صفحات العالم

الدور الايراني في المنطقة –مقالات مختارة-

 

سياسة تفجير الخرائط/ غسان شربل

إيران صاحبة الدور الأول في بغداد لكن الوضع العراقي مؤلم ومفتوح على كل الأخطار. إيران صاحبة الدور الأول في دمشق لكن الوضع السوري مأسوي وشديد الخطورة ومفتوح على كل الأخطار. إيران اللاعب الأول في بيروت لكن الوضع في لبنان مهزوز ومهدد بمزيد من الاهتراء وقابلية استضافة الأخطار. لا تحتمل الخرائط العربية فوز إيران بدور اللاعب الأول فيها. سياسة كسر التوازنات تفتح الباب لتفجير الخرائط.

شاهدت الإطلالة الأخيرة لعبد الملك الحوثي. لم تكن موفقة. ولم تكن مقنعة. كان واضحاً أن الحوثي اندفع في مغامرة تفوق حجمه التمثيلي وتفوق قدرة بلاده على الاحتمال. هزت مغامرته الخريطة اليمنية بعنف دموي وهزت معها المنطقة. ولا حاجة إلى التفتيش عن أدلة للتأكد أنه ارتكب مغامرته تحت المظلة الإيرانية وأن علي عبد الله صالح انضم إليه من باب الكيدية وشبق الاشتياق إلى القصر.

تسرعت طهران في استنتاج أنها باتت اللاعب الأول في اليمن. تسرعت في إلحاق صنعاء بعواصم «هلال الممانعة». جاءتها مفاجأة غير سارة على الإطلاق. إرادة عربية بقيادة سعودية أطلقت «عاصفة الحزم». أهم ما في القرار رسم خطوط حمر أمام التقدم الإيراني للامساك بالعواصم والخرائط.

الدول التي ولدت من لقاء مكونات متنوعة الألوان والمرجعيات تحمل لعنة الهشاشة الدائمة. لا تستطيع دولة من هذا النوع احتمال امتلاك أحد مكوناتها حق النقض الكامل في السياسة وحق الفرض المطلق في الأمن. لا تستطيع احتمال امتلاك مكون قدرة هائلة على التعطيل وقدرة عسكرية تفوق قدرة الدولة والجيش والانخراط في برنامج عابر للحدود. وإذا غابت الأكثرية السكانية الصريحة يتحول وجود مكون من هذا النوع مشروعاً لتفجير الخريطة. الصعود الطاغي لقدرة التعطيل والفرض قد تضعف قدرة الخائفين على اعتراض تسرب الإرهاب إلى الساحات التي تعتبر نفسها مستضعفة ومهددة في دورها ولونها وربما وجودها. تضخم الدور الإيراني يساهم في ولادة «البيئات الحاضنة» للعنف الأعمى.

مشكلة أهل المنطقة مع إيران ليست البرنامج النووي. البرنامج مشكلة دولية. مشكلتهم الدور الذي تسرب إلى خرائطهم بلغة انقلابية سرعان ما تؤسس ترسانات محلية. المغامرة الإيرانية في اليمن حققت عكس أغراضها. سلطت الضوء على الدور الإيراني وأحوال الخرائط التي تحولت إيران فيها اللاعب الأول خصوصاً بعدما حققت نجاحاً في سعيها للتحول مرجعية سياسية ودينية للشيعة العرب.

يختصر سياسي عربي يعرف الإيرانيين المأزق الحالي بالقول إن حجم الدور الإيراني الحالي غير طبيعي وأكبر من قدرة الدول المعنية على الاحتمال. ويرى أن كل حل متوازن يضمن الاستقرار في هذه الدول يقلص بالضرورة حجم الدور الإيراني. أي شراكة حقيقية بين المكونات العراقية تجعل الدور العراقي أكثر توازناً أو أقل تبعية لإيران. عودة لبنان إلى التوازن بين المكونات تبقي إيران لاعباً لكنها تحرمها من صفة اللاعب الأول.

في سورية الموضوع شديد التعقيد. إيران اصطدمت هناك بأكثرية سكانية صريحة. لا يمكن لأي تسوية متوازنة في سورية أن تضمن لإيران الامتيازات التي تحظى بها حالياً في دمشق. لا يمكن أن تضمن أيضاً لـ»حزب الله» بقاء سورية عمقاً استراتيجياً له وممراً دائماً لأسلحته الإيرانية. التسوية المتوازنة في دمشق تفرض حقائق جديدة على الساحة اللبنانية وتشذب دور إيران و»حزب الله» فيه. الأمر نفسه بالنسبة إلى اليمن. أي تسوية متوازنة ترمم الخريطة اليمنية ستعيد الحوثيين إلى دورهم الطبيعي وستقلص حجم الدور الإيراني في صنعاء وستبعث برسالة حول مستقبل الحلول في الخرائط التي انفجرت.

من المبالغة اعتبار الدور الإيراني المسؤول الوحيد عن تفجير الخرائط. هناك الاستبداد والفقر والتهميش والأمية والأفكار القاتمة. لكن الدور الإيراني سكب الزيت على استعدادات الحريق ووسعها.

في مواجهة سياسة تفجير الخرائط يرفع العرب اليوم شعارات الأمن القومي العربي والسيادة والاستقرار. لا ينكرون حق إيران في أن يكون لها أصدقاء وحلفاء ومتعاطفون. ينكرون عليها حق تأسيس الترسانات والجيوش الموازية ورعاية الانقلابات. يصعب إقناع العرب أن عبد الملك الحوثي يجمع الصواريخ لإنزال الموت بإسرائيل وأميركا والتكفيريين. يحتاج استقرار الشرق الأوسط إلى دور إيراني واقعي. على إيران التعلم من تجارب الآخرين. كان الاتحاد السوفياتي نائماً على ترسانة نووية هائلة ومع ذلك قتلته شراهته في التوسع وأعباء الدور الامبراطوري. احترام الخرائط أفضل من التهامها أو تفجيرها.

الحياة

 

 

 

 

إيران تتشدد في اليمن خوفاً على… سورية/ جورج سمعان

من المبكر الحديث عن تغيير واسع وسريع للمشهد الاستراتيجي في المنطقة. لكن الدينامية التي أطلقها «التحالف العربي» في اليمن لن تتوقف. وهي كفيلة في النهاية بإحداث تغييرات في هذا المشهد تضمن إرساء ميزان قوى جديد. وترسخ دور الدول العربية عموماً، ودول مجلس التعاون خصوصاً، في تولي أمر أمنها وحماية مصالحها الحيوية. وستكون القوة العربية المشتركة التي أقرتها قمة شرم الشيخ ترجمة لقرار «التحالف»، سواء انخرطت فيها كل دول الجامعة، أو اقتصرت على عدد بعينه. المهم أن دول «عاصفة الحزم» قادرة بجيوشها وأجهزتها العسكرية على توفير القوة اللازمة.

«عاصفة الحزم» حققت الأهداف الأولى من الحرب. قضت على معظم الآلة العسكرية للحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح. لم يعد بإمكانهم تهديد مدن الجنوب والشرق والوسط، واستكمال سيطرتهم على كامل البلاد، وإسقاط ما بقي من رموز الشرعية تالياً. كما لم يعد بمقدور ترسانتهم الصاروخية والجوية أن تشكل تهديداً جدياً للمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، أو تهديد الملاحة الدولية في مياه البحر الأحمر أو التلويح بإقفال باب المندب. لكن «إعادة الأمل» في المقابل لم تساهم حتى الآن في دفع جميع الأطراف إلى تنفيذ كامل لمنطوق القرار 2216، خصوصاً استئناف الحوار السياسي. ليست العقدة في تحديد المكان، بمقدار ما هي في الشروط التي يتداولها الطرفان. الشرعية الممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته تصر على تنفيذ الحوثيين وأنصار صالح ما نص عليه القرار، أي الانسحاب من كل المواقع التي احتلوها أخيراً وإعادة كل السلاح الذي نهب من الثكنات والمواقع العسكرية. فيما يشترط الرئيس السابق وعبدالملك الحوثي وقف الغارات الجوية. وترفض الحركة الاعتراف بشرعية الرئيس هادي. والواقع على الأرض لا يسمح لأهل «العاصفة» بإغماض عيونهم لثوانٍ. فقد تحركت مجموعات من «أنصار الله» و… أنصارهم ولا تزال تتحرك في أي فرصة من أجل قضم مزيد من مواقع الشرعية.

لا يراهن أحد بالطبع على دعوات الرئيس صالح من أجل وقف القتال والعودة إلى طاولة الحوار. فهو لا يبدي حرصاً على استتباب الأمن أو الحوار السياسي، بمقدار ما تهمه إعادة إنتاج مراكز القوى السابقة على الأزمة، وعلى رأسها إعادة الاعتبار إليه وإلى مجموعته. فرض عليه مجلس الأمن عقوبات قبل الحرب الأخيرة، منذ أكثر من سنة. وعندما اقترب مؤتمر الحوار الوطني من نهاياته أوائل 2013، استعجل إرسال الوفود إلى طهران طالباً تدخلها لإقناع حليفها الحوثي بالتنسيق معه من أجل نسف المؤتمر. لو لم تتملكه الرغبة الجامحة في الانتقام ودحر خصومه وإلغائهم سياسياً لما وقف موقف الداعم لاندفاع الحوثيين. كان باعتقاده أنه يمكن إعادة تسويق نفسه القادر الوحيد على ضبط الحركة ووقف تقدمها نحو العاصمة، ثم باقي المدن الأخرى، على أمل رفع العقوبات عنه، ودفع نجله أحمد في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

المشكلة التي تعترض استئناف الحوار أن مرجعيته ليست قابلة للنقاش: المبادرة الخليجية والقرار الدولي 2216. وما لم يرضخ الحوثيون وأنصار الرئيس السابق لهذه المرجعية الخليجية – الدولية لن يقوم حوار. وستستمر الحرب بالتالي حتى يرضخ المعاندون. وقد لا ينفع تعويلهم على إيران وما يمكن أن تمدهم به من عون عسكري بات شبه مستحيل. كما أنها قد لا تكون في ظل القرار الدولي مستعدة لمواجهة العالم والمحيط الإسلامي بأكمله، من المغرب إلى باكستان، ومن شبه الجزيرة العربية إلى تركيا… ومن واشنطن إلى موسكو، كرمى لعيون عبدالملك الحوثي وعلي صالح. المهم أن ترحيبها بوقف «العاصفة» ودعوتها إلى الحوار واستعدادها للمساعدة في إطلاقه لم تترجم على الأرض. فهل هي عاجزة عن إقناع الحوثيين بالانصياع للقرار الدولي وشروطه، أم إن في الحركة أجنحة خرجت عن طاعتها، أم إن تركيبة الحركة ليست كلها بيدها أصلاً؟ إذا استمر تشدد «الأنصار» لن يجد أهل «العاصفة» سوى مواصلة ضغوطهم عبر إحكام الحصار وممارسة الضغط العسكري على صنعاء وصعدة التي يدفع متشددون فيها نحو إعلان حرب مذهبية.

إيران ترغب وهي تعض على الجرح، في أن يتحول اليمن ساحة استنزاف للمملكة وشركائها، مخافة أن يشجع نجاح «العاصفة» في هذا البلد على نقل التجربة إلى سورية، حيث يحقق التفاهم الجديد بين السعودية وقطر وتركيا، فضلاً عن باقي أعضاء «التحالف العربي»، رافعة للتقدم الذي أحرزته الفصائل المعارضة، سواء في الشمال أو في الجنوب. إيران لا تخشى على نفوذها في العراق حيث يمكنها الاعتماد على القوى الشيعية أكبر المكونات عدداً في هذا البلد. لكن شبكة الأمان ليست متوافرة لحضورها في سورية وتالياً في لبنان. لذلك، تبني جل استراتيجيتها في بلاد الشام على وجوب الحفاظ على الوضع القائم في سورية. ذلك أن أي تغيير مناهض لمصلحتها في هذا البلد سيلحق ضرراً بحليفها اللبناني «حزب الله». ويخلق لاحقاً عنصر قلق للنظام في بغداد بسبب الارتباط والتواصل بين المحافظات السنّية في كلا البلدين.

بالطبع لا تريد السعودية الانخراط أكثر في الميدان اليمني، أي أنها تحاذر خوض الحرب براً. لذلك، بمقدار ما شكل لها قرار مجلس الأمن الرقم 2216 غطاء شرعياً قدم لها مخرجاً لفتح الباب أمام الحل السياسي على أساس المبادرة الخليجية التي تبناها المجلس مجدداً. ومثلها إيران التي ذهبت تصريحاتها وتهديداتها هباء، وباءت محاولاتها لخرق الحصار المضروب على اليمن جواً وبحراً، لا تجد سبيلاً سوى الدعوة إلى الحوار السياسي… ولكن بشروط حوثية تضيّع المرجعية التي تمسك بها المجتمع الدولي بعد الخليجي. وخلّف الصراع على شروط انطلاق الحوار بين الأطراف اليمنيين ومرجعيته، استعصاء يعزز حضور خيار عودة اليمن يمنين، خصوصاً إذا شعر أهل الشمال وصنعاء بأن خسارتهم الحرب ستقلص من امتيازاتهم السياسية. لكن هذا الخيار قد يعني في النتيجة ترسيخ حضور إيران في دولة الشمال، على الحدود المباشرة مع السعودية. وهذا ما لن ترتاح إليه الرياض التي أطلقت «العاصفة» لاقتلاع هذا الحضور من حديقتها الخلفية. فإذا كانت حمت عدن ومدن الجنوب من هذا الحضور فهل ستقبل به على أبوابها؟

تراهن السعودية وشركاؤها اليوم على اهتراء الوضع السياسي في صفوف خصومهم وضعفهم وعجزهم. وعلى انفضاض مزيد من القوى في المؤتمر الشعبي العام عن الرئيس السابق، وكذلك على تنامي نفوذ فاعليات زيدية وكتل عشائرية وقبلية ترتبط بعلاقات تاريخية مع المملكة لا ترى أي جدوى في تهديم هذه العلاقات وما تنطوي عليه من مصالح. ويراهنون أيضاً على ما سيخلفه الحصار من آثار في الصفوف الشعبية، وعلى تقدم أنصار الشرعية بعد ضمان سيطرتهم على مدن كثيرة في الجنوب والشرق والوسط. بينما تراهن إيران على الوسطاء من سلطنة عمان إلى باكستان وتركيا لعلها تنجح في تقديم تصور يرضي الطرفين السعودي والإيراني.

إن نجاح الحملة في اليمن سيضعف موقع إيران ويحد من اندفاعها في شبه الجزيرة. لم يقف التحالف وحده في مواجهتها. فقد اختبرت بنفسها الموقف الدولي. ناورت سفنها قبالة سواحل عدن مهددة باختراق الحصار. فسارعت الإدارة الأميركية إلى إرسال حاملة الطائرات «يو إس إس ثيودور روزفلت» إلى المنطقة للتأكيد لإيران أنها لا تتهاون حيال أي خطر قد يهدد حلفاءها الخليجيين. وهي مضطرة لتوجيه رسائل واضحة إليها بهذا المعنى فيما الاستعدادات قائمة للقمة الأميركية – الخليجية منتصف الشهر المقبل. وقد عبر وزير الخارجية جون كيري بوضوح أن بلاده يمكنها أن تبرم الاتفاق لتجميد البرنامج النووي، والعمل في الوقت نفسه لاحتواء السياسة الإيرانية لزعزعة استقرار المنطقة. لذلك، يبقى مطلوباً من واشنطن مساعدة الطرفين المتصارعين على المصالحة، والتفاهم على حدود الأدوار والأحجام في الإقليم.

وكانت طهران قبل ذلك راقبت موقف موسكو التي لم تعترض بالفيتو على القرار الأخير لمجلس الأمن. وأدركت أنها حريصة على علاقات جيدة مع دول مجلس التعاون التي تقود ما بقي من عمل عربي مشترك. وتدفع نحو إحياء جامعة جديدة مع طيف من الدول بينها مصر والأردن والمغرب. وتعير روسيا أهمية كبيرة لعلاقاتها المتجددة مع مصر والأردن أيضاً. وتحســـب حساباً لتداعيات قيام تفاهم نهائي بين واشنطن وطهران على علاقاتها بالأخيرة. مثلما تود أن تعوض خسائرها في أوروبا بكــسب حلفاء وشركاء جدد. ويهمها أن تعزز علاقاتها مع مزيد من الدول العربية، خصوصاً الخليجية التي لا مفر من التنسيق معها لضبط أسواق النفط والغاز. ويمكن هذا التنسيق أن ينعكس في الميدان السياسي. وتقدم الأزمة السورية نموذجاً أو فرصة لاختبار حدود هذا التعاون. فهل حان الوقت لمثل هذا الاختبار، أم إن التسوية اليمنية سيولد إنجازها دينامية تدفع إيران إلى مزيد من البراغماتية ووقف المغامرات في اليمن وسورية وغيرهما؟

الحياة

 

 

أي إيران ستُولد؟/ امين قمورية

الاتفاق النووي يوقّع لا يوقّع. الاعصاب مشدودة ليس فقط في واشنطن وطهران بل في بقية العواصم الكبرى والشرق الاوسط.

ايران تريد الاتفاق بقوة… ولكن ليس بأي ثمن. وافقت على شفافية برنامجها النووي، ووقعت مبدئيا على جعل مفاعلاتها والمعامل الذرية أشبه بمختبر علمي في جامعة متاح لمراقبة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ساعة يشاؤون، مقابل رفع الحصار عنها والعقوبات التي ارهقت اقتصادها وأضرّت بطموحاتها الجامحة.

ثمن الشفافية الذي تطلبه ايران يستحق التضحيات في زمن تحكم المال والمصالح المادية برقاب العباد والبلاد، زمن قياس مقامات الدول بعائداتها وبناتجها القومي ومستوى دخل الفرد فيها لا بتاريخها ولا بارثها الثقافي. فالمال يشتري كل شيء: الشركات، الجامعات، المصانع، الطائرات، الاعلام وحتى القنابل النووية.

ايران لديها التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا والطاقة، وكونت بعد اربعة عقود من الثورة عصباً جمع حولها حلفاء أقوياء وامتدادات خارج الحدود، ونجحت في تحويل أخطاء غيرها حصانا أبيض وصلت على صهوته الى البحرين الابيض والاحمر، ومثل الغاز تسربت عبر المسام المفتوحة شرفاً وغرباً وتسببت بالاختناق لجيران كثر فاغضبتهم أو أرعبتهم حتى صنفوها خصماً أول. ولم يعد ينقصها لتثبيت نفسها دولة اقليمية عظمى سوى نيل الشرعية الدولية والاقليمية والاهم: المال، وهو متوافر اذا ما فك الحجز والحصار عنها. المال ينعش الشرايين الاقتصادية التعبة للبلاد، ويعزز النفوذ ويقوي ساعد الحلفاء ويسندهم ليسندوها في مصالحها والضرورات.

واشنطن بعيدة مسافات عن طهران، وموازنتها العسكرية تتجاوز الـ600 مليار دولار في مقابل 30 ملياراً فقط تخصصها ايران للعسكرة والامن، وتالياً فان الجمهورية الاسلامية لا تخيف “البنتاغون” حتى لو امتلكت القنبلة النووية، فهو قادر على تدميرها قبل اخراجها من المخزن. لكن البيت الابيض يريد ايضاً الاتفاق، وحتماً ليس بأي ثمن. أمور كثيرة تهم أوباما وادارته من وراء الاتفاق: ابعاد شبح حرب جديدة، تحقيق انجاز سياسي تاريخي، تجريد ايران من مخالبها النووية حرصاً على أمن اسرائيل، رسم توازنات جديدة في المنطقة بعد ابتعاد واشنطن عنها… كل هذه اسباب مهمة، ولعل الاهم هو احداث شرخ في العقل الايراني بين العقيدة السياسية والمصالح الاقتصادية.

عندما تتناقض المنافع مع المبادىء في الدول الثورية يشتد الصراع في الداخل وتتغير الاولويات، هكذا تفكك الاتحاد السوفياتي، وهكذا تتخبط الصين بين اشتراكيتها الاسمية ورأسماليتها الفعلية. وهكذا يتوقع البعض لايران.

صحيح ان ايران تعد نفسها بفوز عظيم بعد الاتفاق… ولكن اي ايران ستكسب؟ هل تبقى هي هي أم تظهر ايران جديدة؟

النهار

 

 

هل سيكون هناك اتفاق أم لا؟/ توماس فريدمان

تدخل جهود فريق أوباما في المفاوضات الدائرة مع إيران للتوصل لاتفاق قد يحول بين الإيرانيين وتطوير سلاح نووي لمدة 10 سنوات على الأقل، مرحلتها الحاسمة والنهائية.

أتمنى أن يتم التوصل لاتفاق جيد يتضمن آليات يمكن من خلالها متابعة تنفيذ الاتفاق، ولكن أمرا مثل هذا لن يكون سهل المنال؛ لأنه لو كان كذلك لكنا حصلنا عليه بالفعل. وفيما يلي أهم التحديات:

أولاً، بوسعك أن تتفاوض مع خصم لا تثق به للتوصل لاتفاق بسيط للحد من التسلح، وقد فعلنا هذا مع الكرملين أثناء الحرب الباردة. ما أعنيه بكلمة بسيطة هو أنه اتفاق لا يتضمن تحريك أجزاء كثيرة بالإضافة إلى احتوائه على آليات واضحة تتيح متابعة تنفيذ الاتفاق ولا تتطلب توفر الكثير من حسن النية لدى الطرف الآخر.

يمكنك أيضا أن تتفاوض مع دولة تشاركك مبادئك للتوصل لاتفاق حول عملية معقدة للحد من التسلح كما هو الحال مع اليابان وكوريا الجنوبية، حيث تُخضِعان منشآتهما النووية للتفتيش الدولي. لكن ما يصعب وضعه قيد التنفيذ هو التوصل لاتفاق معقد للحد من التسلح مع خصم لا تثق به مثل إيران أو كوريا الشمالية. فتحريك كل جزء يتطلب بعضا من حسن النية لدى الطرف الآخر ونظرًا لأن هناك الكثير من الأجزاء التي يتعين تحريكها فإن فرصة اللجوء إلى الخداع ستتوفر بكثرة، مما يستلزم توخي الحيطة بصفة مستمرة. فهل الولايات المتحدة وروسيا والصين وأوروبا مستعدة لتحمل هذا الوضع لمدة عشر سنوات؟

بعد غزو العراق غفلنا عن مراقبة كوريا الشمالية وكانت النتيجة نجاحها في تخصيب اليورانيوم وبناء قنبلة نووية. أما في حالة إيران فإن وزارة الطاقة الأميركية تعتزم وضع عدد كبير من أجهزة الرصد الجديدة بداخل كل ركن من أركان المنشآت النووية الإيرانية وهي خطوة معززة لضمان عدم تلاعب إيران ولكن يجب أن يتضمن الاتفاق إجراءات رادعة ضد أي محاولة للخداع من قبل الإيرانيين، بل وإجبارهم على دفع ثمن باهظ إذا أقدموا على ذلك.

التحدي الثاني هو أن هذا الاتفاق، بالنسبة لنا، يمثل اتفاقية للحد من التسلح، لكن بالنسبة لإيران فهو يمثل «أزمة هوية» يتطلب منها إيجاد حل لها لكن ليس من الواضح حتى هذه اللحظة مدى قدرتها على التوصل لحل، حسبما يقول روبرت ليتواك من مركز ويلسون ومؤلف كتاب «الدول المارقة: استراتيجيات أميركية للاحتواء والتعامل مع أو تغيير الأنظمة».

كانت العقلية التي تعاملت الولايات المتحدة بها مع إيران، حسبما يقول ليتواك، أشبه بـ«أزمة الصواريخ الكوبية في مواجهة حرب الثلاثين عاما»، بالنسبة لنا لا يعدو الأمر كونه مفاوضات نووية محضة ولكن بالنسبة لإيران فهو «مقدمة للدور الذي تطمح إيران إلى لعبه، فهل ستكون دولة عادية أم ستكون الدولة الإسلامية الثورية. وهذا الانقسام حول ماهية الدور الإيراني تعود جذوره إلى ثورتها» عام 1979.

معظم الثورات، في نهاية المطاف، تمر عبر عملية إعادة توازن ثقافي تؤدي إلى كبح جماحها وتحويلها لمسار طبيعي يسعى لتحقيق الاندماج، لكن حسبما يقول ليتواك فإن «إيران لم تمر بتلك العملية قط، بل أخذت في دغدغة أحلامنا عبر انتخاب رؤساء إصلاحيين لا يسيطرون على مقاليد الأمور، وحينما يحتدم الأمر فإنهم لا يجرؤون على الوقوف أمام التيار المتشدد الممثل للدولة العميقة والمستحوذ على أي قرار يتعلق باستخدام القوة» والتحكم في برنامجها النووي.

هناك تيار متشدد في طهران لا تمثل الأسلحة النووية بالنسبة له وسيلة ردع ضد غزو أجنبي فحسب، بل تمثل أيضا شوكة في حلق العالم للحؤول دون حدوث ذلك الاندماج الذي سيفتح أبواب إيران على التأثيرات القادمة من الغرب والولايات المتحدة، وهو انفتاح يخشى معه التيار المتشدد أن يؤدي إلى انطفاء ما تبقى من جذوة الحماس الثوري الموجودة في نفوس الشباب الإيراني الذي ضاق الكثير منهم ذرعًا بالعزلة التي تعانيها إيران. وهو السبب نفسه الذي دفع بالمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، إلى الإقرار بالحقيقة عندما صرح مؤخرًا بأنه لم يصل بعد لقرار بشأن هذا الاتفاق. إنه يعاني من أزمة هوية. فهو يريد تخفيف العقوبات دون اللجوء إلى تحقيق تكامل. فبعد كل شيء، لو أصبحت إيران دولة عادية، فمن سيكون حينها بحاجة لرجل دين من العصور الوسطى ليتولى منصب «المرشد الأعلى»؟

التحدي الماثل أمام أوباما هو ما إذا كان في مقدوره التوصل لاتفاق مع إيران «لا يغير من الشخصية ولكن يغير السلوك فقط» حسبما يقول ليتواك. فمخطط أوباما، وهو ليس من قبيل الشطط، يعتمد على أنه إذا تمكن من دفع إيران للموافقة على إجراءات رقابية يعتد بها وحرمانها من تصنيع قنبلة نووية لمدة عقد من الزمان فهذا يعد في ذاته، وبالنظر للبدائل، دافعًا لإتمام الاتفاق. ثم العمل على دفع الشعب الإيراني لتغيير شخصية بلاده من الداخل. ولكن جزءا كبيرا من نجاح الاتفاق يعتمد على وضع آليات مراقبة محكمة و«خطة فورية لإعادة فرض العقوبات» إذا ما أقدمت إيران على الخداع وانتهاك شروط الاتفاق.

أظن أن الرئيس أوباما يعتقد أنه لا يوجد سبب أدى لإحباط السياسة الأميركية في الشرق الأوسط طوال الأعوام الستة والثلاثين الماضية أكبر من الحرب الباردة بين أميركا وإيران، وإذا كان بالإمكان التخفيف من حدة هذه الحرب فسيكون ذلك إنجازا يعادل الخطوة التي اتخذها نيكسون إزاء الصين ويفتح الباب للكثير من الاحتمالات.

أكرر مرة أخرى أن هذا ليس بالشطط، ولكنه ليس أمرًا سهل المنال أيضا بالنظر للقوى المسيطرة على مقاليد الأمور في إيران التي تحرص بناء على مصالحها الخاصة على إبقاء إيران بمعزل عن الغرب.

أما التحدي الأخير فهو على المستوى الإقليمي، فإيران بسكانها الذين بلغ تعدادهم 80 مليونا، تعد ببساطة أكثر قوة وديناميكية كدولة، في وقتنا الحالي، من معظم الدول العربية السنية الواقعة في غربها والتي انهار نصفها. فإيران، حتى لو كانت حسنة النية فإنها لا تملك سوى أن تظهر بمظهر الدولة القوية في نظر الدول الواقعة إلى الغرب منها؛ نتيجة الفراغ وهشاشة الأوضاع اللذين تعانيهما تلك الدول.

عندما انفتح نيكسون على الصين وساعد في إطلاق العنان لبراعتها الاقتصادية، كانت الصين حينها محاطة بدرجة كبيرة بدول قوية عسكريًا أو اقتصاديًا، مما أحدث اتزانا في موازين القوى في المنطقة. ولكن إيران التي سيؤدي تخفيف العقوبات عنها إلى ملء خزائنها بمليارات الدولارات ستصبح أكثر قوة مما هي عليه الآن بالمقارنة بجيرانها العرب الضعفاء.

ينتاب حلفاءنا في الخليج قلق عميق إزاء ذلك ويوجهون أنظارهم صوب الولايات المتحدة بحثًا عن الحماية والمزيد من الأسلحة الأكثر تطورًا.

أتفهم ذلك ولكن ما لم نتمكن من إيجاد طريقة نخفف بها من التوترات بين إيران والعرب، فإننا سنجد أنفسنا مطلقين العنان لإيران بينما نقوم بتعبئة ترسانات العرب بالأسلحة في الوقت ذاته.

لن يكون الحفاظ على هذا التوازن بالأمر الهين ولكن كل ما ذكر لا يجب النظر إليه باعتباره أسبابا لرفض الاتفاق ولكنها أسباب تدعو إلى إتمامه بإحكام.

* خدمة {نيويورك تايمز}

 

الشرق الأوسط

 

 

 

“داعش” و”هاغانا” فارس/ راشد فايد

لا تقلّ “داعشات” ايران دموية عن “داعش” الأساسية، فلماذا تقوم تحالفات دولية لضرب الأخيرة (وشقيقتها الإفريقية “بوكوحرام”)، بينما تتجاهل مجازر الأولى؟

الجواب الأولي، ان “داعش” و “بوكوحرام” يتمايزان، وبخلاف “الداعشات” الفارسيات، بأنهما شملتا بمذابحهما غربيين، علما بأن العدد الأكبر من ضحاياهما هم من أهل ملّتهما، وبعشرات المئات، يضاف اليهم أبناء الأقليات المشرقية، والمسلمون الشيعة؟

الاستنتاج الاول، أن الغرب، الاوروبي – الاميركي، لا يتحرك لمواجهة الارهاب، إلا حين يتهدد أمن مواطنيه، أو استقرار دوله. ومأساة 700 من لاجئي البحر المتوسط، الأخيرة، شاهد. فأغلب التعليقات الاوروبية لم يلتفت الى ان هؤلاء ينطلقون إلى أوروبا من الشاطئ الليبي الذي يفتقد سلطة “الدولة”، ويركّز على ردعهم، أو على حلول موضعية كاستيعابهم، بالتزامن مع تقليل فرص عبورهم، بدل علاج دوافعهم، بتنمية اقتصادية في بلدانهم، وفرض السلم الأهلي في ليبيا.

وفي السياق نفسه، لا يتحرك هذا الغرب، في مواجهة المجازر الهادفة الى فرض تغيير ديموغرافي، في العراق وسوريا، على يد “داعشات” كـ”حزب الله” اللبناني، و”عصائب الحق”، و “أبو الفضل العباس”، و”الحشد الشعبي”، ومثيلاتها من سلالة التمدد الفارسي، على نهج عصابات الاستيطان الصهيونية في فلسطين، كالـ”هاغانا”، و”الأرغون”. فماذا يفرّق مجازر ديالا وتكريت والدليمي اليوم، عن مجازر الصهاينة كـ”ديرياسين” و”كفرقاسم”؟

وفي سوريا، لم تخرج ممارسات “الداعشات” الفارسية عن المخطط نفسه، والعدوانية المذهبية ذاتها، من حيث الدموية الترهيبية، والشعارات الدينية الفتنوية، المستخرجة من قعر الماضي، والتي يختلط فيها الاسطورة والادعاء مع الغيبية.

وبرغم صعوبة تعداد المجازر التي يديرها الحرس الثوري الايراني، لا سيما في الاحياء والبلدات السورية التي يسيطر عليها النظام، فان “المركز الدولي للدفاع عن حقوق الانسان والحريات” أحصى 74 مجزرة وقتلا جماعيا، في العام الفائت.

“التكافؤ” الدموي بين الجهتين لم ينشئ تكافؤا في التصدي الغربي لهما: فالقتل والتنكيل والمجازر التي ترتكبها عصابات الهاغانا والارغون الفارسيات تحاذر ان تصيب سلالة “الشيطان الاكبر” وأشقاءه الاوروبيين، فتنجو من العقاب الدولي، أما ضحايا التطهير المذهبي “المحليون” فلا يستحقون سوى الشفقة، وفي أحسن الأحوال “قلق” بان كي – مون.

المفارقة المؤلمة والملتبسة، أن “الأكثرية” تدفع جزية الدم على يد “داعش” وتدفع مثلها على يد “الداعشات” المضادة. أمصادفة أم تنسيق؟ وهل الإرهاب الفارسي “المنضبط” الأهداف، مقبول، والارهاب الداعشي “المتفلت” وحده المدان؟

النهار

 

 

 

المحاولات الإيرانية لخرق الحصار على اليمن استدراج حربي أم تفاوض بشروط جديدة؟/ روزانا بومنصف

لا يندرج احتجاز ايران لسفينة اميركية قبل يومين لدى مرورها في مضيق هرمز ضمن خرقها للقرار الدولي الرقم 2116 الخاص باليمن الذي صدر تحت الفصل السابع. وينسحب الأمر نفسه بالنسبة الى ارسال ايران سفناً ذكرت معلومات انها تحمل اسلحة الى الحوثيين على رغم ان هذا القرار يمنع مدهم بالاسلحة. ويعود ذلك الى اعتبار ان هذه السفن بقيت ضمن المياه الدولية وتراجعت على اثر ارسال الولايات المتحدة حاملة طائراتها اس اس روزفلت الى جوار هذه السفن، وهي تالياً لم تعبر المياه الدولية الى المياه اليمنية أو لم يتح لها المجال لان تقوم بذلك فتخرق بذلك القرار الدولي. في المقابل فان محاولة طائرة ايرانية تقول طهران انها محملة بالمساعدات الانسانية الهبوط في صنعاء على رغم الحظر الجوي المفروض من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ومنعت من ذلك اظهرت محاولات مستميتة من طهران لخرق الحصار حول اليمن وتقديم المساعدة العسكرية الى الحوثيين باعتبار ان المساعدة الانسانية كان يمكن ايران ايكالها الى الهلال او الصليب الاحمر الدولي. وفيما اعتبرت مصادر ديبلوماسية بعد صدور القرار الدولي حول اليمن ان تظهر ايران التزامها هذا القرار من حيث المبدأ ولو لم تعلن ذلك صراحة، فانها لم تتوقع عملانياً ان تحاول خرقه على هذا الشكل الصريح على الاقل علما ان التصدي الاميركي للسفن الايرانية كان مبادرة من شأنها تجنب حرب محتملة في حال رغبت السعودية او مصر او التحالف التصدي للسفن الايرانية ومنعها من الوصول الى اليمن لان آلية تنفيذ القرار 2116 يمكن ان تأخذ وقتاً طويلاً ومن غير المرجح ان يفضي الى نتيجة سريعة. وهذا ما بدا لافتاً لمصادر عدة أخيراً في تحركات ايران في البحر واستهدافاتها. فهل هي محاولات يائسة تعبر عن مدى استماتة طهران من اجل مد الحوثيين بالسلاح ام ان لها اهدافا اخرى؟ كما ان ثمة تساؤلات عما اذا كانت ايران تحاول فعلا خرق الحصار حول اليمن وهل تصل الى حد التسبب بحرب بينها وبين السعودية أو انها تحاول ان تتثبت من وجود خطوط حمر فعلية امام اي تحرك تقوم به على هذا الصعيد من اجل كسر الحصرية السعودية في شأن اليمن على ما برز من تحرك البحرية الاميركية، او انها تسعى الى محاولة استغلال أو توظيف استكمال المفاوضات حول ملفها النووي مع الدول الخمس الكبرى زائد المانيا في المدة الفاصلة عن الوصول الى اتفاق نهائي في آخر حزيران المقبل من اجل احراج الاميركيين ودفعهم الى التسليم بأمر واقع تحاول فرضه على رغم القرار الدولي انطلاقا من حاجة الولايات المتحدة الى انهاء هذا الاتفاق وتاليا الدخول الى اليمن من باب تحييد اي رد فعل من الاميركيين استنادا الى هذا التوظيف. وثمة تساؤلات تتصل بما اذا كانت ايران تحاول ان تلوي ذراع السعودية في اليمن او الدفع الى توريطها أكثر في حرب استنزاف هناك بناء على عدم تراجعها عن دعم الحوثيين ومحاولة تقديم الاسلحة لهم أو انها تضغط من أجل ايلاء الحوثيين دوراً اكبر على غير الشروط السائدة للحل السياسي في حين يثير البعض تساؤلات عما اذا كانت ايران تستهدف السعودية أو تحاول ان تجر الولايات المتحدة الى تفاوض جديد لحل حول اليمن بغير البنود التي نص عليها القرار الدولي الذي اعطى الاولوية المطلقة لمبادرة دول التعاون الخليجي ولعودة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.

بعض المصادر لا يتوقع ان تحاول ايران الدخول في حرب مباشرة مع السعودية على رغم ان التحركات الايرانية الاخيرة تزامنت مع موقفين سياسيين بارزين: أحدهما لقائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري حمل فيه على السعودية وقد لفت قوله “ان المسؤولين كانوا يتجنبون الحديث عن السعودية لبعض الاعتبارات الخاصة والآن ينبغي وضع هذه الاعتبارات جانباً” متوقعاً انهيار الحكم السعودي. فيما بدا أن التعيينات الملكية الجديدة في المملكة قد تكون محبطة لـ”توقعات” ايران في شأن انهيار المملكة والتي كررتها مراراً في الآونة الاخيرة خصوصاً أن الفريق الجديد تعزز موقعه كما تعززت سلطته وهو الذي خاض الاتجاه الاخير في المملكة والذي تصدى لايران في اليمن ورغب في رسم حدود لتوسع ايران في المنطقة مما قد لا يترك مجالاً لتفاهمات قريبة وقد يعتبر في مكان ما رداً على موقف ايران ككل. (والبعض رأى أو أمل على هامش اعلان المسؤول العسكري الايراني أن اعتبارات أخرى لم تعد تسمح بتجنب الحديث عن السعودية أن يريح تولي الايرانيين مباشرة ادارة صراعهم مع المملكة بدلاً من توريط لبنان وتدفيعه أثماناً باهظة عبر دفع “حزب الله” الى الواجهة في هذه المسألة امراً ايجابياً لهذه الجهة خصوصا ان تولي الحزب الحملة على السعودية رتب خسائر كبيرة على الحزب وعلى لبنان). أما الموقف الثاني فكان لمساعد العمليات في قيادة أركان القوات المسلحة الايرانية العميد علي شاوماني الذي قال “إن ايران تعلن بصراحة انها تدير وتدعم “ما وصفها بـ”المقاومة” موضحاً “نحن اعلنا وبشكل علني دعمنا للمقاومة اليمنية شأنها شأن المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية والافغانية وسنساعدها”. وهو تصريح لافت من حيث أن الخارجية الايرانية كانت نفت تقديم اي دعم عسكري للحوثيين.

النهار

 

 

 

 

تبادلية سورية واليمن/ سامح راشد

ما إن أعلنت السعودية انتقال عملياتها العسكرية في اليمن من “عاصفة الحزم” إلى “إعادة الأمل”، إلا وبدأت الأزمة السورية تعود إلى صدارة نشرات الأخبار والتصريحات الرسمية. قد لا يوجد رابط مباشر بين تطورات العملية العسكرية في اليمن والمنحنيات التي تتخذها الأزمة السورية، صعوداً وهبوطاً بين التحرك الميداني والمسار السياسي، إلا أن المتابع للأزمتين، خصوصاً في العامين الأخيرين، يلحظ أن ثمة علاقة تبادلية بين التطورات هنا وهناك. فحين تأزمت الأوضاع في اليمن، وتعثر الحوار الوطني، وبدأت التحركات الحوثية على الأرض، كانت الأزمة السورية تتجه إلى الثبات والجمود سياسياً وميدانياً أيضاً. وعندما تحركت موسكو، العام الماضي، وحاولت استدراج المسار السياسي إلى أرضها، وانتهاز فرصة التخلي الأميركي عن رعاية الملف السوري بشكل مباشر، اتجه الوضع في اليمن إلى الهدوء والتعليق. ومع كل منعطف مهم في إحدى الأزمتين، باتجاه التهدئة والتجميد أو التأزم والتعقيد، تكون الأخرى تشهد منعطفاً لا يقل أهمية، لكن في الاتجاه العكسي. ومع انتهاء تلك المرحلة في هذه، تنتهي أيضاً المرحلة المعاكسة في تلك. ولم تخرج التطورات الأخيرة في الأزمتين عن هذا النمط المتكرر. فمع تصاعد الموقف في اليمن، وتحوله إلى مواجهة مسلحة، كانت سورية تتراجع فيها وتيرة المواجهات، وتنحسر أيضاً الاتصالات والمشاورات السياسية. وعلى الرغم من أن الوضع في اليمن لم ينتقل بعد إلى مرحلة هدوء أو يتخذ مساراً سياسياً، إلا أن التحول من “الحزم” إلى “الأمل” يعني ضمنياً تثبيت الأزمة عند مستواها الراهن، من دون تصعيد كبير أو تسوية نهائية. فالقصف مستمر، وإن على نطاق أضيق، وفرص الانفراجة السياسية ضعيفة، وإن لم تنعدم. وسيبقى الوضع على حاله حتى إشعار آخر.

وفي التوقيت نفسه، شهدت الأزمة السورية تطورات مهمة، خصوصاً على الصعيد السياسي، حيث بدأت روسيا في إجراء مشاورات تحضيرية للقاء أطلقت عليه “موسكو-3″، بينما وفي التوقيت نفسه، بدأ المبعوث الدولي دي ميستورا اتصالات مكثفة لما أسماه “جنيف-3”! كأن الجميع كان ينتظر تباشير انتهاء الحرب في اليمن، أو على الأقل اتضاح مآلاتها المبدئية، قبل التفكير في أي تحرك جديد بشأن سورية.

يبدو هذا الارتباط منطقياً على مستويين، الأول تعقيدات القضايا والملفات الإقليمية في المنطقة، فالشرق الأوسط أضعف من أن يحتمل منعطفات حادة في أكثر من قضية أو أزمة في توقيت واحد. ويتعلق المستوى الثاني بهاتين الأزمتين تحديداً، فبالفعل هناك قواسم مشتركة كثيرة بينهما. منها وجود الدول نفسها تقريباً أطرافاً رئيسية فيهما، وهي إيران والسعودية في الصدارة، ومصر وتركيا في المرتبة التالية. كما أن الأزمتين تؤثران، مباشرة، في الوضع الإقليمي واستقرار المنطقة. ما يؤدي إلى وجود ومحورية أدوار القوى الكبرى في كل منهما. واللافت، هنا، ذلك الحضور الروسي القوي والملموس في الأزمتين، للمرة الأولى في الشرق الأوسط ربما منذ عقود. من المشتركات أيضاً، وجود بعد مذهبي في الحالتين. صحيح أن الدوافع الأصلية سياسية، ولكن، يجري توظيف التباين المذهبي بشكل يبدو مكشوفاً في حالة اليمن. ويظهر في سورية من حين إلى آخر، لكنه قائم، وعانى منه السوريون في بعض المناطق.

وعلى الرغم من تلك القواسم المشتركة، لم يكن أحد يتوقع أن تحذو الأزمة في اليمن حذو سابقتها السورية، لكن التطورات جمعتهما أيضاً معاً، فتلك الحركة التبادلية بين الأزمتين، تنذر باستمرار الصراع في اليمن وسورية إلى أمد غير معلوم. وإن كانت معطيات الوضع في سورية تشير إلى ذلك من قبل، فإن التطورات اليمنية لم تكن تشي بذلك، غير أن أيلولة “عاصفة الحزم” إلى ما آلت إليه تفتح الباب أمام امتزاج العسكري بالسياسي في صراع طويل ومعقد، ويصعب حسمه قريباً، لا بالضربة القاضية عسكرياً، ولا بتجميع النقاط سياسياً.

العربي الجديد

 

 

 

طهران على حافة الهاوية/ وليد شقير

تصر طهران على تكريس مبدأ خرق القرار الدولي الرقم 2216 المتعلق باليمن، وعدم الالتزام به. فهي تعتبره «بلا قيمة»، كما قال الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله. وهي لن تمل من سعيها إلى نسفه لأنه يتبنى خريطة طريق لمعالجة الأزمة تنطلق من المبادرة الخليجية وشرعية عبد ربه منصور هادي.

فمحاولتها إنزال طائرة قالت إنها مدنية محملة بـ «المساعدات الإنسانية» في مطار صنعاء واقتياد بحريتها سفينة ترفع علم جزر مارشال إلى الشواطئ الإيرانية، لمجرد أنها متعاقدة مع الجيش الأميركي على نقل معدات له، دليلان على ذلك مهما كانت التبريرات.

في الحادثة الأولى أرادت خرق القرار لجهة حظره توريد السلاح وما يتصل به من معدات ومقاتلين أو خبراء إلى اليمن. وحتى لو لم تكن الطائرة تقل الممنوعات التي وردت في القرار، فإن الجانب الإيراني أراد تكريس مبدأ عدم الامتثال لتوقيت الهبوط، وللأذن المسبق، وللتفتيش في أحد مطارات دول تحالف «عاصفة الحزم» (السعودية)، للاستعاضة عنه بالتفتيش في مطار صنعاء الذي يسيطر عليه الحوثيون وجماعة علي عبد الله صالح. تكريس مبدأ عدم الامتثال يتيح لها إرسال طائرات أخرى قد تحمل تلك الممنوعات باسم تقديم المعونة الإنسانية. ولو كان إرسال الطائرة بريئاً، لكانت طهران قبلت بكل تلك الشروط من أجل تمرير المساعدات التي ادعت أنها ترسلها.

في الحادثة الثانية شاءت أن تثبت أن نص القرار حول تفتيش السفن في البحار والممرات المحيطة باليمن من قبل دول الجوار، لا ينحصر بدول الخليج العربي التي كلفت التأكد من أنها لا تحمل أسلحة، بل إنها تعطي لنفسها حق الشراكة في أمن مضيق هرمز والمياه التي تؤدي إليه وضمان حرية الملاحة فيه. لكن حرية الملاحة بالنسبة إليها تعني حرية نقل الأسلحة والرجال وكل ما يسمح لها بقيادة الحروب من الخلف، وإلا هددت هذه الحرية بالنسبة إلى الآخرين. هذا ما يرمز إليه اقتيادها سفينة شركة «ميرسك».

أغرق الجانب الإيراني وسائل الإعلام في تفاصيل تقنية ولوجستية عن الحادثتين لا علاقة لها بما تضمره طهران كالعادة، وألحقها بمزيد من التصعيد في الحملة على السعودية وقادتها متوعداً إياها، في وقت يدعو إلى حل الأزمة اليمنية بالحوار.

أما جوهر المشكلة فيكمن في أن المكابرة الإيرانية لا تستطيع أن تتكيف مع وضع جديد نشأ بعد «عاصفة الحزم» التي أفقدت طهران كل ما سعت إلى تثبيته في الإقليم من أنها القوة الإقليمية الوحيدة التي يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تتكل عليها في ضبط أمن المنطقة، نتيجة النفوذ الواسع الذي اقتطعته على مدى العقود الثلاثة الماضية، وصولاً إلى انتشاء قادتها بوهم تحولها إلى أمبراطورية تحكم العراق وسورية ولبنان واليمن.

أملت بأن يكون ثمن تنازلاتها في الاتفاق الأميركي الدولي معها على ملفها النووي، التسليم بنفوذها هذا. ووجدت في الانكفاء الأميركي عن المنطقة فرصتها لمواصلة تصدير الثورة. لكنها لم تتنبه إلى أن الاحتقان العربي الذي تسببت به سينفجر بوجهها حروباً مكشوفة مقابل الحروب بالواسطة التي تخوضها تحت مظلة مناصرة المظلومين ومقاومة إسرائيل، عبر عسكرة فئات وشرائح في الدول التي سعت إلى اختراق نسيجها العربي الهوية، فتسبّبت بانقسامها، وبتحوّل الأكثريات فيها إلى أعداء شرسين لها. ولم تستوعب القيادة الإيرانية أن الامتناع الأميركي عن التدخل العسكري المباشر في المنطقة لمعالجة أزماتها، بعد العراق وأفغانستان، بحجة أن أميركا «لا تستطيع أن تمحو كل أثر للشرور والفظاعات في العالم»، (باراك أوباما)، لا يعفي القوى الإقليمية من دورها. فالرئيس الأميركي أخذ يحرّض القوى الإقليمية على أن تلعب دورها، «لأننا لا يمكننا أن نحل مكان شركائنا العرب في ضمان أمنهم في المنطقة». وما يسمى «اليقظة العربية»، سمح للمعارضة السورية بأن تعدّل في ميزان القوى في بلاد الشام، عبر توحيد الدول الخليجية سياساتها حيال الفصائل السورية وعبر المزيد من التسليح النوعي الذي أخذ يظهر عند مقاتليها.

في تبرير التوسّع الإيراني كان مناصرو إيران يعيبون على القادة العرب تقاعسهم عن أخذ دورهم، وحين حزموا أمرهم أخذوا يشتمونهم لأنهم خرجوا من تردّدهم، مستظلّين الشرعية الدولية.

ردّ الفعل الإيراني كما تدلّ حادثتا الطائرة والسفينة، وتوعدّ الرياض بالردّ، يشي بأن طهران تذهب بالصراع إلى حافة الهاوية، وبأنها تريد لليمن أن يبقى فريسة القتل. فهل تستدرج قراراً دولياً جديداً يوسّع نطاق التدخل الإقليمي ليشمل نزول قوات على الأرض تشترك فيها جيوش غير عربية؟ فالدول التي أخذت القرار 2216 يستحيل أن تقبل بهبوط الطائرات الإيرانية في صنعاء لنقل السلاح مجدداً.

الحياة

 

 

 

إدارة أوباما تدرس العروض الإيرانية/ راغدة درغام

لا غموض في المواقف الإيرانية إزاء آلية وتاريخ وكيفية رفع العقوبات الدولية والأميركية والأوروبية عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بموجب الاتفاق النووي، فور التوصل إليه، وليس لاحقاً. الغموض يحيط بتفسيرات البيت الأبيض لما يتم التفاوض عليه في شأن العقوبات، والغموض يرافق ما في جيب الكونغرس فعلاً وجدياً وليس للمزايدة فقط.

لا غموض في السياسة الإيرانية نحو سورية والتي كررها وزير الخارجية جواد ظريف هذا الأسبوع متمسكاً بالرئيس السوري بشار الأسد ورافضاً الموافقة على مبدأ «السلطة الانتقالية» التي هي اللب والمرجعية الدولية في بيان جنيف. إن الجهة الغامضة هي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معاً إذ كلاهما أوحى للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا أن عليه ألا يخشى ردود الفعل على إعلانه اعتزامه دعوة إيران إلى المشاركة في المفاوضات حول مستقبل سورية مهما عارضت الدول العربية، وأن لا ضرورة له لإيضاح ماذا لديه من بديل عن «بيان جنيف» كمرجعية، بل إن ممثلة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، فردريكا موغوريني، أصرت على دور «رئيسي وإيجابي» لإيران من دون أن تكشف ما الذي يصنّفه «إيجابياً» وحرصت على بعث رسالة مبطّنة إلى السعودية والدول الأخرى التي تتحفظ على الدور الإيراني بأنه «سيكون تبسيطاً اعتبار أنه من الممكن أن تختفي إيران من الخريطة».

