صفحات الرأي

الدولة الكهنوتية كنقيض للدولة الأمة/ ماجد الشيخ

 

 

يعود الفشل الذريع في بناء الدولة/الأمة أو دولة الأمة، إلى فشل المكونات المحلية/الداخلية، كما وفشل السلطة الحاكمة، في العمل على تذليل كل العقبات والمعوقات التي تعترض بناء الدولة أولاً، واعتبارها ممثلة لمواطنين متساوين، دولة مدنية لا كهنوتية، يعترف مواطنوها بها كونها كذلك، كما تعترف هي بمجموع مواطنيها، كونهم متساوين حقاً في كامل الحقوق والواجبات التي يحددها القانون الأساس (الدستور)، بحيث تتطور تلقائياً وبدفع من مكوناتها كي تصبح دولة الأمة، وهذا بالضبط ما لم تستطع أن تحققه الدولة الفاشلة، طائفية كانت أو قوموية أو علمانية، بحسب ادعاءاتها وتخيلاتها في الفضاء العربي، وما يشابهها في فضاءات عالمثالثية مماثلة. حيث لم يعد الفشل ينسب أو يعود لجهود بناء الدولة، بل للدولة ذاتها التي لم يعد باستطاعتها سوى إنتاج وإعادة إنتاج الفشل وتوليده على الدوام.

من هنا يشكل الخضوع للمتخيلات الأهلية أو الدينية على اختلاف سردياتها الطائفية والمذهبية، أو القوموية، إحدى أبرز معوقات قيام الدولة، وإضفاء أو تكريس هويات صراعية، تغذي الفشل في قيامها، ولا تساهم إلا في بناء دويلات الطوائف والمذاهب المتناحرة، حتى بتنا وفي اجترار وتكرار لما عاشته الاندلس في نهايات أيامها، نعيش تجربة قيام الطوائف بملوكها وخلفائها وأمرائها وأولياء نعمتها، بديلاً من الدولة القديمة، والحديثة على حد سواء. هكذا أضحى «متخيل الهوية» إلى جانب شهوة السلطة، بتأويلها أو تأوّلها مرجعياً، مقتل الهوية نفسها، والسلطة ذاتها، حيث حل المتخيل محل الواقع، وحل الأمر الواقع محل الحقيقة، فلم يعد للهوية إلا أن تشهد انكسارها، وانخلاعها من تربتها الوطنية، وتخلعها بمغادرة بيئاتها المحلية، نحو بيئات خارجية، على ما فعل متخيل الهوية المذهبية بالعراقيين والسوريين واليمنيين وبعض اللبنانيين، وهم يغادرون بيئات الوطن الحاضنة، بانحيازهم لحواضن خارجية، من قبيل الدولة الكهنوتية التي شكلوا ميليشياتها المدافعة عن مشروعها القوموي الامبراطوري، البعيد كل البعد من أزعومات الهوية الإسلاموية وأدلوجاتها، ونقيضها المطلق.

في المقابل هناك طبعة «داعشية» في مراميها ومآلاتها لا تختلف عن تلك الطبعة التي يجسدها متخيل الهوية المضادة، وهما يتصارعان أو يتنازعان على سردية كل منهما، وهما سرديتان لا تلتقيان بالمطلق، فكما بنى كل سرديته على المطلق، كذلك ينحاز كل منهما إلى المطلق في ادعاء وزعم حقيقة وأحقية أسطورته الخاصة. وما دامت الحقيقة نسبية، والحق نسبي كذلك بمعنى من المعاني، فإن صراعات الهوية المتشابكة، والتي تتم في ذات المجال وعليه، لن يكون في مقدورها الرسو عند تلك المآلات التي هي نتاج العقل والمنطق والحياة. وما هذا الذي يجري في بلادنا اليوم من حرب «كونية» على الهوية، إلا نتاج ما يضاد العقل والمنطق والحياة، وهناك بالتأكيد من يستفيد من عملية الاقصاء، بل ويعمل على الدفع باتجاه المزيد من الاقصاء، حيث يعمل على مصادرتهم لمصلحة سلطته الكهنوتية. فماذا تبقى من الدولة في هذه الحالة، بل ماذا تبقى من الأمة، سوى هلام ورثاثة الهويات الطائفية والمذهبية المتصارعة تقاتلاً وتذابحاً، وتقديساً للموت من أجل «مفاتيح الجنة» تارة، وحورياتها مرات أخرى. فأين هي الدولة/الأمة في بلاد افتقدت للدولة، وها هي مع إحياء وانتعاش الهويات الطائفية والمذهبية، وفي ظل الدولة الكهنوتية، باتت تفتقد الأمة.

* كاتب فلسطيني

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى