الحلوى البشعة
حـازم الأميـن
قالت “أل بي سي” في يوم تغطيتها جريمة تفجير السيارة في الضاحية الجنوبية لبيروت إن ثمة من وزع حلوى احتفالاً بالجريمة.
هذا الفعل القميء الذي يوازي في بشاعته فعل التفجير، ويفوقه بشاعة في رمزيته، لاقى ردود أفعال غير مرحبة طبعاً على الـ”سوشيل ميديا”، لكن يمكن المرء ان يُسجل تحفظات على شكل ردود الأفعال المُدينة، ذاك ان كثيرين ممن أقدموا على الإدانة ذكروا بأن الفعلة (توزيع الحلوى) مستنسخة من أفعال أقدم عليها فتية في الضاحية الجنوبية عندما اغتيل رئيس تحرير جريدة “النهار” جبران التويني، وعندما سقطت مدينة القصير. والحال ان هذا الربط يُخفف عن كاهل موزعي الحلوى، كما يُعطي من فعلها قبلهم أسباباً تخفيفية موازية.
الفعلة بشعة من دون سياقها. وهي مؤشر بالغ الخطورة عما آلت اليه أوضاعنا. ومَنْ أقدم على هذه الفعلة يوم أول من أمس يجب ان يُحاسب. فمن المفترض ان تكون وجوهههم مكشوفة وهوياتهم واضحة، والحاجة الى الإقتصاص منهم وطنية فعلاً. انهم ببساطة احتفلوا بوجوه أطفال لطّختها الدماء. احتفلوا باستهداف أبرياء، ومن يشكّ للحظة بخبث المحتفلين يجب الإبتعاد عنه بصفته صاحب ضمير ملوّث.
يجب تفادي التذكير بماضي هذه الفعلة. من أقدم عليها في السابق جرى الحكم الأخلاقي عليه من دون أسباب تخفيفية، ومن أقدم عليها بالأمس يجب ان يُحكم عليه بالمعايير نفسها. “حزب الله” في السابق لم يُدن الفعلة! هذا ليس همنا. فالإدانة لا تهدف الى مخاطبته، إنما لمخاطبة ضمير من يُقدم عليها من دون حساب. ثم إنها ليست فقط فعلاً أخلاقياً أو ضميرياً، إنما هي أيضاً فعل سياسي. فعلى خصوم “حزب الله” ممن جرت واقعة توزيع الحلوى في مناطق نفوذهم ان يفضحوا الفاعلين بالأسماء والعناوين، وان يُطالبوا القضاء بالتحرك، فالفعلة حقاً تفوق في بشاعتها فعل التفجير، ذاك ان المُقدم على التفجير خبّأ وجهه وتوارى، فيما موزّع الحلوى سافر وغير خجل بفعلته، وهو يحتفل بدمائنا جميعاً.
هذا ليس تمريناً أخلاقياً، انه أيضاً فعل سياسي، والقول إن “حزب الله” لم يُقدم على ذلك في محطات سابقة، قول لا قيمة له، فشحن السياسة بالأخلاق أمر يجب ان يكون غير قابل للمساومة من جانب أي طرف يملك الحد الأدنى من الرغبة في مخاطبة اللبنانيين. ثم ان كلفة المهمة (فضح موزعي الحلوى ومحاسبتهم) غير كبيرة لمن يُقدم عليها، وستكون نتائجها أكبر بكثير من أكلافها.
في السابق نُشرت صور لموزعي حلوى في محطات دموية لبنانية. تولت ذلك وسائل إعلام ومواقع وصفحات “فايسبوك”. واليوم يجب ان تُنشر صور من أقدم على توزيع الحلوى احتفالاً بسفك الدماء.
الدولة ضعيفة ولن تُحاسب من أقدم على ذلك. لكن ماذا عنا نحن؟ ماذا لو قرر لبنانيون نزع الفعلة عن سياقها السياسي والتفكير بها كسقطة أخلاقية جماعية؟ ماذا لو استعدنا حقيقة أننا نعيش بجوار من يمكنه ان يُوزع حلوى احتفالاً بسفك دماء أطفال؟ أليس قبولنا به وعدم مقاومته تواطؤاً؟
موقع لبنان ناو