الحصول على جواز سفر سوري: رحلة عذاب أقسمتُ بعدها أنني لن أعود
منهل عمار
اسابيع واشهر للحصول على جواز سفر عادي!
خلال جلوسي في الطائرة عائداً إلى دمشق عبر بيروت، انتابني شعور دائم بأن ثمة ما ينتظرني في نقطة الحدود السورية – اللبنانية في جديدة يابوس لدى عودتي إلى دمشق منتقلاً من عملي في السفارة السورية إلى وزارة الخارجية السورية لأني كنت مادة دسمة لعناصر المفرزة الأمنية في السفارة وتشرّفت بتدوين اسمي مرات عدة في تقاريرهم.
لدى مروري بنقطة الحدود السورية تم فتح حقائبي على غير العادة لحاملي جوازات السفر الديبلوماسية مما زاد اليقين في نفسي بأنني معتقل لا محالة، ولكن تبين في ما بعد أن توجيهات عليا أمرت بتفتيش صارم لجميع الحقائب الآتية إلى سوريا أياً كان صاحبها. سبب تلك التوجيهات كانت بداية العسكرة الفعلية للثورة السورية في تلك الفترة حيث كان النظام متخوفاً من تهريب الأسلحة خصوصاً مع من ينتمون إلى مناطق ثائرة.
وفي الطريق إلى دمشق والذي يمتد 40 كيلومتراً توقفنا عند ثمانية حواجز أمنية وعملية تفتيش دقيقة في كل مرة للحقائب والسيارة إلى أن وصلنا إلى دمشق دون اعتقال. كان ذلك في نهاية عام 2011.
عدت بعد إجازة لمدة أسبوع إلى عملي في وزارة الخارجية التي كانت تنبعث منها رائحة المخابرات والعيون المراقبة لأي نظرة معارضة أو همسة مندسة مع ملاحظة الاصطفاف والانقسام الواضح على موظفي الوزارة بين مؤيدين لبشار الأسد يتباهون بتأييدهم له ويقصون الاخبار بصوت عال عن بطولات الجيش النظامي في دحر “العصابات الإرهابية المسلحة”، فتبيّن وجهة النظر الرسمية، حتى أن أحدهم صرح بالفم الملآن دون خجل أو حياء خلال مأدبة فطور صباحي في أحد المكاتب ضم بعض الاصدقاء من المؤيدين والمعارضين، بأنه ينضم في كل يوم جمعة إلى مجموعات الشبيحة لمنع خروج التظاهرات من المساجد مقابل 5000 ليرة سورية (100 دولار).
وبين المعارضين الذين لا يتجرأون على الهمس بما يعتقدون بل كانوا على العكس من ذلك يتظاهرون بالتأييد لبشار أمام زملائهم المؤيدين خوفاً من تقرير لا يعرف عقباه… والمضحك في هذا المشهد أن المؤيد يعرف أن صديقه المعارض معارض للنظام وأنه يتظاهر بالتأييد له ومع ذلك تستمر العلاقات في إطار تمثيلي مضحك يجعلك تعتقد بأنك تشاهد مسلسلاً تلفزيونياً سورياً.
استدعيت في اليوم الأول من عملي إلى إدارة الرقابة الداخلية في وزارة الخارجية للتحقيق وكانت أسئلة عامة عن النشاط في السفارة وسبب التقارير الكثيرة التي كتبت عني مع بعض النصائح بأن أبتعد عن أفكاري الهدامة التي لن تعود علي وعلى عائلتي سوى بالضرر، مع التهديد المبطن بأن الاستدعاء الثاني سيكون من جانب جهة أمنية إذا لم أنصرف عن المعارضة الكلامية للنظام وتقصير اللسان والسير في الطريق الصحيح.
بقيت في عملي ثلاثة أشهر استنفدت خلالها رصيدي من الإجازات. بعدها قررت أن أترك العمل وطلبت إجازة خارجية بلا أجر وافق عليها الوزير وليد المعلم بعد طول انتظار دون منحي جواز السفر الديبلوماسي، فاستحصلت من وزارة الخارجية على كتاب موجه إلى إدارة الهجرة والجوازات يتضمن موافقة وزارة الخارجية علىسفري وتسهيل منحي جواز سفر عادياً وتأشيرة الخروج اللازمة لذلك.
