.

بين الكابتن ميخايليس وخوف الشاعر من الحرية مسافة حائرة، إذ فيما يدفع الكابتن حياته ثمناً لحقه وحقوق أبناء وطنه فيها، ينسحب الشاعر إلى تخوم الطمأنينة من المجهول الذي تحمله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى