صفحات الناس

الحمويّون يتطوعون “قسراً” في الأجهزة الأمنية/ عبادة كوجان

 

 

لا يعير بلال انتباهاً للحواجز الأمنية المنتشرة في مدينة حماة، فالمهمة أو الإجازة من “معلّمه” باتت لا تفارق جيبه، إذ إنه تطوّع في فرع “المخابرات الجوية” منذ شهرين، لا حباً في “التشبيح” وسطوة السلاح، بل خوفاً من زجّه على الجبهات، بعدما طلبته دائرة التجنيد للاحتياط في قوات النظام.

بلال، لا يعد استثناءً في حماة، بل يجزم في حديثه لـ”المدن”، بأن كثيراً من الشبان سلكوا الطريق ذاته، فهو المنجاة من الاعتقال أو التجنيد، في مدينة تحكمها الأجهزة الأمنية، وتنشط فيها القوات الروسية بصورة لافتة.

التطوع في “الجوية” أم “العسكري”؟

لجأ عشرات الشبان من مدينة حماة للتطوع في جهازين أمنيين؛ “الأمن العسكري” و”المخابرات الجوية”، باعتبارهما الأكثر سطوة على مفاصل المدينة، من حيث الحواجز الأمنية والهيمنة على دوائر الحكومة.

وبحسب بلال، فإن الأمر يبدأ بمفاوضات “التسوية” بين الراغب بالتطوع “قسراً” وفرع الأمن. و”التسوية” مصطلح يشير إلى طي الملف الأمني للمطلوب لدى أحد الأفرع الأمنية، من خلال تعهد خطي وتسليم ما بحوزته من معلومات أو وثائق أو أسلحة، وغالباً ما تنتهي العملية بتعاون بين المطلوب سابقاً والجهاز الأمني.

وهنا تتم العملية عبر وسطاء من “العسكري” أو “الجوية”، بتكلفة تبلغ بين 1500- 2000 دولار أميركي، وعقب ذلك يوقّع الشاب عقداً سنوياً مع أحدهما، براتب شهري يتراوح بين 40-70 ألف ليرة سورية (75-130 دولار).

يستطيع الشاب المتطوع حديثاً المرور على جميع حواجز النظام، داخل وخارج حماة، من دون أن يتعرض للتفتيش أو “تفييش” هويته، حتى لو كان مطلوباً في السابق لارتباطه بالثورة أو فاراً من الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية، يضيف بلال.

مبررات عديدة دفعت شبان حماة للتطوع شكلياً في فروع الأجهزة الأمنية أو المليشيات المحلية كـ”الدفاع الوطني” و”الفرقة الخامسة”، وأبرزها غياب الأفق لأي حلول سياسية أو عسكرية للمعارضة، وأكثرها إلحاحاً هو حفاظ الشاب على حياته وعمله في مدينته ووسط عائلته، وفق رأي الناشط الإغاثي براء الحموي.

وأضاف براء في حديثه لـ”المدن” أن جميع من تعاقد مع “الجوية” و”العسكري”، لا يلتزم بالدوام أو المهمات الداخلية والخارجية في المحافظة، بل التوظيف فيهما بات رافداً مالياً مهماً للضباط، من خلال عقود شكلية، تبيح لهم الحصول على معاشات المتطوعين مقابل بقائهم في منازلهم.

وأوضح الحموي أن عدداً ممن شاركوا في الحراك الثوري سابقاً باتوا ضمن من تطوع “قسراً” في الأجهزة الأمنية، بعدما وضعهم النظام أمام خيارين لا ثالث لهما: البقاء في حماة والتطوع، أو مغادرتها إلى المناطق “المحررة”، وأردف: “منذ نحو شهرين عاد 30 شاباً من ريف حماة الشمالي، خشية تصفيتهم في الاقتتالات المتكررة بين الفصائل”، متسائلاً: “وفق هذه المعطيات أين المفر؟”.

ورفض براء الحموي حملة التخوين في وسائل التواصل الاجتماعي لمن تطوع اضطرارياً في الأجهزة الأمنية، معتبراً أنها “خطوة قسرية تعكس انقسام المجتمع من جهة، وحالة اليأس من تحرير المدينة وعودة الثورة لها”، بحسب تعبيره.

الروس في المقاهي والمطاعم

بات اعتيادياً على الحمويين أو النازحين إلى حماة، رؤية عناصر مليشيات النظام متعددة المسميات في شوارعها، وأصبح الناس خبراء في معرفة انتماء العنصر أو جنسيته بمجرد النظرة الأولى. لكن، ومع هيمنة روسيا على القرار السياسي والعسكري في سوريا، بدأ نفوذ المليشيات يتقلص مقابل نشاط ملحوظ للقوات الروسية.

وقال براء الحموي إن حماة أصبحت مركزاً للقوات الروسية، وتتركز معسكراتهم في المطار العسكري ومحطة القطار في الجزء الغربي من المدينة، بينما تراجع وجود الإيرانيين والأفغان، وبات ظهورهم نادراً في حماة خلال العام 2017، رغم احتفاظ “الحرس الثوري” الإيراني بمقرات “اللواء 47” في الريف الجنوبي للمحافظة.

وأشار الحموي إلى أن التعامل مع الروس يختلف جذرياً عن باقي المليشيات، فهم يدخلون المطاعم والمقاهي ويسددون ما يترتب عليهم، ويحاولون عدم الاختلاط بالأهالي ويتوجسون من مسيرهم بشكل واضح، وتابع “لم أسمع قط بأي حادثة أو انتهاك نفذه الروس في حماة بحق الأهالي، وبات وجودهم ثقيلاً على المليشيات المحلية التي تمتهن التشبيح والسرقة والابتزاز”.

الحواجز تتلاشى وسط المدينة

منذ 28 حزيران/يونيو، بدأ النظام إزالة بعض الحواجز الإسمنتية في مركز مدينة حماة، أسوة بمدن أخرى كاللاذقية وطرطوس ودمشق، وهو ما انعكس إيجابياً على الأهالي، الذين عانوا خمسة أعوام منها، واعتبروها شبحاً جاثماً على صدورهم.

وأوضح المتطوع “قسراً” في “الجوية”، بلال، أن أسوأ الحواجز أزيلت جزئياً وفتحت الطرقات للمرة الأولى منذ أواخر 2011، كما حدث في منطقة دوار الأعلاف شمالي حماة، وحاجز البريد في ساحة العاصي، وحاجز المالية في شارع العلمين، مشيراً إلى أن “بعض الحواجز ما زالت قائمة كحاجز دوار بلال قرب المطار العسكري”.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى