الخلاص من الداخل
عبدالله ناصر العتيبي *
1
ما زال العالم يتفرج على ما يحدث في سورية. اجتماعات تُعقد هنا وهناك. وتصاريح تصدر من هذا الوزير وذاك الزعيم. ومقالات تصدر يومياً في عشرات الصحف تبكي وتئن وتشكو الحال. وإشارات غامضة تُرسل من هذا الطرف إلى ذاك. وإشارات أكثر غموضاً تأتي من الطرف البعيد إلى القريب. فوضى وكلام كثير وجلبة مقصودة وغير مقصودة، وزحام أخلاقي غير منتج. لكن لا أحد يقدر على إيقاف عمليات إهراق الدم السوري في الشوارع كأنه ماء مغضوب عليه. كأنه ماء فقد طهارته ونقاءه فكان التراب نصيبه. كأنه ماء ملعون تتقاذفه الأيدي في الطريق إلى مرقده الأخير: الوحل!
بحر العالم يموج بالتعاطف، الأكثرية مع بسطاء الشام، والأقلية مع الرجل المتحصن في قصره. أصوات المتعاطفين في كلتا الجهتين تدعو إلى وقف العنف، لكن ذلك لم يكن لينعكس على عمليات القتل اليومية التي تذهب بأرواح الناس: أكثرية الشارع أو أقلية شبيحة المزة!
2
أميركا لا تريد أن تندفع خلف مشروع التغيير بقوة. تراقب وتحسب وتراجع المواقف. من سيأتي بعد بشار؟! هذا السؤال يقلق أميركا. هل سيقفز السلفيون الى السلطة ليلعنوا أميركا في العلن، ويتعاونوا معها في الخفاء، مع إعطاء فسحة للمناورة والخيانة خلف ظهرها كلما لاحت الفرصة لذلك! هل ستؤول مقاليد الحكم الى «الإخوان» الذين تعودوا أخيراً على حصد زرع غيرهم، وبالتالي يكتمل بناء السور «الإخواني» الذي قد (أقول قد) يعزل إسرائيل عن الماء والهواء؟ هل سيفوز العلمانيون المدنيون الذين لم يُجربوا بعد في دهاليز سياسة المنطقة؟! أي مستقبل ينتظر الحالة الأميركية في المنطقة؟ هذا السؤال يقلق أميركا.
إسرائيل الحليف الأقرب في المنطقة للبيت البيض لا تبتغي لبشار بديلاً. تعرف أن وجود هذه النوعية من الإدارة في الحكم السوري، تعطي الوجود اليهودي في المنطقة ضمانات أكبر. إسرائيل تعرف أن الإدارات التي تحرص على امتهان شعبها من أجل تعزيز سيطرتها على ثروات البلاد هي في الحقيقة جدار مناسب جداً لدولة إسرائيل. ديموقراطية الجيران تهدد إسرائيل، وديكتاتوريتهم خلاص جميل لجملة تعقيدات تاريخية وجيوسياسية.
تركيا بوق كبير. ربع عينها على ما يحدث في الجوار القريب، وبقية عينها وعينها الأخرى على ثروات عربية تمردت على سلطة الخلافة.
إيران تزايد من أجل رفع الضغوط عن الآيات في طهران، لا من أجل بشار، وشعبها غارق في نعيم التجاهل.
مصر تريد أولاً أن تقف على رجليها لتحكم بعد ذلك أي الحسنيين أولى بالاتباع: ثورة بعد الفوضى أم فوضى بعد الثورة!
روسيا والصين تنتظران المزيد من التنازلات الاقتصادية والتجارية، ولا بأس أن يموت في سبيل ذلك الآلاف من العرب ذوي العيون الواسعة والأنوف الطويلة!
بريطانيا وفرنسا تراقبان وتحسبان وتراجعان المواقف. هما في الحقيقة لا تفعلان شيئاً أكثر من السير خلف المعلمة الأم أميركا!
أما دول الخليج ويا لهفي على دول الخليج، فهي ليست على قلب رجل واحد تجاه ما يحصل هناك. طرف صامت على الدوام. وطرف يبني مجده على المزيد من الجماجم. وطرف يسكت حيناً ويتكلم حيناً اتساقاً مع حالته الداخلية التي تسكت حيناً وتتكلم حيناً!
3
لا أحد قادر على السير في حقول الألغام لإنقاذ بسطاء الشوارع الجانحين إلى فضاءات الحرية. في الحقيقة لا أحد يريد السير في حقول الألغام حتى وإن كان قادراً!
4
لا عاصم للشاميين من القتل اليوم إلا بطون بنادقهم. عليهم ألا يعولوا كثيراً على حملات إنقاذ خارجية. التغيير لن يأتي إلا من الداخل، والداخل فقط. عليهم أن يكفوا عن الشكوى لغير الله، ويبدأوا في ترتيب صفوفهم للانتقام لأنفسهم ولبلدهم الغني بهم وبتاريخ أجدادهم.
المقاومة الداخلية المسلحة، العصية على التحول إلى حرب أهلية، هي الخيار الأخير الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الشرف والكرامة واستحقاق الوجود.
* كاتب وصحافي سعودي
الحياة