الخوف من التغيير
موفق محادين
ليست كل الثورات ولحظات التغيير سواء, فاذا كانت السماء صافية في الثورات الراديكالية الواضحة, فان لحظات التغيير والثورات التي توصف بالديمقراطية والدستورية, لحظات معقدة, تختلط فيها الاوراق والحسابات وتتسع مساحة الالتباسات وعمى الالوان, تماما كما يحدث اليوم على الصعيد العربي.
في تشخيص الثورة الشعبية العربية المتواصلة فاننا امام ثورة دستورية تتقاطع فيها مصالح قوى واسعة من اليمين واليسار, ومن بعض العواصم الرأسمالية العالمية الى خصومها من الاشتراكيين والوطنيين والاسلاميين على حد سواء.
وحيث تحتشد هذه القوى, من مواقع مختلفة ضد انظمة الفساد والاستبداد, في المرحلة الاولى من الثورة فانها تصطدم, بالضرورة في المرحلة الثانية, فالطابع السياسي في المرحلة الاولى غير الطابع الايديولوجي في المرحلة الثانية..
وهذا قانون عام لكل الثورات في التاريخ والعبرة بقدرة كل فريق في اخذ الثورة حيث يريد, لكن الثابت هنا هو ان الانظمة الفاسدة الاستبدادية زائلة بالضرورة وغالبا ما تنتهي على طريقة العصابات فما ان تتصدع وتستنزف قواها التقليدية حتى تلجأ الى البلطجية والزعران واصحاب السوابق والتحريض الجهوي والطائفي.. الخ.
وفي تشخيص الخائفين من التغيير في الحالة العربية الراهنة فان القوس واسع ايضا:-
1- اوساط الحرس القديم سواء دفاعا عن مصالح الانظمة نفسها وتركيبتها او عن مصالح خاصة, وتتعقد هذه الحسبة في البلدان المعروف بوجود حساسيات اضافية, جهوية او مذهبية.
2- اوساط من (الحرس الجديد) التي لم تؤسس ثروتها ونفوذها على خيارات (برجوازية) مدنية بل على الفساد والعمولات والعمالة للسفارات والشركات الدولية..
3- اوساط من اليسار واليمين المعارض التي تتسم بثقافة محافظة عموما ومسكونة بحكمة مشكوك فيها..
4- اوساط وطنية لديها مخاوف مشروعة من انفجار البلد على اسس جهوية ومذهبية او سيطرة الامريكان والشركات والعواصم الرأسمالية على مجرى الثورة.. وتخضع الاوساط المذكورة لحسابات من نمطين: الاول, نظرة ميكانيكية احادية لا تلحظ الثورة في الحراك الواقعي واهمية الصراع عليها مع القوى المضادة وتريد ثورة سريعة بدون شوائب..
اما النمط الثاني فهو مشروع تماما بالنظر الى التجربة السياسية نفسها في الحالة العربية, فالوطن العربي مستهدف دائما من الغزاة الامبرياليين الاجانب وثمة سيناريوهات حقيقية لتمزيقه والسيطرة عليه بل وثمة فسحة واسعة لما يسمى نظرية المؤامرة.
بيد ان ذلك لا يجوز ان ينسينا ان الثورة حالة موضوعية بحد ذاتها بعد ان طالت عهود الاستبداد والفساد العربي وان مصالح النظام الرأسمالي العالمي بترميم النظام الرسمي العربي هي ساحة صراع ايضا بين قوى الترميم الامريكية الرأسمالية وبين قوى التغيير الشعبية العربية, ويكفي ان نتذكر على سبيل المثال كيف استفادت الثورة الفيتنامية من تغيير الاحتلال الامريكي لعملائه في سايغون وتوسيع الحريات الديمقراطية لاستيعاب الاحتقانات الشعبية..
وسيكون العرب محظوظين بالتأكيد اذا نجحوا بتوظيف الازمة الامريكية مع عملائها الفاسدين ورفعها الغطاء عنهم.. وهكذا.
العرب اليوم