الدبلوماسية الأميركية في حماه والمشكل السوري
عمر كوجري
فجأة، ودون سابق إنذار استفاقت الدبلوماسية الأميركية من سباتها العميق وبمعيتها الفرنسية، وقرر السفيران الأمريكي والفرنسي مع بعض الدبلوماسيين الغربيين زيارة حماه والمبيت فيها إلى يوم 8-7 في جمعة “لا للحوار” بعد قرابة أشهر أربعة، وتقديم أكثر من 1600 سوري أرواحهم في تظاهرات الحرية، واعتقال وتعذيب الآلاف في الزنازين والمتعقلات، وكذلك تهجير الآلاف إلى لبنان وقبلها إلى الأردن، وبعدهما إلى تركيا التي خانت” الخبز والملح” والعشرة الطيبة، و لأسباب لها علاقة محضة وبحتة ولا إنسانية بالانتخابات وكسب مشاعر و أصوات الِشعوب التركية الرقيقة، ففتحت حدودها لأناس هاربين من جحيم الموت، وفرشت لهم الخيام” قبل أسبوع من بدء عمليات جسر الشغور على حد قول أحد المسؤولين السوريين” في منطقة انطاليا التي قال عنها ” بعض محللينا السياسيين” إن سكان الجسر وغيرها من المناطق دبَّ الحنين والشوق في قلوبهم، فأرادوا أن ” يصلوا الأرحام” ويزوروا الأهل والأحباب والخلان، في حين تنطع آخر للقول إنهم انتقلوا إلى أرضهم السورية، وهي بالفعل أرضهم، لكن!!!
الآن تذكر روبرت فورد، ومعه أريك شوفالييه أن هناك احتجاجاً سورياً يرفض الانصياع لصوت الرصاص والموت، وأن ثمة دماء غزيرة هرقت في وقت قياسي قاتل، وهذه الدماء ترفض أن يخون إخوة يوسف دماء أخيهم، وتنظر بعين الاستهزاء إلى كل من يفكر بخيانتها، ويبغي طوي الصفحة، ويعود ” المشاغب” إلى المنزل، و ” ويا دار ما دخلك شر”
الآن يتذكر هؤلاء الإنسانيون أن هناك مشكلة سورية بامتياز تطل برأسها من ضمائر هؤلاء، وآن الأوان لمنحها بعض الوقت، وبعض الكلام والتصريح الذي لم ولن يخرج من منطق رماد اللون، وترداد الجملة ذاتها إما الإصلاح والبقاء، أو.. إما البقاء. وما عداه كلام يخصُّ الإنشاء وفن التعبير.
الآن يتذكر هؤلاء أنه ينبغي الوقوف عند المشكل السوري والتفريق بين الخبر الصحيح من الخبر المفبرك.. المندس.
الأول أكدت إدارة فورد أنها مستاءة” قليلاً” من رد الفعل النظام السوري، والثاني قالت إدارته إنه زار الجرحى في مشافي حماه، وهو نفسه الذي لم يفكر أن يزور منطقة ساخنة قبل هذا الوقت مثل درعا- بانياس- تل كلخ- تلبيسة- البيضة ألخ…. ا طيلة هذه الأيام والأشهر العسيرة.
لقد راهنوا جميعاً أن الحصان مهما كان جموحاً، ومهما كان شموساً فإنه سيكلُّ، وسيتصبب عرقاً، وبدلاً من يسلّم قوائمه للريح، يسلمها للأرض، ويرفع راية الخزي، لكن هذا لم يحصل، الحصان مازال في عدوه، كلما ركض أكثر سحب إلى رئتيه أوكسجيناً نظيفاً أكثر.
الأغرب أن العلقة أكلها روبرت فورد وحده، وخرج شوفالييه من العرس بكعكة وفوقها بوسة، فالنظام اتهم الأول بتقويض جهود الحكومة السورية الرامية إلى نزع فتيل الاحتجاجات، وأجرى اتصالات، وأقام صلات مع ” المخربين”، وصرّح أن الزيارة غير مرخصة و’تنتهك الأعراف الدبلوماسية’.
في حين لم يذكر الثاني وهو الدبلوماسي الفرنسي لا بالخير ولا بالشر، لماذا؟؟ هل لأن الثاني ينتمي إلى مكان ” انتحى وامّحى من الذاكرة؟؟”
ولم تذكر وسائل إعلام النظام شيئاً سيئاً للفورد نفسه حين أريد له ” أن يتعرف على حقيقة الأوضاع في المناطق الساخنة وبالقرب من الحدود التركية مؤخراً!!
الآن أكبر المستفيدين من زيارة الفورد الأمريكي يبقى النظام، فما إن تناهى على مسامع غرفة إدارة الأزمة الإعلامية خبر وصول السفيرين إلى حماه حتى بدأت الماكينة، وفي كل المحافظات بإجراء مقابلات مع المواطنين السوريين ليصبوا جام غضبهم على الحمويين الذين اسقبلوا بالورود وأغصان الزيتون سعادة السفير!!! وعلى الفور سيرت مسيرات التنديد بالتدخل الأمريكي والامبريالي الغاشم في شأن الوطن، وحوصرت السفارة وغيرها.. وتدخلت ماكينة إعلامية من لبنان الشقيق لتقول إن الحمويين قريباً سيغسلون هذا العار، وتذكر حماه العروبة والوطنية والشرف، وغفل عن مواجع ألم نازفة للآن.
الأمر الثاني أن القتلى والجرحى في يوم “لا للحوار” أصبحوا نكرات في استضافات الأباطرة الإعلاميين، وأصبح الخبر الأوحد، والمشهد الأقوى موضوع زيارة سفيري أمريكا وفرنسا و” ودنسهما” لأرض حماه المقدسة، أما دماء الشهداء فلم تكن ذات أهمية.
الأمر الثالث وطالما أن السفيرين قد خرقا الأعراف الدبلوماسية، يفترض أن يطردا شر طردة أو يعتقل – الأمريكي خاصة- لأنه جاسوس – بحسب أحد المحللين السوريين في اتصال فضائي معه!! ولم يخطر ببال هذا المحلل ماذا كان يفعل هذا الجاسوس قبل أيام في شوارع دمشق ومطاعمها ومتحفها الحربي ومحطة حجازها؟؟ أليس القصد من وراء ذلك أن عنوان البلد هو الهدووووء، ولا شيء سواه!!
فيا فورد ويا شوفالييه.. الشعب السوري يشكركما، و” المخربون” لا يحتاجون مساعدتكما ويرجو الشعب منكما عدم زيارة أية منطقة حارة حتى لا تتعرضا للطرد وربما الاعتقال، حفاظاً على أمنكما وحياتكما.
كونا على ثقة بالغة أنّ ” المندسين والطائفيين والعصابات المسلحة والقناصين والحثالة والمخربين” لم يتحركوا بإشارة من حكومتيكما.
وهاهي الماكينة الإعلامية بدأت تنسج خبر عمالة كل هؤلاء “المخربين” السوريين للامبريالية الأمريكية، وبدأت تحوك عنهم القصص المثيرة.