في إدارة الهجرة والجوازات فاجأني الشرطي المسؤول عند طلب استحصالي على جواز السفر بأن ثمة تشابهاً في الأسماء بيني وبين أحد قادة الكتائب… سألته عن بيانات الشخص المطلوب فتبين أن المشترك في ما بيننا هو إسمي واسم أبي مع نصف اللقب، فالقيد المدني مختلف وتاريخ الولادة مختلف واسم الام مختلف والمهنة مختلفة، فطلب مني مراجعة فرع المخابرات الجوية في مطار المزة العسكري. صعقت لهذا الطلب فتوسلت اليه أن يتصل بالفرع المذكور وشرح الاختلافات الواضحة في البيانات عسى أن يحل الموضوع دون تلك الزيارة المكروهة، ورضخ لمناشدتي بعدما أن وضعت في جيبه 10 دولارات. وفعلاً اتصل أمامي بالفرع المخابراتي الجوي وشرح كم الاختلاف بيني وبين قائد الكتيبة المطلوب وأنني موظف في وزارة الخارجية ووو…
سأله العنصر المخابراتي الجوي: من وين هوّي؟ (بتشديد الواو وتسكين الياء فجأة).
فأجاب الشرطي: من كذا (وهي منطقة ثائرة).
فرد العنصر المخابراتي الجوي متهكماً: بعتو (بتشديد الواو).
فطمأنني الشرطي وقال لي: لا تقلق لن يستغرق الأمر سوى ربع ساعة.
ذهبت على أمل الربع ساعة ودقات قلبي تزداد سرعتها طرداً مع تقلص المسافة إلى المخابرات الجوية في مطار المزة العسكري السيىء الذكر.
قبل وصولي إلى منطقة المطار بثلاثة كيلومترات تقريباً ركنت سيارتي إلى جانب الطريق وكان معي اثنان من أقاربي فنصحاني بأن أترك معهما كل أشيائي الخاصة والثمينة، وفعلاً تركت كل شيء وأبقيت معي قليلاً من النقود باليرة السورية ما يعادل عشرين دولاراً واستبدلت هاتفي النقال بهاتف قريبي البسيط وأوصلاني إلى أمام مبنى المخابرات الجوية. وقبل أن أنزل من السيارة أوصيتهم بأن يخبروا بعض معارفي وأصدقائي من الذين يعملون في وزارة الخارجية إذا ما حصل أي مكروه ليولم أعد إلى بيتي آملاً في تحرك وزارة الخارجية من أجلي.
كانت الساعة الحادية عشرة قبل الظهر حين وصلت إلى باب الفرع الرئيسي الذي تزينه الخرسانات الإسمنتية الكبيرة وأكياس الرمل المصفوفة بعضها فوق البعض لتشكل سواتر ترابية مع صورة كبيرة بعرض ثلاثة أمتار وارتفاع مترين تقريباً مسندة الى عمود حديد لبشار الأسد بالزي العسكري ونظارتيه الداكنتين ووالده بجانبه أيضاً بالزي العسكري مع بعض الصور الصغيرة لبشار وأعلام حزب البعث والأعلام السورية المهترئة والملوثة بالغبار فوق السواتر. ولا تكتمل الصورة تلك إلا بوجود أربعة من العناصر الأمنية باللباس العسكري الكامل يحملون بنادق روسية آلية ويتمشون أمام باب الفرع ذهاباً وإياباً يراقبون حركة الناس والسيارات المارة من أمام الفرع. وعندما لمحني أحدهم أقترب منهم اشتدت نظراته إلي وتوقف عن المشي وانتظرني حتى وصلت إليه مراقباً فيّ كل رمشة عين في وجهي، وبادرني بالسؤال ماذا تريد؟… فرددت عليه بالسلام وأعطيته ورقة صغيرة كان شرطي الهجرة والجوازات قد أعطاني إياها ليتعرفوا إلي، فرد إلي الورقة وأرشدني إلى غرفة الاستعلامات بجانب الباب الرئيسي. ذهبت إليها حيث كان فيها ثلاثة أشخاص أعطيتهم الورقة مع بطاقتي الشخصية من النافذة ليسجل أحدهم بياناتي على دفتر زوار الفرع وطلب مني الدخول إلى الغرفة لتبدأ عملية التفتيش الذاتي وحجز هاتفي النقال، وأعطاني ورقة دخول إلى الفرع وصرخ لأحد الحراس الكثيرين الموجودين في ساحة الفرع طالباً منه ان يأخذني إلى الديوان.
الى الديوان
في الطريق إلى الديوان تستشعر الخوف ينبع من كل مكان، فالصور الكثيرة لبشار الاسد ووالده وشعارات الولاء لحزب البعث ولقائد المسيرة على كل الجدران وعناصر الأمن باللباس العسكري والمدني يدخلون ويخرجون من أبنية توحي بأن الرعب يسكن فيها حتى شدني النظر إلى زاوية قريبة لمحت فيها بعض الأشياء التي يبدو انها صودرت خلال قمع التظاهرات في المدن والقرى، مثل لافتات قماشية مكتوب عليها شعارات الحرية والكرامة والسلمية ومكبرات الصوت القديمة، وكل شيء تقريباً لمحته وجدت له تفسيراً في عقلي سوى فرّامة لحم كبيرة كانت بين الأشياء المصادرة لم أجد تفسيراً لوجودها هناك.
لدى وصولي إلى الديوان وهو غرفة اسمنتية بجانبها غرف عدة ملاصقة ومتشابهة بدأ فصل الرعب اذ كان أول ما رأيت ثلاثة أشخاص جاثيين على ركبهم ومقيدي الأيدي من الخلف ومعصوبي الأعين باتجاه أحد الجدران القريبة من باب الديوان وآثار التعذيب بادية على أجسادهم والدماء تسيل منهم مع سماع أصوات تأتي من بناء قريب لم استطع تحديد مكانه. كان صراخ المعذبين يملأ المكان مع شتائم قذرة وكفر بالذات الإلهية، فصرت أقرأ بعض الآيات والأذكار لإعانتي على هذه الزيارة ودخلت إلى الديوان لأجد خمسة أشخاص يجلسون إلى مكاتب قديمة والأوراق في كل مكان وصوراً لبشار الأسد ملصقة على الجدران بطريقة عشوائية، فقال لهم الحرس المرشد لي: استلموا… وانصرف.
سألني أحدهم وكان يرتدي زياً رياضياً وقميصاً داخلياً ابيض ويشرب المتة: ماذا فعلت؟ فقلت لم افعل شيئاً، وشرحت له سبب قدومي وأنني أعمل في وزارة الخارجية وكنت أتقصد في كل مرة ذكر مكان عملي أملاً بأن أحظى بقليل من الاحترام.
فأعطاني ورقة وقلماً وطلب مني الجلوس على خرسانة اسمنتية خارج المكتب بالقرب من المعتقلين الثلاثة لأملأ الورقة.
استغرق ملء البيانات المطلوبة نصف ساعة تقريباً لأنها تفصّل حياتي منذ ولادتي وحتى ساعة قدومي إلى الفرع، إضافة إلى بيانات كل أقاربي وأولادهم وأحفادهم على وقع تأوه المعتقلين الثلاثة القريبين مني وأناتهم وأصوات التعذيب الآتية من البناء المجاور. أعطيته الورقة وطلب مني العودة إلى مكان قريب من غرفة الاستعلامات والانتظار هناك مع بعض المنتظرين، وفعلاً ذهبت ووجدت عشرين شاباً تقريباً ينتظرون في مكان قذر جداً، فتعارفنا وجلست إليهم وبادروني بالسؤال عن سبب قدومي، فقلت “تشابه أسماء”، فانفجر الجميع ضحكاً وقالوا لي: محمد أحمد: فقلت لا فلان الفلاني، فتبين أن بينهم سبعة أشخاص مطلوبين بسبب تشابه باسم محمد أحمد بينما كنت الوحيد الموجود بتشابه لإسم آخر.
بعد نصف ساعة من جلوسي في ذلك المكان القذر ذهبت إلى غرفة الاستعلامات وسألتهم هل من جديد بشأني؟ فكان الجواب ليس بعد، وفهمت من أصدقائي الجدد أنه يجب علي عدم الاستعجال لأن الأمر قد يأخذ أسابيع وأشهراً من الانتظار، وذكروا لي أمثلة من بعض الموجودين وأنه مفروض علي الحضور يومياً الساعة التاسعة صباحاً إلى الفرع والمغادرة في الثالثة والنصف عصراً إلى أن يقرروا بشأني أمراً ما.
اليوم الثاني
في اليوم الثاني، تقصدت ارتداء البدلة الرسمية مع ربطة العنق وذهبت مباشرة إلى وزارة الخارجية وقابلت مدير المراسم في الوزارة الذي ابدى تعاطفاً كبيراً عندما شرحت له معاناتي واتصل على الفور من هاتفه الخاص بنائب مدير المخابرات الجوية واستفاض بالحديث معه عن مشكلتي، فطمأنه بشأني وأكد له أن الأمر روتيني بحت وخلال ساعتين سيحل الاشكال. في طريقي إلى الفرع كانت تنتابني مجموعة مشاعر متناقضة بين الخوف والتفاؤل من تطمينات مدير المراسم، ومر اليوم ولم يكترث أحد بي.
اليوم الثالث
في اليوم الثالث، لبست أيضاً البدلة الرسمية مع ربطة العنق وذهبت إلى مكتب نائب الوزير فيصل المقداد وطلبت مقابلته ولكنه كان في اجتماع مع الوزير خلال استقبال وفد من الأمم المتحدة للشؤون الانسانية، فشرحت لمدير مكتبه قصة معاناتي (وكان من الحاشية المقربة للنظام) فغضب لذلك واتصل فوراً من هاتفه الخاص بشخصية لم أعرف من هي شارحاً لها قصتي مع بعض اللوم على تصرفات الأمن في حق موظفيالدولة والناس المعروفين من جهات رسمية، وأنني زميل لهم في وزارة الخارجية وكنت أعمل في السفارات السورية… إلخ، فطمأنني بعد ذلك الى أن الأمر سينتهي اليوم. وفعلاً ذهبت إلى وظيفتي الجديدة في فرع المخابرات الجوية وانتظرت مع المنتظرين وكالعادة لا جديد سوى القصص التي كان يرويها الأصدقاء للتسلية وتمضية الوقت ومنها أن أحد الموجودين معنا وهو عسكري حلبي طلب للتحقيق لأنه لم يخبر الضابط بالحلم الذي رآه صديقه خلال نومه قبل يومين من فراره من قطعته العسكرية… حيث إن الصديق الفار رأى نفسه في الحلم فاراً من الخدمة يقاتل مع الثوار، وغيرها من قصص الكوميديا السوداء، وطبعاً سمفونية الشتم بألفاظ بذيئة وبصوت مسموع على العصابات المسلحة وكيف تعيث دماراً وقتلاً في البلد كانت يومية بسبب دس المخابرات أحد المخبرين بيننا على أنه مطلوب للتحقيق.
اليوم الرابع
فقدت الأمل في أي مساعدة ولم أعد أذهب إلى وزارة الخارجية وإنما صرت آتي فوراً إلى مبنى الفرع متقصداً ارتداء البدلة الرسمية مع ربطة العنق أملاً في كسب ودهم واحترامهم والتعجيل في إنهاء المعاناة.
اليوم الخامس
في الساعة الاولى والنصف بعد الظهر استدعيت إلى الديوان يرافقني أحد العناصر الذي طلب مني الوقوف قليلاً أمام باب الديوان بينما أخذ يمشي ذهاباً واياباً وكأنه يبحث عن شيء حتى رأيته يأخذ شيئاً من الأرض بدت كأنها قطعة قماش أخذ ينفضها من التراب وجاء إلي وقال لا داعي للخوف، سوف أعصب عينيك، وفعلاً عصبت عيناي وسحبني من يدي ليدخلني إلى غرفة مقابلة لغرفة الديوان وشعرت به وكأنه انصرف.
تقصدت حين دخولي إلى تلك الغرفة إلقاء السلام ولكن ما من مجيب وبقيت واقفاً ثلاث دقائق تقريباً دون أن يكلمني أحد مع حالة خوف كبيرة وتوقع بأن لكمة ستأتيني من الأمام أو الخلف على ظهري او على بطني واللعاب نضب من فمي الى درجة لم أعهدها من قبل، حتى دهمني المحقق بمجموعة من الأسئلة: ما اسمك ومن اي مدينة أنت، وغير ذلك من بياناتي الشخصية وأسئلةعن عملي وعن عائلتي وأقاربي وأصدقائي وأخيراً عن رأيي بما يحصل في سوريا، وطبعاً تبنيت وجهة النظر الرسمية وزاودت عليها بشيء من المعقول حتى أكون مقنعاً مع قناعتي بغبائهم من طريقة التحقيق، وتحدثت بطريقة أبواق النظام أن البلد ليس على ما يرام كسائر بلدان العالم، ولكن يجب ألا يكون هذا الأمر ذريعة للتدخل الخارجي، وإذا كانت المعارضة قوية فلتأتِ إلى صندوق الانتخاب، وبعد ذلك قال لي المحقق: كل الذي ذكرته جميل جداً ولكن ما لدينا من معلومات مخالف تماماً لما قلته. فأجبته: وماذا لديكم؟ فقال: انني أتعامل مع العصابات الإرهابية المسلحة وأنني ممول لها وكنت آتي بالأموال من لبنان وتركيا والسعودية وقطر والأردن وأعمل على توزيعها لقادة الكتائب الناشئة. طبعاً نفيت نفياً قاطعاً كل ما ذكره وصرت أغير مسار الحديث وأتحدث عن ولائي لسوريا ولبشار الاسد، وكيف كانت فرحتي كبيرة بلقائه مرتين وأخذ الصور التذكارية معه.
في نهاية التحقيق الذي استمر ساعة ونصف ساعة تقريباً طلب من العنصر إخراجي من الغرفة، فبادرته بكلام تمثيلي فيه بعض الشجن المزيف: حضرة المحقق، أعرف أن مدينتي فيها عناصر خارجة على القانون وضد الدولة، ولكن فيها أيضاً آخرون مع الدولة وقائد الدولة، أرجو عدم نسيان ذلك.
اليوم السادس
وكالعادة انتظار حتى الساعة الثالثة والنصف، وفي نهاية ذلك اليوم سألت موظف الديوان هل من جديد فوعدني خيراً للغد ، وعند تسلمي بطاقتي الشخصية وهاتفي النقال رأيت باصين كبيرين ممتلئين بمعتقلين معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي إلى الخلف ينزلونهم من الباصات ويصفّونهم على أحد الجدران جاثيين على ركبهم والضرب والركل والشتم بلا حدود. تبين في ما بعد أنهم نتاج عملية اقتحام كبيرة لمدينة الضمير في ريف دمشق.
اليوم السابع
ومع نهاية الدوام الرسمي قال لي عنصر الديوان إذهب إلى بيتك وانتظر مكالمة هاتفية. فودعت أصدقائي بالسلام والقبلات وقدموا لي التهاني بالعودة سالماً وحالات الاستغراب والتعجب بادية على وجوههم من سرعة انتهائي من هذه المحنة .
بعد ثلاثة أيام جاءتني مكالمة هاتفية من رقم غريب مؤلف من ثمانية أرقام أكد لي أخي الذي استشهد في ما بعد أنه لجهة أمنية، وكان في الجانب الآخر عنصر الديوان في المخابرات الجوية، قال لي إذهب إلى المركز الرئيسي للهجرة والجوازات لتحصل على ورقة “خلاف مقصود”، بعدها ذهبت إلى فرع الهجرة والجوازات في مدينتي وحصلت على جواز سفر وأقسمت على عدم العودة إلى سوريا في ظل هذا النظام.