الخطاب السوري في مواجهة الأزمة
فايز سارة
مضى قرابة اربعة اشهر على بدء حركة الاحتجاج والتظاهر السورية، وطوال تلك الفترة، قوبلت الحركة برد عنيف من جانب السلطات، شملت عمليات اطلاق النار، وهجوما على المتظاهرين وتفريقهم بالقوة، ما تسبب بقتل نحو الفين منهم وجرح آلاف آخرين، صار بعضهم معوقين، كما اعتقل نحو خمسة عشر الفاً، وهناك عشرات الآلاف صاروا في عداد المطلوبين بسبب مشاركتهم في حركة التظاهر والاحتجاج وتداعياتها.
ووسط تفاعلات حركة الاحتجاج والتظاهر الشعبي مع عمليات القمع الواسع الذي تتابعه السلطات، برز خطاب سوري رسمي وشبه رسمي، كان في الاهم من وجوهه جزء من حركة الاشتباك بين المتظاهرين والنظام، بل هو تتمة لحالة الاشتباك في جانبيها الدعاوي – التعبوي.
ويتوزع الخطاب السوري الى مستويين، مستواه الاول، هو خطاب رسمي عبرت عنه اقوال كبار المسؤولين السوريين وبيانات رسمية، والمستوى الثاني يمثله الاداء الاعلامي عبر ما تداولته الوسائل الاعلامية، ولاسيما محطات التلفزة، من رسمية وخاصة، سعت في مباريات مكشوفة لتجسيد الخطاب الرسمي، وهو امر شارك في القيام به بعض من اعلاميين واساتذة جامعات، جعلوا انفسهم ناطقين غير رسميين باسم السلطة للتعبير عن مواقفها ودعماً لهذه المواقف عبر شبكة من وسائل الاعلام العربية، بما فيها محطات وصفها الخطاب الرسمي باشد الصفات بشاعة.
لقد ركز الخطاب الرسمي بصورة اجمالية على مواجهة حركة الاحتجاج والتظاهر من زوايا مختلفة، فهو وان اعترف باحقية بعض مطالبها وضرورة الاستجابة لها، فقد ركز على عدم مشروعية التظاهرات وخاصة لعدم حصولها على الترخيص من جانب وزارة الداخلية، واضاف الى ذلك تحميلها مسؤولية «تخريب» الاملاك العامة والخاصة، ومسؤولية قيام مسلحين بالاندساس داخل التظاهرات، الامر الذي يعني ضمناً تحميل المتظاهرين مسؤولية قتل وجرح عناصر الامن والجيش الذين سقطوا في الاحداث او بعضهم على الاقل، وجرى التركيز على تحميل «العصابات المسلحة» و«الجماعات السلفية» مسؤولية اعمال القتل التي تتم للمتظاهرين وعناصر الامن والجيش، ولو ان الخطاب الرسمي، اعترف في مرات قليلة بمسؤولية افراد من الامن عن قتل متظاهرين ومحتجين.
وامتدح الخطاب الرسمي في جانب آخر سياسات النظام الخارجية والداخلية، مبرزاً في الجانب الداخلي من تلك السياسة فكرة تعرض البلاد لمؤامرة اساسها خارجي، وجدت لها ادوات في الداخل، وقد اشير مرات الى اطراف المؤامرة الخارجية، فكان بينهم دول وشخصيات عربية، واطراف اقليمية ودولية، وجرى تقديم بعض حيثيات وتفاصيل تتصل بموضوع المؤامرة التي تتعرض لها سوريا. ومقابل الحديث عن المؤامرة الخارجية وادواتها المحلية، ركز الخطاب على تواصل السلطة وموقع الرئاسة فيها على التواصل مع فئات المجتمع ولاسيما الشباب، والتفاعل مع المتطلبات المعبر عنها، بالتزامن مع الاعلان عن خطوات اجرائية تتصل بالحياة اليومية للسوريين، مثل اصدار عفو متكرر عن سجناء باحكام جنائية وجزائية، ورفع حالة الطوارئ المعلنة منذ عام 1963، اضافة للحديث عن اصلاحات في الاطر الدستورية والسياسية، الامر الذي يعد بتغييرات مهمة في الحياة السورية لاحقاً، لكن مع تأكيد ان هذه التغييرات ستتم في اطار النظام القائم، وليست بعيدة عنه.
غير أنه لا بد من تأكيد يتصل بالخطاب الرسمي، بدا كأنه جزء منه، وهو تاخره وعدم انتظامه في اعلان مواقفه من الاحداث والتطورات، رغم اهمية الظروف التي كانت تتطلب موقفاً رسمياً، يمكن ان يؤثر على الحدث في لحظته. وادى تأخر الموقف الرسمي الى تجاوز التطورات، والانتقال الى وقائع جديدة، كما ان بطء تفاعل الخطاب مع الاحداث والتطورات الجارية، ترك آثاراً سلبية في اتجاهات متعددة وخاصة على سلوكيات ومواقف النظام والجمهور والمعارضة جميعاً.
واذا كان الخطاب الرسمي رسم الملامح الاساسية في مساره ومحيطه، فقد تكفل الاعلام بوسائله المختلفة وخاصة الاعلام الفضائي باعطاء الخطاب تفاصيله مع مسحة أكثر تشداً وتطرفاً، الامر الذي جعل اغلب مواده تأخذ طابع التحشيد والتجييش، وتعميق الانقسام بين السوريين الى مؤيدين ومعارضين هم في حالة اشتباك عنيف وسط تركيز على فضائل الاولين وارتكابات الآخرين، بل ومسؤوليتهم عن كل ما يتم ارتكابه، وفي هذا يمكن القول، ان الاعلام السوري في مقاربته الخطاب الرسمي، ذهب في كثير من المراحل خارج ذلك الخطاب، مختلقاً معطيات ووقائع بعيدة عن الحقيقة، وبالاجمال فقد اساء الى ذلك الخطاب، بان حمله مسؤوليات ومواقف لم يتقدم الخطاب الرسمي لتحملها وخاصة في الموقف من قوى المعارضة السورية، التي ابتعد الخطاب الرسمي عن التشهير بها.
وقد اضاف بعض من اعلاميين واساتذة جامعات، بصماتهم الى الخطاب السوري، بعد ان نصبوا انفسهم ناطقين غير رسميين باسم السلطة بهدف التعبير عن مواقفها ودعماً لهذه المواقف، وجل مافعلوه ان حملوا الخطاب اعباء فوق اعبائه، وهم ذهبوا في هذا ابعد مما ذهبت الاجهزة الاعلامية، فقدموا خطاباً مليء بالشاتم والاكاذيب وتزوير الوقائع والمعطيات، مما اساء الى الخطاب الرسمي ووسع دائرة خصومه في مستويات مختلفة، والقى عليه اثقالاً تضاف الى مشاكله في المضامين وضعف المسؤوليته وتأخره الزمني وارتباكه في الاداء.
(كاتب سوري)
السفير