بكر صدقيصفحات سورية

الحلبيون ينتخبون في تركيا حكومتهم التنفيذية

 

بكر صدقي

على رغم المشهد القاتم الذي يسيطر على الوضع في سوريا، كانت انتخابات مجلسي المدينة والمحافظة اختراقاً ديموقراطياً لحالة الحرب التي يخوضها النظام ضد شعبه تحت شعار “الأسد أو نحرق البلد”.

في منتجع سياحي قرب غازي عينتاب جنوب الأناضول، اجتمعت الهيئة الناخبة لمجلس المدينة لانتخاب 25 عضواً سيشكلون ما هو بمثابة الحكومة المحلية. المجالس المحلية موجودة في معظم المناطق المحررة، لكنها المرة الأولى التي يتشكل فيها مجلس محلي بواسطة عملية انتخابية، أجمع المشاركون والمراقبون على نزاهتها، بدليل فوز قائمة “المعارضة” بمعظم المقاعد (24 من 25).

كان التنافس شديداً بين المرشحين والقوائم، وبارك الخاسرون فوز الفائزين بروح رياضية عالية. كان الفائز الحقيقي هو تكريس مبدأ الانتخابات في “حكومة” عاصمة الشمال الغارقة في حرب طاحنة منذ أكثر من ثمانية أشهر، المنقسمة إلى مناطق محررة تتعرض يومياً للقصف بالطيران والمدفعية وأخيراً بصواريخ بالستية شديدة التدمير. وعلى رغم تضخيم المخاوف بشأن الإسلاميين الذين يؤمنون بـ”ديموقراطية المرة الواحدة”، فلم يعترض أحد على مبدأ انتخاب السلطة المحلية بواسطة صناديق الاقتراع، وبدا الأمر بديهياً في نظر الجميع كطريقة وحيدة مجربة لاختيار الأكفأ.

لكن المنتجع السياحي الذي استضاف العملية الديموقراطية هذه، بدا بدروبه المتعرجة الأشبه بمتاهة، كأنه يشي بمدى تعقيد المشكلة السورية.

وجهت انتقادات إلى النسبة المختلة بين عدد أعضاء الهيئة الناخبة وعدد أعضاء المجلس المطلوب انتخابهم. وحامت بعض الشكوك في معايير اختيار أعضاء الهيئة الناخبة، والتوزيع غير المتناسب بين دوائر الريف المحيط بحلب بالقياس إلى عدد السكان. واذ اعتمد في توزيع مقاعد الريف “مبدأ التثقيل الثوري” تحت ضغط بعض كتائب المقاتلين، فتمثلت البلدات الثائرة بأكثر من بلدات اعتبرت “موالية” أو ضعيفة الحراك، برز سؤال مشروع: هل الثورة السورية هي لكل السوريين، أم فقط للثائرين ضد النظام؟ هل نشهد في المرحلة المقبلة “تراتبية ثورية” تصنف السوريين إلى طبقات؟

من جهة أخرى، ما هي مصداقية مجلس محلي يتدخل في تشكيله أو يضغط عليه قادة كتائب الثوار، وهل سيتمكن المجلس المدني من فرض سيطرته على المسلحين؟ فهذا هو المحك الحقيقي لقوة المجلس وشرعيته الشعبية المستمدة من العملية الديموقراطية.

من جهة أخرى كان ثمة اعتراض كردي على عدم عدالة التمثيل. وعلى رغم أن هذا الموقف المتظلم بات تقليدياً لدى الكرد، فقد “مرقوها” هذه المرة فلم يسحبوا أعضاءهم من مجلس المدينة احتجاجاً على استبعادهم من مجلس المحافظة. ونظم التركمان مظاهرة صامتة أمام الفندق احتجوا فيها على ما اعتبروه إقصاءً لهم. هذا يثير التأمل: هل سوريا ما بعد الأسد هي دولة المواطن المتساوي في الحقوق والواجبات، أم دولة التوزيع التوافقي للسلطة بين المكونات؟ هذا موضوع خلافي معروف حول صورة سوريا ما بعد نظام الأسد.

أما النقد الأكثر صخباً الذي تناول نتائج الانتخابات، فقد تمثل في تغييب أي تمثيل نسائي عن كلا المجلسين، وذلك قبيل عيد المرأة العالمي بأيام قليلة. ليست هذه صورة صادقة لمدينة عريقة كحلب تضم نحو أربعة ملايين من السكان، وتنخرط النساء فيها بكثافة في الحياة العامة، كما في فعاليات الثورة منذ انطلاقتها.

شكت سيدة عضو في اللجنة المنظمة من ضغوط مورست عليها لترتدي الحجاب شرطاً لعضويتها. لكنها قاومت الضغوط وتمسكت بالمظهر الذي يريحها. هذا ممكن. المرأة السورية التي شاركت بكثافة في الثورة ضد النظام الفاشي وقدمت آلاف الشهيدات، لن تستكين أمام ضغوط تحد من حرياتها الشخصية.

عشية الذكرى الثانية لاندلاع الثورة السورية الكبرى، تزامنت تطورات لافتة، يعزز بعضها بعضاً: تحرير مدينة الرقة لتصبح أول مدينة محررة بالكامل من سيطرة قوات النظام. انتخاب أول مجلس محلي لحلب عن طريق الاقتراع الحر. ومع إسقاط التمثال الكبير لمؤسس النظام في مدينة الرقة، بدا كما لو أن الثورة تستعيد ملامحها المبكرة، كثورة على الوثنية.

http://www.24.ae/Article.aspx?ArticleId=9023&SectionId=33

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى