الحظر الجوي في طريقه الى سورية
رأي القدس
لا نعتقد ان الرئيس السوري بشار الاسد سيستمع الى نصيحة السيد رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا الذي طالبه بالتنحي ‘من اجل خلاص شعبك وبلادك والمنطقة’ ومخاطبته بأن ‘القتال ضد شعبك ليس بطولة’، لانه، اي الرئيس السوري عاقد العزم على المضي قدما في الحلول الامنية والعسكرية حتى النهاية، ومهما كان الثمن حسبما جاء في حديث ادلى به الى صحيفة بريطانية قبل بضعة ايام، لانه يشعر، بل يؤمن، بان هناك ‘مؤامرة’ عربية غربية للاطاحة بحكمه.
وسط هذه الاجواء يعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعا اليوم في القاهرة من اجل بحث الاوضاع في سورية، ومدى التزام السلطات السورية بالمهلة التي حددها اجتماع سابق وتقضي بوقف كل اشكال العنف واطلاق المعتقلين، والسماح بدخول حوالي 500 مراقب عربي ودولي لمتابعة تنفيذ هذه المطالب والتأكيد على التجاوب الكامل معها.
السلطات السورية لم تلتزم بمثل هذه المطالب، واجهزتها الاعلامية تشن حملة شرسة ضد الجامعة العربية وتتهمها بالتآمر على سورية تنفيذا لمخططات امريكية، ولهذا فان وزراء الخارجية العرب باتوا امام موقف حرج، خاصة بعد ان هددوا بفرض عقوبات اقتصادية على سورية في حال عدم التزامها بتنفيذ الشروط العربية.
الخطوات التي يمكن ان يتخذها وزراء الخارجية العرب يمكن التعرف عليها من خلال متابعة الموقف الفرنسي على وجه الخصوص، لان فرنسا باتت هي المؤشر، او البوصلة التي يمكن ان تدلنا على السيناريوهات المعدة لسورية، مثلما كانت تدلنا على السيناريوهات المعدة لليبيا قبل ذلك.
آلان جوبيه وزير الخارجية الفرنسي كشف يوم امس، واثناء اجتماعه مع الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري ان بلاده تؤيد اقامة ‘ممر انساني’ محتمل في سورية، وتعتبر (اي حكومته) المجلس الوطني السوري شريكا شرعيا تود ان تعمل معه لانه ‘المحاور الشرعي الذي سنواصل العمل معه، وان الاعتراف الرسمي به الذي نعمل للوصول اليه بالتنسيق مع الجامعة العربية وجميع حلفائنا سيحصل في وقت لاحق’.
المستر جوبيه لم يشرح مفهومه للممر الانساني الذي طرحه فجأة امس، ولكن ما يمكن فهمه انه مجرد تسمية اخرى ‘لمناطق الحظر الجوي’ او ‘الملاذ الآمن’ لحماية المدنيين من قمع النظام، على غرار ما حدث في ليبيا، خاصة ان وزير الخارجية الفرنسي قال انه سيطرح هذا الاقتراح على جدول اعمال المجلس الاوروبي، اثناء اجتماعه المقبل في الثاني من شهر كانون الاول (ديسمبر) المقبل.
اجتماع وزراء الخارجية العرب قد يمهد الطريق، ويقدم بالتالي الغطاء ‘الشرعي العربي’ لهذا الاقتراح الفرنسي، بالاعتراف بالمجلس الوطني السوري اولا على غرار ما فعل بالمجلس الانتقالي الليبي، والدعوة الى اقامة مناطق امنية عازلة، لان النظام السوري لم ينفذ المبادرة العربية التي طرحت كطوق نجاة اخير له.
الدكتور غليون عكس بعضاً من هذه النوايا العربية المنتظرة، عندما دعا امس، وبعد اجتماعه مع وزير الخارجية الفرنسي الى ‘تنسيق دولي افضل لمواجهة نظام يمارس سياسة الهروب الى الامام’، وقد يفسر البعض هذا الطرح على انه دعوة غير مباشرة لتدخل دولي في الشأن السوري.
الاوضاع في سورية تتجه نحو التصعيد العسكري، بعد ان تراجعت الى ما دون الصفر الجهود الرامية الى ايجاد مخارج سلمية عبر الجامعة العربية على وجه التحديد، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن الوجهة التي سيؤدي اليها هذا التصعيد.
سورية وصلت الى نقطة اللاعودة، مثلما قال السيد عبدالله غول رئيس تركيا، وهذا كلام صحيح، ولكن ما يبعث على الخوف والقلق في الوقت نفسه هو ما قاله ايضاً اكمالاً لهذا التصريح بان ‘المنطقة كلها يمكن ان تنجر من جراء الازمة السورية الى الاضطرابات واراقة الدماء’.
لا نعرف ما اذا كان النظام السوري يدرك هذه الحقيقة، وما اذا كان وزراء الخارجية العرب يملكون الخطط لمواجهة مثل هذا السيناريو المرعب، بحيث يجنبون المنطقة خسائر بشرية ومادية هائلة؟
لا نعتقد ان وزراء الخارجية العرب يملكون بلورة سحرية تدلهم على قراءة المستقبل، ولا نرى ان النظام السوري يريد ان يتراجع عن خياراته الامنية والعسكرية في التعاطي مع مطالب مشروعة لشعبه في التغيير الديمقراطي، ولذلك فان المنطقة العربية تتجه حتما ليس فقط الى كارثة وانما الى مجموعة من الكوارث في الأشهر وربما السنوات المقبلة.
القدس العربي