الدخان الروسي والنار الإيرانية/ إياد الجعفري
“لا دخان بلا نار”، ينطبق هذا المثل على السياسة أيضاً، وبشكل خاص، على الأحاديث المتواترة عن صراع روسي – إيراني، مرتقب، أو بدأ بالفعل، في سوريا.
مقتل كبير المستشارين العسكريين الروس في سوريا، فاليري أسابوف، قبل أيام، هو أحد ملامح الدخان الروسي في سوريا، والذي يوحي بوجود نار إيرانية تسببت به.
فالنظريات الأكثر ترجيحاً، تتحدث عن تورط حلفاء للروس، في الكشف عن موقع الجنرال الروسي، مما تسبب بمقتله. من هم هؤلاء الحلفاء؟، الروس بدأوا يتحدثون بصراحة عن تورط محتمل لشخصيات من الأجهزة الأمنية السورية، أو ربما، لشخصيات من ميليشيا “النمر” التي يقودها، سهيل الحسن، والتي كانت تتولى حماية غرفة العمليات التي كان الجنرال الروسي يقبع فيها، حين مقتله.
ما يعزز هذه النظرية، أن عملية قتل الجنرال الروسي، بقذيقة هاون، كانت تتطلب دقة عالية في التصويب، وفي التوقيت. مما يؤكد تورط أحدٍ ما من الداخل، في تدبير عملية قتله.
لكن، لماذا تتورط قيادات أمنية سورية في قتل جنرال عسكري روسي، يدير عمليات حيوية لنظام الأسد، على الضفة الشرقية لنهر الفرات؟.. الاتهام الروسي الأولي، كان للأمريكيين، لكنه سرعان ما اتضح أنه اتهام انفعالي. فالأمريكيون أصحاب مصلحة بالفعل، لكنهم لم يكونوا على علمٍ بتفاصيل تحركات ومواقع تواجد الجنرال الروسي. إذاً، من هو صاحب المصلحة الآخر في عملية الاغتيال هذه؟. يظهر تنظيم الدولة في هذا المشهد، بوصفه مجرد أداة. أما من ضغط زر الاغتيال، فكان جهة ما لها أشخاص داخل المحيط المُقرّب من الجنرال الروسي.
لم يشر الروس نهائياً، حتى الآن، إلى الإيرانيين. لكن الإسرائيليين فعلوا، بشكل غير مباشر، حينما ألمحت وسائل إعلامهم إلى صراع مرتقب بين الروس والإيرانيين على النفوذ في سوريا، بعد التخلص من “داعش”.
اللافت في معارك دير الزور تحديداً، غياب أية أنباء عن خسائر بشرية في صفوف الميليشيات الإيرانية، التي كنا نعتاد سماعها في المعارك المفصلية للنظام السوري. كما حدث في حلب مثلاً، قبل تسعة شهور. المعلومات المتوافرة تشير إلى أن قوات الجيش السوري، التابعة لنظام الأسد، وتحديداً، الفرقة الرابعة، هي الجهة الميدانية الرئيسية الفاعلة في تلك المعارك. بإدارة روسية، مباشرة هذه المرة. وما يؤكد ذلك، تكرار أنباء عن مقتل جنود روس. وحديث إعلام “داعش” عن أسر جنود روس، رغم النفي الرسمي من موسكو. لكن مقتل الجنرال الروسي، أسابوف، كان أكبر من أن يتم نفيه.
هذه المرة الأولى في سوريا، التي يزداد فيها الحديث عن خسائر بشرية روسية، وسط غياب لأية أنباء عن مشاركة للميليشيات الإيرانية. والأمر يحمل تفسيراً بسيطاً للغاية. الروس يريدون تغيير المعادلة الحاكمة لتحالفهم مع الإيرانيين في سوريا، والتي كانت تقوم على أن يتولى الإيرانيون البرّ، فيما يتولى الروس الجو. بقيت خلال السنتين الماضيتين، مشاركات الروس البرية خجولة. لكنها ازدادت في الأشهر الأخيرة. فظهر مقاتلوهم بكثرة في الكثير من المواقع المفصلية، على تخوم مناطق خفض التصعيد، في ريف حمص، وفي الغوطة، وكذلك في الجنوب السوري. وظهر جنودهم في نشاطات إغاثية للحاضنة الموالية لنظام الأسد.
يحاول الروس أن يغيروا من المعادلة التي تمنحهم الجو فقط، فتجعلهم بحاجة للتواجد البرّي الإيراني. لكن مساعيهم تلك، تعني أن عليهم تكفل خسائر بشرية أكبر. وتعني المزيد من التورط الروسي المباشر في الصراع الميداني في سوريا. وهو ما يحصل بالفعل. وتجلى بشكل واضح في معارك دير الزور. حيث يتولى الروس إدارة عمليات قوات النظام الرسمية. فيما تغيب الميليشيات الأجنبية، عن الساحة، حتى الآن.
لا شك أن ذلك لن يُرضي إيران. فهي تعلم أن نفوذها في سوريا مُستهدف من جانب الغرب. وأن الأخير اشترط على الروس إخراج الإيرانيين، مقابل القبول بالشراكة الكاملة معهم في سوريا. بل ذهب الأمريكيون في خطوات جدية باتجاه التعاون مع الروس، على قاعدة، إبعاد الإيرانيين. كما حدث في اتفاق خفض التصعيد في جنوب سوريا.
يدرك الروس اليوم أن بوابة تحالفهم المأمول مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتتويجهم شركاء لها في سوريا، هي الحد من النفوذ الإيراني، أو إنهائه في سوريا. لكن لإيران رجالاً أوفياء، توطدت علاقتها بهم خلال الحرب، ويتولون مواقع فعالة في التركيبة الأمنية والعسكرية لنظام الأسد. هؤلاء الرجال، قد يكون بعضهم المسؤول عن تدبير مقتل الجنرال العسكري الروسي. وهي رسالة إيرانية للروس، بأن لحمنا قاسٍ.
وهكذا، يبدو أن التورط الروسي المباشر على التراب السوري، سيتزايد، مع الزمن. وستتزايد معه، الخسائر البشرية الروسية على هذا التراب، في المستقبل القريب. خاصة مع تزايد وتيرة حرب العصابات التي يشنها تنظيم الدولة، بوصفها الاستراتيجية المتاحة لديه، بعد خسارته لمواقعه الرئيسية في سوريا والعراق.
المدن