لا غموض على الإطلاق في ارتياح طهران لاعتبارها حليف الأمر الواقع للولايات المتحدة في محاربة «داعش» في العراق وسورية – فهكذا أرادت الحكومة الإيرانية للإدارة الأميركية أن تفكّر منذ اندلاع الحرب السورية مصرّة على أنها حرب مكافحة الإرهاب. وهكذا تم إنماء «داعش» وصياغة تحالف الأمر الواقع بين واشنطن وطهران لسحقه. الغموض يقع في صميم إدارة باراك أوباما التي تتعاقد سراً مع إيران في الشراكة في الحرب على «داعش» في سورية والعراق فيما تتعاقد علناً مع الدول العربية في «تحالف دولي» ضد «داعش»، وفي الوقت ذاته تحرّض على اللاثقة بين الطرفين. إيران واضحة في أنها تريد مستنقعاً للسعودية في اليمن ما لم توافق الرياض على «شرعنة الانقلاب الحوثي على الشرعية». إدارة أوباما تلعب على الوترين. إيران ليست غامضة في إصرارها على التمسك بما تمتلكه وتديره في العراق وسورية واليمن ولبنان. الغامض هو الاستراتيجية العربية الشاملة والبعيدة المدى إزاء الطموحات الإيرانية النووية والإقليمية، والغموض يرافق النوايا الأميركية أيضاً إزاء الطموحات الإقليمية لإيران، فواشنطن تبدو جاهزة لإعطاء طهران كل ما تريده كي تبرم الاتفاقية النووية – التي يتحدث الأميركيون عنها بلغة أنها باتت جاهزة للتوقيع – متجنبة مواجهتها لإيقاف امتدادها وتوسعها في البلاد العربية. فإذا كان لدى القيادات العربية التي ستتوجه إلى كامب ديفيد للقاء الرئيس باراك أوباما أي احتجاج، لن تؤخذ مواقفها على محمل الجد إذا لم تكن واضحة وحازمة حقاً في ما ترضى به أو تصر عليه في هذه الحقبة المصيرية، فالغموض ليس أبداً في المصلحة العربية ولا هو في نهاية المطاف في المصلحة الأميركية.

يطيب للبعض أن يشبه الاتفاق النووي المزمع توقيعه بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية بالاتفاقية التاريخية بين الولايات المتحدة والصين التي يرتبط اسم العقل الاستراتيجي الكبير هنري كيسنجر بها. تلك الاتفاقية كانت عبارة عن حياكة دقيقة للعلاقات الأميركية – الصينية – الروسية وثم حياكتها على أساس حاجة الصين للولايات المتحدة وحاجة روسيا للولايات المتحدة وتمكنت الولايات المتحدة من الاستفادة الاستراتيجية الكبرى من الحاجتين.

في الاتفاقية مع إيران، لا استفادة للولايات المتحدة سوى من ناحية طي صفحة عداء مع نظام الملالي في طهران الذي تولى السلطة قبل 36 سنة وأدخل فرض الدين على السلطة على الجمهورية في الشرق الأوسط. يطيب لكثير من الأميركيين الظن أن هذا الاتفاق النووي سيطوي صفحة حروب أميركا، وسيحميها من التطرف السني، وسيوقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن اقتناء السلاح النووي.

الثقوب عديدة في هذه الافتراضات، فأولاً إن الاتفاق النووي يؤجل تفعيل القدرات النووية الإيرانية ولا يلغيها – والكلام ليس عن القدرات النووية السلمية بالتأكيد. بهذا توافق الولايات المتحدة عملياً على تدمير اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية ليس فقط لأن دول المنطقة ستقتني السلاح النووي حال اقتناء إيران لها، بل لأن كامل نظام منع انتشار الأسلحة النووية سينهار عالمياً لأن دولاً مثل البرازيل مثلاً لن تقف متفرجة.

ثانياً، إن تمكين طهران من جميع أدوات الهيمنة عبر رفع العقوبات عنها وإقدام الشركات الأميركية والأوروبية على استثمارات ضخمة لن يكون ممكناً أبداً إلغاؤها تحت عنوان snapback – أي إعادة فرض العقوبات – سيضاعف نقمة التطرف، فالأموال بعشرات المليارات التي ستحصل عليها طهران لدى توقيعها الاتفاق النووي هي عبارة عن تمويل لمشاريعها الإقليمية بما في ذلك توسعها في الدول العربية. وهذا سيكون استثماراً في تنمية الحروب المذهبية في البقعة الإسلامية عالمياً، وهذه ليست سياسة حكيمة ولن تنجو منها الدول التي تغذي العداء والفتنة.

ثالثاً، إن ترتيـــبات الإشراف على عدم ضمان امتلاك إيـران السلاح النووي معقدة لدرجة تجعلها بلا جدوى وهي ستزيد من غطرسة القيادة الإيرانية التي تكون تخلّصت من العقوبات والعزل وامتلكت الأدوات اللازمة لتنفيذ مشاريعها النووية والإقليمية – بتمويل أميركي وأوروبي.

كثيرون يتحفظون على النقاش حول ما إذا كان الاتفاق النووي الذي يصيغه وزير الخارجية جون كيري تنفيذاً لما يريده الرئيس أوباما مشابهاً لاختراق هنري كيسنجر للعلاقة الأميركية – الصينية، أحد المراقبين العالمين بخفايا وتفاصيل اتفاق الإطار النووي مع إيران، قال «هذا ليس اتفاقاً على نسق ما أبرمه كيسنجر وإنما هو على نسق الاتفاق الذي أبرمه تشيمبرلين» في إشارة إلى رئيس الوزراء البريطاني في انحنائه الشهير أمام هتلر. يرى المراقب أن طهران ستوظف إنجاز النقلة النوعية في العلاقة الأميركية – الإيرانية عبر الاتفاق النووي لتعزيز مشاريع الهيمنة الإقليمية على أساس أنها باتت الشريك الموثوق به للولايات المتحدة الأميركية.

طهران ستسعى وراء إملاء نموذجها – فرض الدين على الدولة – على دول المنطقة كأمر واقع وبذلك تشجع «الإخوان المسلمين» على المضي بمشروعهم الذي يفرض الدين على الدولة في العالم السنّي. ووفق تقويمها، هذا ما تريد إدارة أوباما منذ دعمت «الإخوان المسلمين في مصر باعتبارهم «الإسلام المعتدل»، هذا في الوقت ذاته الذي ستسعى فيه إيران نحو إبراز ما تسميه دعم الأنظمة العربية لحركات التطرف والإرهاب، وبالتالي، إنها تهيئ عملياً لتطويق الأنظمة في منطقة الخليج وكذلك مصر – عبر شقي «الإخوان المسلمين» لـ «داعش» وأمثاله بهدف إسقاط هذه الأنظمة.

جواد ظريف، أثناء مخاطبته جامعة نيويورك الثلثاء الماضي، تعمّد اتهام السعودية بتمويل وتجنيد «داعش» وحرص على القول لمستمعيه الأميركيين أن السعودية وحلفاءها سبق ومولوا وجنّدوا ودعموا «القاعدة» و«طالبان» وصدام حسين. ونصّب إيران على أنها في الخطوط الأمامية لمحاربة «داعش» في سورية والعراق. صنّف الجمهورية الإسلامية الإيرانية في خانة الحليف الموثوق به للولايات المتحدة في محاربة «داعش» متعمداً إلغاء السعودية والدول العربية الأخرى في هذه الحرب بالرغم من مشاركتها الفعلية في «التحالف الدولي» ضد «داعش». باختصار، قدّم ظريف الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأنها حليف الولايات المتحدة الحقيقي ضد «داعش» لأنها على الأرض في سورية والعراق فيما الآخرون في الطائرات جوّاً. والحروب تحسم في الميدان.

وعندما تحدث مسوّقاً «النظام الإقليمي الأمني» مشيراً إلى أن طهران ترى في قرار وقف النار مع العراق 598 للعـــام 1986 الأساس والآلية – حرص على القول أن «الأمن لا يجــــوز شراؤه أو استيراده»، ملحاً على أن الدول الخليجية استــــوردت أمنها عبر علاقاتها التحالفية مع الولايات المتحدة. فحــــــوى رسالته أن ذلك الزمن ولّى وأن إيران جاهــــزة للحلول مكـــان الدول الخليجية لأنها ليست في حاجة لاستيراد أو شراء أمنها وإنما هي جاهزة لشراكة نوعية.

على إدارة أوباما أن تفكّر مليّاً بكل هذه النواحي من الطروحات الإيرانية وتقرر ماذا تريد حقاً في علاقاتها مع الدول الخليجية العربية. فإذا ارتأت أن لا حاجة بها للدول الخليجية في هذه المرحلة، أو في إطار الاستراتيجية الكبرى، عليها أن تستعد للعواقب التي قد لا تكون حصراً في أيادي قادة الدول لأن شعوب المنطقة العربية فقدت الكثير من الثقة بالولايات المتحدة وسئمت الرعاية الأميركية للهيمنة الإيرانية عليها.

