صفحات الناس

الحلبيون الذين يُهجّرون خفيةً/ بشار جابر

 

 

لم تُكمل حلب الشرقية، شهراً ونصف الشهر تحت سيطرة قوات النظام والمليشيات الإيرانية، بعد إخلائها من المعارضة المسلحة، حتى تضخم صدى “النصر” في المحافظات التي سبق ونزح إليها الحلبيون قبل الأحداث الأخيرة. وبقدرة قادر اختفى الحلبيون من شوارع المدن الساحلية؛ اللاذقية وطرطوس وجبلة، وأصبح وجودهم وانتشارهم محدوداً. اختفاء يمكن ربطه بالثقافة العامية اليومية لدى أبناء الساحل، وسؤالهم المُكرر: متى سيخرج الحلبيون من هنا ويعودوا إلى بيوتهم؟

وما أن “عادت” حلب تحت سيطرة النظام ومليشياته، حتى سارع النظام لفك ارتباطه بمخيمات النزوح التي خُصصت للحلبيين، فأغلقها وأرسل أهلها إلى حلب، من خلال حافلات مخصصة ومن دون سابق إنذار.

طبيب عامل في أحد مشافي الساحل الحكومية، قال لـ”المدن”، إنه تم إلغاء ورشات الصحة الخاصة بالحلبيين، ابتداءً من 6 كانون الثاني/يناير، بناءً على “عدم وجود أي حلبي تابع لمخيمات النزوح والمراكز المخصصة لهم”. ولم يكتفِ النظام بوقف “احتضان” النازحين الحلبيين فقط، بل وجّه إدارات الدولة المختلفة في محافظتي اللاذقية وطرطوس، لإلغاء نطاق الأعمال الصناعية والتجارية التي افتتحها الحلبيون في المحافظة. وأُغلِقَت، بقرار صادر عن محافظة اللاذقية، أكثر من أربعين ورشة صناعية (صناعة الألبسة) بحجة “عدم وجود رخصة” أو “انتفاء السبب القانوني للعمل”. وأغلقت أيضاً ورشات خاصة بصناعة الأحذية وهي كثيرة في محافظة اللاذقية.

وصدر قرار بعودة الأطباء من مواليد حلب العاملين في اللاذقية إلى مدينتهم من دون أي اعتراض، وأيضاً، عودة كافة الموظفين من مهندسين وعاملين ومدرسين، رغم عدم وجود أي بنية تحتية تستقبل نشاطهم.

واثارت قرارات النظام في وجه الحلبيين ردة فعلٍ واضحة، من تجمعات أمام مبنى محافظة اللاذقية لإعادة تشغيل الورشات بعد إغلاقها، وتجمع أمام المحاكم المدنية لفك الحجز عن سيارات الأجرة التي تحمل لوحات حلبية وتم احتجازها. وكان تجار حلب قد سيطروا على أسواق كاملة وأحياء تجارية مشهورة في اللاذقية، وأحيوا اقتصاد المحافظة بشكلٍ كبير، لذا فإن أغلاق أعمالهم بشكل مفاجئ ومن دون أي انذار، أثار ضجة كبيرة في السوق. ففي منطقة السوق داخل المدينة استحوذ تجار حلبيون عن طريق استئجار المتاجر على المئات من المحلات والورش، وإيقاف الورشات يعني تخوف التجار من إلغاء أثر سجلاتهم التجارية داخل المحافظة. الأمر انعكس أيضاً في تخوف تجار الساحل من الأضرار الناجمة عن عودة الحلبيين قبل استيفاء العقود التجارية كالإيجار والتوريد لوقتها المتفق عليه.

ومن تجار حلب كان هناك من هو غير مبالٍ بهذه القرارات، وذلك لاطمئنانه على شروط العودة إلى حلب، فوجود شُرطة عسكرية روسية–شيشانية، جعله يشعر بالأمان. ورغم الإجراء التعسفي الكيدي، الذي أنتجته السلطة لإخراجهم من الساحل، فإنهم في حال عدم نجاح مناوراتهم للبقاء فسيعودون بقلوب مطمئنة، إذ أن جُل تخوفهم كان من المليشيات التي تُسيطر على حلب، والتي لا يأمنون العيش معها. والبعض من التجار سارع لإجراء شراكات مع تجار من الساحل، لنفي صفة رخصة انتماء العمل إلى مواطن حلبي، والحفاظ على الأعمال بلا ملاحقة قانونية. وقد يكون وجود شُرطة شيشانية، هو الضامن الوحيد لعودة الحلبيين إلى مدينتهم.

فالعقل السياسي التجاري والتقليدي لم يعد يتعامل مع الوجود الروسي سوى كتناقض مع وجود إيراني طائفي. ويُفضل الناس العاديون والتجار من خلفهم، سيطرة روسيا كأملٍ لهم للتخلص من الشبيحة والإيرانيين في وقت واحد.

لكن وضع العائدين من الساحل إلى حلب، يشير إلى أن الأمور ليست وردية كما يحلو للبعض تصويرها، فالنظام تخلى بشكل مُطلق عن العائدين، والنازحون لا يملكون بيوتاً يعودون إليها بعدما هدمت تحت وطأة القصف الروسي. ولم يُجهز النظام أي ترتيبات في محافظة حلب لاستقبالهم. هذا ما جعل بقية الحلبيين في الساحل في تردد من العودة.

ويُلمح النظام بقرارات يُصعب التأكد من صدقيتها، الى أن على من يُريد البقاء في اللاذقية التوقيع على عقد مع المليشيات المُشكلة عن طريق النظام حصراً، والتابعة لإدارة روسية. هذه الإشاعات أيضاً سرعت من هروب الحلبيين نحو مدينة حلب، فالعيش بلا بُنى تحتية أفضل من المشاركة في مليشيات تُشارك في القتال.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى