“الحق ليس على الطليان”/ سلام الكواكبي
منذ مدة ليست بالقصيرة، غاب الحديث عن أي دور سياسي لما يسمى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”. وبعد أن تأسس هذا “الجسم” السياسي سنة 2012، ليخلف المجلس الوطني السوري مترجماً اعترافاً سورياً ودولياً بفشل هذا الأخير، برز ـ وهيمن ـ الدور الرئيسي للفصائل المسلحة على أنواعها الوطنية والدينية بعيداً عن أية سلطة سياسية وطنية لا للائتلاف ولا لسواه. وكانت الهيمنة الحقيقية عل أرض الواقع هي لمن يحمل السلاح ولمن يزوّده به. وفشلت هذه الهيئة السياسية، التي بُنيت عليها الآمال، بالسيطرة على العمل المسلح أو في أدنى توقع، السعي إلى محاولة تنظيمه. وبدا جلياً بأن الرؤساء الذين تعاقبوا على الائتلاف خشوا من مواجهة هذه الحقيقة وبحثوا عن وسائل ملتوية للالتفاف عليها وللتقرب من المجموعات المسلحة بعيداً عن أية رؤية سياسية ولا حتى تنظيمية.
الفشل هذا ليس بالتأكيد عائد بشكل حصري إلى آفة مستدامة تتمثّل بقصور القوى السياسية التي تشكل منها هذا الائتلاف عن القيام بأي دور فاعل ومؤثّر، بل تعود أسبابه الرئيسية والمؤثّرة فعلاً إلى جدلية الارتهان والارتباط التي هيمنت على المشهد السوري وحرمته من تطوير بنى وهياكل معارضة مستقلة ـ نسبياً ـ إلى الحد الذي يسمح لها باتخاذ ـ بعض ـ القرارات والسعي لتنفيذها، وذلك منذ الأشهر الأولى التي تلت انفجار الاحتجاجات الشعبية. ومنذ قيامه، تعاقب على قيادة الائتلاف رؤساء أتت بهم انتخابات ديمقراطية ضمن الإمكانيات المتاحة في الممارسة السياسية المستجدة لمجموعة بشرية حُرمت من أبسط مقوماتها طوال خمسة عقود. وفشل جميع هؤلاء “القادة” في تمكين هذا الجسم السياسي، الذي حظي باعتراف عدد كبير من الدول كممثل “شرعي ووحيد” لقوى المعارضة السورية، في أن يلعب دوراً مفصلياً يؤثر على مسار الملف السوري ويعكس ما أمكن تطلعات نسبة كبيرة من مواطنيه. ولم ينحصر الفشل في الأداء السياسي المحلي والإقليمي والدولي فحسب، بل كذلك في تنظيم العمل العسكري وقوننته وتأطيره، وكذلك في العمل الإغاثي والإنساني، وكذلك في العمل الإعلامي، والذي كان طامةً كبرى يمكن أن تجد لها يوماً تخليداً في كليات الإعلام والتواصل العالمية كنموذج يُدرَّس على الفشل الذريع.
الطامة الكبرى في خسارة هذه الفرصة الذهبية لتنظيم العمل السياسي المعارض هي في رفض القائمين عليه، على رغم النيات الطيبة السائدة لدى الأغلبية، بالاعتراف ولو بجزئية محددة في الممارسة الشخصية أو الرهانات يمكن أن يتحملوا مسؤوليتها. وبما أن قاعدة “الحق على الطليان” هي السائدة في كل الأوساط، فلها في السياسة مكانها البارز والذي يبرئ الذات من كل مسؤولية وينفي أي تجاوز أو إساءة. وبما أنَّ الاعتراف بالخطأ هو من أكبر الكبائر في الممارسة السياسية عموماً وفي الحالة السورية خصوصاً، فإنَّ الاعتذار عنه يصبح أمرا من المحرّمات التي لا يمكن لعاقلٍ أن يدنو منها.
واليوم، وفي مرحلة “إدارة الهزيمة” ولم أشلاء البلاد، يعود الحديث بشكل عابر وشبه سوريالي عن اجتماع للائتلاف وعن انتخابات أفضت الى اختيار رئيس جديد له إلى جانب نواب رئيس وأمين عام. ممارسة سياسية صحيحة في ظل استقالة رئيسه السابق وشغور المكان، ولكن ما الغاية من الإبقاء على هذا الهيكل المُفَرَّغ من كل أدوات الأداء ووسائل العمل وإمكانيات الإنتاج؟ أليس من الأجدى، قبل الدعوة إلى تشكيل جسم سياسي جديد وإعادة اختراع الدولاب، أن يكون هناك عملية إعادة نظر في المشروع بعمومه، في الشكل وفي المضمون، والسعي إلى عملية مراجعة تحليلية لست سنوات من الفشل المريع ؟
في حلقات الاعتراف ـ التي نتابعها في الأفلام ـ والتي تجمع عدداً من مدمني المخدرات أو المصابين بعوارض نفسية عدة، يجري الحديث، بوجود مُيسِّر، من قبل المشاركين محدودي العدد عما اقترفته الذات بعيداً عن التوجه باللوم إلى الآخر. وتكون النتائج إيجابية غالباً لإخراج “المصاب” من كآبة ألمت به أو من “إعاقة” نفسية تمنعه من ممارسة حياته بشكل طبيعي. ويمكن أن يكون هذا التمرين مجدياً في السياسة عموماً وفي مسألة الائتلاف خصوصاً، فلم لا يتم جمع الرؤساء الذين تعاقبوا عليه في حلقة اعتراف؟ كم سيستفيد مستقبل السوريين من مثل هذا التمرين الذي هم بحاجة له ربما منذ فجر الاستقلال؟
تلفزيون سوريا