الخوف على المؤسسات في خطاب بشار الأسد الثالث
أحمد مولود الطيار
القى بشار الأسد ومنذ اندلاع الانتفاضة السورية ثلاثة خطب، الأول كان أمام ما يسمّى مجلس الشعب والثاني أمام الحكومة الجديدة التي تشكلت محاولة لامتصاص النقمة الشعبية. في هذين الخطابين أراد بشار الأسد ومن خلال شكل الخطاب اظهار أنّه لايزال ممسكا مقاليد الحكم محاولا الظهور قويا وأنّ ما يجري على الأرض لم ينقص من كبرياء الرئاسة، حتى أنه ذكر في خطابه الثاني وكان واضحا تغيّر طبقة ونبرة صوته، معللا ذلك الى “زكام” أصابه، وهذا ان دلّ على شئ فانه يعبّر عن الغطرسة التي يتعامل بها و دائرته الضيقة مع الشعب السوري.
أريد للخطاب الثالث ومن حيث الشكل أيضا أن يكون من على منبر جامعة دمشق، ولا يغيب على فطن دلالة ذلك، حيث الشباب هم المبتدأ والخبر. لكن ودائما، يعودنا النظام السوري بغبائه المعهود أنه يقع في الحفرة ذاتها ولا تنجح مسرحياته، فقد أراد من على ذلك المنبر مخاطبة الشباب، واذ غالبية الحضور التي شاهدناها ومن على الفضائيات التي بثت الخطاب هي لأناس في العقد الرابع من العمر أو تجاوزوه، يرتدون بذاتهم الرسمية، وغاب طلبة جامعة دمشق!
ليس مهما مناقشة الخطاب، فلقد كُتب وربما سيكتب الكثير، وأقلّ ما يقال فيه أنّه خطاب غير مسؤول لرئيس غير شرعي لا يحس بما يجري على أرض سوريا، ولا يأبه لدماء الشباب والشابات التي أريقت من اجل سورية جديدة ستلفظ الاستبداد وتؤسس لما بعده. ما لفتني في الخطاب حديث سيادته وتباكيه على المؤسسات حيث يقول: ” اليوم لدينا جيل من الأطفال تربى بهذه الأحداث أو تعلّم الفوضى وعدم احترام المؤسسات.. عدم احترام القانون.. كره الدولة هذا الشيء لا نشعر بنتائجه اليوم سنشعر بنتائجه لاحقاً وسيكون الثمن غالياً.”
طبعا الخطاب وفي هذه النقطة تحديدا، يقع في تناقضات كثيرة تنسف ذلك التباكي، وتبين كذب الادّعاء به، فصاحب الخطاب وفي موضع اخر منه يقول وحول لقاءاته مع الوفود الشعبية :”أردت أن أبني كل ما سأقوله في المستقبل على هذه اللقاءات” . الدولة الحديثة التي تحترم المؤسسات لا تقوم على اللقاء المباشر بين الرئيس والمواطن، هذا كان يحدث في دول العصور الوسطى، أين هي المؤسسات التي هي المعبر والترجمة الحقيقية لما يريده المواطن!!
أما عن الفساد فيقول: “الفساد هو النتيجة لانحدار الأخلاق وتفشي المحسوبيات وغياب المؤسسات.. لابد من العمل فوراً لتعزيز المؤسسات بالتشريعات المتطورة وبالمسؤولين الذين يحملون المسؤولية” . اذن وكما يقال “من فمك أدينك”، فالسيد الرئيس الذي يحاول أن يتفلسف دائما في خطاباته التي يصفها الكثير من المحللين المحايدين بأنها ممجوجة ومملة ودائما يتحدث عن السبب والنتيجة نقول له “جيل الأطفال” الذي تعتقد بأنه سيكبر ولا يحترم المؤسسات والقانون هو مردود عليك لأنك لو تحترم المؤسسات لما كنت في الموقع الذي أنت فيه، وأطفالنا وشبابنا الذين يكبرون ويرددون “الله سوريا حرية وبس” هم من سيُكبرون المؤسسات معهم وانتفاضتهم أصلا لاعادة الهيبة الى تلك المؤسسات .
ودائما في عرض تهافت وكذب التباكي على المؤسسات يعترف سيادته في خطابه أنه تمّ ” الغاء حوالي 120 موافقة أمنية كانت تعتبر جزءا من الروتين” طبعا يتحدث هنا عن اسطوانته المشروخة التي ملّها المواطن السوري “التطوير الاداري”. كذلك يقول في موضع آخر: “فصلت العلاقة بشكل كامل مؤخراً بين الأجهزة الأمنية وبين المؤسسات المدنية” . (انتبهوا “مؤخرا” )
أيضا يعترف سيادته وفي اطار تظريته الماراثونية حول “التطوير الاداري” ضرورة اعتماد معايير الكفاءة في التعيين. طبعا هذا الكلام قديم جديد وسيادته يعرف أن الولاء مقدم على الكفاءة والمادة الثامنة تقسم المواطنين السوريين الى أبناء ست وأبناء جارية وهذا ينسف أي كلام عن المؤسسات.
اذن بالعودة الى ما انطلق منه هذا المقال وتحميل سيادته الأحداث الجارية أنها السبب في خلق جيل لا يحترم المؤسسات ولا يحترم القانون، فأي قارئ للخطاب يدرك أن الدولة في سوريا تم ابتلاعها ومن قبل ((مؤسستين)) لا ثالث لهما: الفساد والمؤسسة الأمنية واستخدام “مؤسسة” هنا تجاوزا حيث يعلم الموالي قبل المعارض أنهما الأقوى في سوريا وما نشهده اليوم هو انتفاضة وثورة حقيقية على الافساد وعلى سلطة مخابراتية متغولة أثبتت الأحداث أنها أبعد ما تكون عن فكر وعقل المؤسسات .
ليختار منظمو الثورة السورية احدى الجمع : جمعة المؤسسات.
* كاتب سوري