في ما يتعلق بالتحقيق في مصادر التمويل لتنظيم «داعش»، ووفق مسؤولين أميركيين معنيين بهذا، قطعت السعودية أشواطاً في التعاون مع الولايات المتحدة في تحقيق هذا الهدف، وقطر بدأت التعاون الجدي. لا داعي لإدارة أوباما أن تعطل هذه الجهود أو أن تغذّي أولئك الذين يعارضون ذلك التعاون الضروري من خلال تحقيره. فإذا تعمدت تغذية المعارضين للتعاون الحكومي معها، تكون إدارة أوباما مساهمة جدية في مساعي إضعاف الأنظمة العربية التي تتعاون معها وتكون شريكاً مع إيران في العمل على تطويقها وإسقاطها.

هذه أمور يجب على القادة العرب بحثها صراحة في كامب ديفيد عند اجتماعها بالرئيس أوباما. إنما الصراحة في التشخيص ليست كافية. يجب أن يتوجه القادة العرب باستراتيجية متكاملة تشمل العلاقة الأميركية – الخليجية والأميركية – العربية على ضوء العلاقة الأميركية – الإيرانية الجديدة.

لقد فات الأوان على «الصفقة الكبرى» التي تشمل الشق الإقليمي والعلاقات مع الدول الكبرى في ترتيبات تتساوى فيها المصالح. وحان الوقت لصياغة بديل عن «الصفقة الكبرى» بما يضمن عدم تحوّل المنطقة العربية إلى ساحة مستباحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية أو للدولة اليهودية.

وهذه مسؤولية كبرى تقع على أكتاف القيادات العربية وفي طليعتها القيادة السعودية، إيران واضحة، والوقت حان للكف عن الغموض العربي.

الحياة

 

 

 

إيران تغير من لهجتها حيال المحادثات النووية/ ديفيد اغناتيوس

ظل المسؤولون الأميركيون والإيرانيون لسنوات طويلة يؤكدون رغبتهم في تسوية القضية النووية الإيرانية قبل مناقشة الحروب الطائفية المشتعلة عبر منطقة الشرق الأوسط. ولكنهم ما عادوا يتشبثون بذات الروح مجددا، حيث تتصاعد وتيرة المعارك خلال الشهور الأخيرة، وكذلك المحادثات حول الدبلوماسية الإقليمية.

وأعرب وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف عن اهتمام بلاده بمحادثات السلام، والذي أجريت معه مقابلة شخصية يوم الأربعاء في منتدى مفتوح لمدة ساعة ونصف الساعة تحت رعاية مؤسسة أميركا الجديدة. وجاءت رسالته، المكررة عدة مرات، تفيد بأن إيران تريد الحوار مع المملكة العربية السعودية وباقي القوى العربية الأخرى لإنهاء حالة الحرب المستعرة في اليمن وسوريا.

يتقاسم المسؤولون الأميركيون ذات الرغبة للتفاوض مع السيد ظريف، الذي احتل صدر صحيفة «نيويورك تايمز» بمقالة افتتاحية بقلمه نشرت الأسبوع الماضي. غير أن المسؤولين الأميركيين يريدون تلمس الأدلة الواقعية التي تؤكد استعداد إيران الفعلي لتقليص الدعم الذي توفره لتنظيم حزب الله في لبنان، وللرئيس بشار الأسد في سوريا، وللميليشيات الشيعية في العراق، وللمتمردين الحوثيين في اليمن.

قال أحد كبار المسؤولين الأميركيين بإدارة الرئيس أوباما: «إننا مهتمون، ولقد تحدثنا مع السيد ظريف حول الطريق التي تكون بها (إيران) في نهاية المطاف جزءًا من التسوية الإقليمية. ولكن السلوك الإيراني لم يكن بالمستوى الذي يوحي بالثقة من أن المناقشات الدبلوماسية سوف تؤتي ثمارها». وأضاف المسؤول الكبير أنه من الصعب على الإدارة الأميركية إقناع السعودية، والإمارات، وغيرهما من الدول العربية، بالانضمام في عملية دبلوماسية مع إيران من دون دليل واقعي، ولا يقدم السيد ظريف حتى الآن سوى «الكلام».

من ناحية القضية النووية، كان ظريف متفائلاً خلال المقابلة حول الوصول إلى اتفاق نهائي للقضية النووية بحلول الموعد النهائي في 30 يونيو (حزيران). ومن واقع تفاصيل الاتفاق المزمع، على غرار رفع العقوبات الاقتصادية وإجراءات التفتيش الدولي، فهناك درجة طفيفة من الخلاف تجمع بين الموقف الأميركي والإيراني أكثر مما كان يبدو عليه الأمر قبل شهر مضى، حيث قال ظريف مقتبسًا عبارة أدلى بها الرئيس الأميركي: «إنه ليس بالاتفاق الكامل، ولكنه أفضل ما يمكننا الوصول إليه».

ربما أنه ليس من قبيل المصادفة أن الاهتمام الإيراني في الدبلوماسية الإقليمية يأتي مع مواجهة وكلائها في المنطقة لمعارضة أكثر صرامة في ساحات القتال باليمن وسوريا. وفي واقع الأمر، فإن خصوم إيران، وعلى رأسهم السعودية والإمارات، قد اتخذتا قرار مواجهة القوات المدعومة من قبل إيران، عن طريق التدخلات العسكرية في اليمن والعمل مع تركيا والأردن على حشد وتعبئة الثوار في سوريا. ولأول مرة منذ سنوات كثيرة، تبدو إيران ناكصة على عقبيها في حروبها الإقليمية بالوكالة.

تعكس المكاسب العسكرية التي حققها الثوار في شمال سوريا، في جزء منها، حالة التقارب السعودي – التركي التي أمدّت المقاتلين هناك بالسلاح. وقد دعمت دول الخليج بعض الفصائل هناك بصواريخ مضادة للدبابات أميركية الصنع. كما يجني الثوار في الجنوب السوري مكاسب أيضًا، حيث تفاخر أحد الناطقين باسم المعارضة السورية الخميس الماضي بما وصفه بأنه «انهيار متعدد الطبقات للجبهات الموالية للنظام الحاكم».

انتهجت الولايات المتحدة استراتيجية مزدوجة المسار، من حيث التفاعل الدبلوماسي مع إيران حول القضية النووية، في حين توفر الإسناد إلى السعودية، والإمارات، والأردن، وتركيا في تحركاتهم العسكرية على الأرض.

تأمل الولايات المتحدة أن يدفع الضغط العسكري في سوريا واليمن بالأطراف المتخاصمة في اتجاه عملية دبلوماسية متوقعة، غير أن حلفاء الولايات المتحدة يمتلكون موقفًا أقوى فيما يخص ساحات القتال. تنظر الولايات المتحدة للخطوة المقبلة من زاوية تجديد الجهود المشتركة من قبل واشنطن وموسكو لأجل الوساطة في حوار سوري سلمي، والذي قد يضم إيران في وقت لاحق.

في يوم الأربعاء، أعرب ظريف عن خطة سلام إيرانية رباعية النقاط بالنسبة لليمن تدعو إلى وقف لإطلاق النار، والإغاثة الإنسانية، والحوار بين الأطراف اليمنية المتصارعة، وتشكيل حكومة ائتلاف وطني جديدة. أما بالنسبة إلى سوريا، فقد دعا ظريف إلى «الاعتراف الوطني» و«حكومة وحدة وطنية»، على الرغم من تكراره للحجج الإيرانية السابقة من أن رحيل الأسد لا يمكن اعتباره شرطًا مسبقًا لمثل ذلك التحول السياسي.

وقال ظريف مشيرًا إلى ترقي عدد من المسؤولين السعوديين الشباب إلى مناصب قيادية رفيعة في بلادهم: «إننا نستحث الشركاء السعوديين الجادين إلى المشاركة في نقاش جدي مثمر». وتابع واصفًا أنموذجه للأمن الإقليمي في المستقبل بأن يكون عملية متعددة الأطراف تساعد في إرساء حالة الاستقرار على غرار ما حدث في أوروبا الشرقية عقب انتهاء حقبة الحرب الباردة.

يتناقض المسار الدبلوماسي للسيد ظريف وبقوة مع الكلام المنمق الرائع للقادة العسكريين الإيرانيين، على سبيل المثال بالجنرال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني.

وعند الضغط عليه حول ما إذا كانت إيران سوف توقف دعمها لوكلائها الذين يعملون على زعزعة الاستقرار في المنطقة، رجع ظريف بتصريح فضفاض مفاده «ينبغي للآلية الأمنية الإقليمية أن تنبني على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى». وعلى ذلك تجيب القوى السنية بقولها: فلتثبت لنا ذلك!

* خدمة {واشنطن بوست}

صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة “واشنطن بوست”. كتب ثمانية روايات، بما في ذلك الجسم من الأكاذيب.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى