صفحات الناس

الحكومة السورية تسرّح عمّال الصناعة/ مروان أبو خالد

 

 

أدت الحرب المستعرة في سوريا إلى أضرار جسيمة طالت القطاع العام الصناعي، حيث بلغت خسائره منذ بدء الأزمة وحتى شهر آذار 2014 وبشكل أولي حوالي 155,354 مليار ليرة، كما أغلقت قرابة 49 منشأة تابعة لوزارة الصناعة حسب مصادر الوزارة.

ومن البديهي أن ينعكس هذا الواقع الكارثي سلباً على العاملين الصناعيين، إذ أشارت مذكرة نقلتها جريدة “تشرين” التابعة للنظام عن وزارة الصناعة، إلى وجود قرابة 26 ألف عامل في الشركات الحكومية المتعثرة والمتوقفة عن الإنتاج، سيواجهون مصيراً كارثياً نظراً لعجز المؤسسات التابعة للوزارة عن متابعة سداد رواتبهم التي تقدر بحوالي 9 مليارات ليرة سنوياً.

الحلول التي قدمتها المذكرة لمواجهة العجز عن سداد الأجور جاءت كالتالي: بالنسبة للعمال في الشركات المتوقفة تماماً والذين يبلغ عددهم 7056 عاملاً، إما ينقلون للعمل في الشركات التي ستكلف بإعادة الإعمار، أو إحالتهم للتقاعد المبكر بتكلفة رواتب سنتين. أما بالنسبة لعمال الشركات المتضررة جزئياً والذين يبلغ عددهم قرابة 19 ألفاً، فمن الممكن إما نقلهم لشركات إعادة الإعمار أيضاً، أو أن تدفع وزارة المالية رواتبهم إلى حين إعادة إصلاح مؤسساتهم ومعاودتها للإنتاج، أو عرض الشركات المتوقفة والمتعثرة للشراكة مع القطاع الخاص بما يضمن إعادة تشغيل هذه الشركات.

والحال ان هذه الحلول تعسفية، إذ ما هي الأعمال التي يمكن أن توفرها عمليات إعادة الإعمار والبناء لعمال صناعيين متخصصين في مجالات الصناعات الغذائية والنسيجية والكيميائية وغيرها؟ لا شك أنهم لن يوظفوا باختصاصاتهم ولن يتم استخدامهم إلا لقوتهم العضلية، ما يعني أن رواتبهم لن تتجاوز الحد الأدنى للأجور والبالغ 13800 ليرة شهرياً، لينضم هؤلاء إلى قرابة مليون عامل سوري لا تزيد أجورهم عن الحد الأدنى. هذا ناهيك عن أن الكلام بإعادة الإعمار لا يعدو كونه دعاية سياسية اعتادت مصادر الحكومة على ترويجها لترويض جيوش العاطلين من العمل، ولإيهام الكثيرين بأن توقف الحرب بات قاب قوسين او أدنى .

أما التقاعد المبكر فهو ليس إلا صيغة ملطفة للتسريح التعسفي، وفي حين لم تفصح الوزارة عن توزع عمال الشركات المتوقفة على فئات الأجور الخمس، بما يتيح الاحتساب الدقيق للمبلغ المترتب على عملية إحالتهم للتقاعد المبكر، فإنه من المحتم أن هذا التعويض لن يكون عادلاً، ولن يكفي معيشة العمال وعائلاتهم لفترة طويلة، لا سيما في ظل تدني مستويات الأجور وارتفاع متوسط إنفاق الأسرة السورية، إلى ما لا يقل عن 120 ألف ليرة شهرياً.

ولا تبدو الحلول المتعلقة بعمال الشركات المتضررة جزئياً بأفضل حال، فتمويل وزارة المالية للأجور سيجعل الوزارة تبحث جاهدة عن مصادر إيرادات جديدة، ولا شك أن فرض ضرائب متزايدة على المواطنين هو الحل الأسهل في الظروف المعروفة. كما أن الكلام عن الشراكة مع القطاع الخاص، ليس سوى قناع لتمرير الخصخصة والتي ستؤدي بعد إحكام القطاع الخاص قبضته على الشركات المتعثرة إلى تقليص العمالة لخفض النفقات.

خيار آخر أشارت الوزارة إلى إمكان اللجوء إليه إلى حين ما أسمته بإعتماد القرار الملائم، وهو سداد الرواتب من الفوائض الاقتصادية لمؤسسات التبغ والإسمنت وحلج وتسويق الأقطان، ليكون السوريون إذن في حال تطبيق هذا المقترح، على موعد مع ارتفاع جديد لأسعار منتجات هذه الشركات، ما سيرفع معدلات التضخم، وسيدفع الحكومة إلى تقليص نفقات الأجور من أجل تأمين مزيد من الموارد..

والحال ان الأوضاع المأسوية التي تواجه العمال الصناعيين في القطاع العام ليست وليدة سنوات الحرب فقط، فالسياسات النيوليبرالية التي اعتمدها النظام خلال العقد الأخير دفعت نحو ضمور عدد العمال في القطاع العام الصناعي من 97394 ألف عامل العام 2006، إلى 58 ألف عامل حتى نيسان 2014، ما يعني أن هذا القطاع وعماله سيختفون تماماً خلال عقد ونيف في حال استمر النهج المافيوي ذاته في إدارة اقتصاد البلاد، وذلك بغض النظر عن نجاح أو فشل الحكومة في قضية تأمين أجور عمال الشركات المتعثرة والمتوقفة بسبب الحرب.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى