الديمقراطية والرمّان/ أحمد عمر
حرّر فيصل القاسم منشوراً على صفحته، وهو صاحب ذوق رفيع في انتخاب المنشورات، وقد أبدى صفحته بعد الربيع العربي، قال عبد الملك بن مروان مرة: من أبدى صفحته للحق هلك، فردّ أحمد عمر معارضاً “بل من أبداها فقد ملك”. يقول المنشور:
“بنت نزلت بوست على الفيس مشتهية رمان مفروط”، جاب 1739 إعجاب و2745 تعليق. وأستاذ جامعة كاتب مقالة عن دور الحرية في بناء دولة الديمقراطية، جاب 12 إعجاب وتعليق واحد بيتهمه بالعلمانية والإلحاد، وبيتوعده بنار جهنم. والشخص اللي توعده بنار جهنم معلق على منشور البنت اللي عايزة رمان: يا ريتني رمانة وتقطعيني بإيديكي…”.
البوست الطريف منسوبٌ لجندي مجهول من الإقليم الجنوبي، وصاحب التعليق من الإقليم الشمالي. هكذا كانت أسماء الأوطان عندما كانت الأحلام كبيرة. كانت سورية طرفاً في كل مشاريع الوحدة التي فرطت مثل حبّات السبحة التي فقدت إمامها في ظروفٍ غامضة. وإحدى آفات الثورة السورية التي تشكو كثيراً من الآفات غياب “الإمام”، وكثرة اللئام، وضعف الزمام. ويظهر تحليل صاحبة نبرة الرّمان المفروط أنها شامية، ولعل هذا غير مهم، سوى في تآخي الصوت والصدى العربي في زمن الشقاق والنفاق. ومن آفات الثورة السورية أنها “رمانة لكن القلوب مليانة”.
ذُكر الرّمان في القرآن الكريم ثلاث مرات، مرتين في سورة الأنعام، ومرّة في سورة الرحمن. وجاء عن ابن عباس قوله: ما من رمانٍ من رمانكم هذا إلا وهو ملقّحٌ بحبّةٍ من رمان الجنة. وورد عن علي بن أبي طالب قوله: “كلوا الرمان بشحمه، فإنه دباغ المعدة”، وله فوائد كثيرة. وأن كاتب هذه السطور لا يأكل السَّلَطة إلا منضدّة بحبات الرمان، وبعضاً من شحمه الرقيق، لكن الأولاد يصطادونها، ويحاربونها محاربة الدول العربية والغربية للإرهاب. والغرب كان مجدّاً في دمج أبنائه المجرمين في المجتمع، وإعذارهم، ومثابراً في تجريم أبنائنا الأبرياء.
بل إن صاحب هذه السطور ينثر حبات الرمان على الرز والبرغل والطاجن، ويمزج الكباب بعصير الرمان، ولا يفرطها إلا بيديه، لأن زوجته تخشى على أناملها من دباغ الرمان. وإذا ما دعي إلى جُلى ومكرمة في ألمانيا، ومن عادة المدعوين إلى الولائم اصطحاب هدية صغيرة، اصطحب معه رمانة.
وأتصور أنّ صورة صاحبة بوست الرمانة المفروطة: “تَجْلُو عَوارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابْتَسَمَتْ، كأنَّهُ مُنْهَلٌ بالرَّاحِ مَعْلُولُ”، فدفعتْ صاحبنا “التكفيري” إلى اشتهاء أن يكون رمانةً تفرط بيديها، وكان أمره فُرطا. ويحب كاتب السطور أيضاً أغنية إلهام مدفعي، وعنوانها “التفاح”، لكن الرمان هو البطل، “ويا ريت أصير الفلاح وأزرع ثمر ألوان”.
وكنا صغاراً نتبارز ونتراهن في تناول رمانةٍ كاملة، بيدٍ واحدةٍ، مشروطاً بعدم سقوط حبةٍ واحدة منها، وهي حبّة الجنة، ولم ننجح قط، حتى باليدين معا. وقد تابعت بشغف فيلماً وثائقيا في الجزيرة الوثائقية عن قرية أرمنية في الاتحاد الروسي، مشهورة بأطيب الرمان، ويعصرونه مع قشرِه، ولا بد أن العصير مرّ، لكنه مفيد. وأنً صاحب السطور يدّخر القشر الثمين مجففاً، إلى أن يموت من القهر في الخزائن.
أمس راهنتُ، لهواً، صديقي نوري على أكل رمانةٍ، من غير هدرٍ لحبّة الجنة، والجائزة: صندوق ديمقراطي من الرمان، فيه اثنتا عشرة حبة، فبادر اللكع إلى أكلها، بقشرها، طمعاً في الفوز، لكن حبّة سقطت، وطاحت، وتدحرجت بين العشب، وضاعت، فاليد الواحدة لا تصفّق، ومع سقوطها صاح صديقي نوري سعيداً مصفقاً بيديه الاثنتين، وأشار إلى ألمانيةٍ صهباء تعبر الشارع، ووقعُ خببها يدقُّ قلب الأرض، وقال: إنها حبّة الجنّة خال.
فتذكّرت ديمقراطية الأستاذ الجامعي المنكوب، ومعها الطرفة الشهيرة، والتي طلبت فيها اللجنة الموقّرة من المتسابق الأنثى ذِكر بلد المليون شهيد، ومن المتسابق الذكر عدّ أسماء المليون شهيد.
المتوعّد بنار جهنم معذور، ويحتاج إلى إسعافٍ بدورة تثقيف حزبي.
العربي الجديد