الربّ يغرد: آه لو كنت موجوداً/ روجيه عوطة
“من يظن أني من مؤيدي الحياة لم يقرأ الإنجيل جيداً”، يغرد “الرّب” في “تويتر”، حيث فتح حساباً خاصاً به في العام 2010، موجّهاً عباراته إلى عابديه الذي يواظبون على متابعته ومناقشته، علّهم يسلكون الطريق إلى نعيمه.
إلا أن الرب المغرِّد لا ينشر شرائعه وأحكامه أكثر مما يتحدث عن نفسه، بحيث صار، بعد مرور زمن طويل على خلقه العالم، شخصاً يفتش عن موقعه، أو بالأحرى عن “حسابه”، الذي يسمح له بالتعبير عن حاله، متواصلاً مع المؤمنين به وغيرهم.
يحاول التدخل في أغلب الشؤون، والدفاع عن دوره، والتعليق على الطارئ من الوقائع حوله، وإلى ذلك، يُضاف أنه يسخر من صورته، التي حدّدها لنفسه: رجل عجوز أشيب، شعره طويل، يرتدي ثوباً أبيض، والدهشة ملمَح وجهه الذي يظهر وكأنه مأخوذ بصدمة ما.
“الرب” متفاجئ، وهذه الصفة لم تكن يوماً من صفاته، لكنها أصابته بعد كل ما أشيع عنه. لذا، أراد إماطة اللثام عن ذاته، وتأكيد وجوده على سجيته، مثلما يحلو له: “أنا السيد، إلهكم، أنا ملك الكون، كلّي الحضور وكلّي القدرة في المكان والزمان، وبإمكاني أن أخبركم نكتة أيضاً”، يقول في إحدى تغريداته. فهو لم يَعد جدّياً، بل ساخراً، يتهكم على شخصه وعلى المتمسكين به. هؤلاء، الذين يستفهمون منه عن غايته من إيجادهم، “لماذا خلقتنا؟”، تسأله إحداهن، و”ماذا تفعل الآن؟”، يسأله آخر، وهو إما يجيب أو لا يبالي.
غير أنه، وفي كل الأحوال، وكما أخبره أحد متابعيه، “ربّ ظريف”، لأنه يتعامل باستهزاء مع كل المواضيع المتصلة به: “مقولة أنني سأعين الناس هي المقلب الآخر لمقولة أنني غير مؤهل لهذا الفعل”.
يرفض الرب حشره في معظم القضايا. لا يتردد في إعلان عدم اكتراثه بكل ما يدور على الكرة الأرضية، “فعلياً، أنا لست مهتماً بأي شيء”. إذ يبدو كأنه أطلق حسابه خلال فترة تقاعده، أو بالتحديد في اليوم السابع، بعدما صنع السماء والبر والبحر، ثم فرغ من عمله، وبالتالي، راح يتفرج على مخلوقاته البشرية التي تثير، في بعض الأوقات، غضبه، فيوبخها تغريدياً، وينعتها بالحمقاء. ذلك، أنه لا يحترم الطقوس والعادات، التي تمارسها للتقرب منه، خصوصاً قداس صباح الأحد، مفضلاً ذكره مساء السبت، وفي أثناء سهراته، فـ”هذا مسلٍّ أكثر”.
يتناول “الربّ” مشاكل سياسية كثيرة، يتكلم عن رؤساء الدول وحكوماتها، ينتقدهم ويسخر من أعمالهم، وأحياناً، يقول: “آه لو كنت موجوداً لمنعت هذا الأمر من الحصول”. فعلياً، هو لا يؤمن بنفسه، ولا بأحد. إنه ربّ التهكم بامتياز، يوجهه نحو المصلّين له. ففي تغريدة من تغريداته، يصرّح بأنه يجيب على غالبية الأدعية بنفيها: “لا، لا، لا، ربما، فكرة جيدة، لكن، لا…”. وبهذه الطريقة، لا يرغب في أي دور مطلوب منه، بل يطمح إلى إخبار عابديه بأنه استقال من وظيفته، وها هو يحتاج إليهم كي ينشروا عباراته، كأنه واحد منهم، متقلباً بين ازدرائهم والإشارة إلى حبه لهم:”أحبكم كما أحب إبني يسوع”، الذي كان قد سخر منه قائلاً:”إبني! إبني أفضل مساعد ممثل”.
لا يخفي الربّ في “تويتر”، الشخص الذي يدير حسابه، أو الذي صنعه، أي الكاتب الأميركي ديفيد جايفربوم، الذي كان قد نشر، العام 2011، كتابه “العهد الأخير-مذكرات الرب”، مستنطقاً إياه حول الأدوار التي أداها خلال أحداث كثيرة، كان العالم قد شهدها منذ بدايته. غير أن “الرب،” على ما يبدو، لا يعير هذا الكتاب اهتماماً، سوى من جهة التسويق لشخصه، ساعياً إلى زيادة عدد متابعيه، لكي يكشف لهم حقيقته، التي تعارض ما اعتقدوا به على الدوام:”لقد خلقتكم على صورتي، لكنني، أعترف أنني فاشل في الرسم”.
إذاً، أصبح في مقدور أيٍّ منا أن يتواصل مع “الرب”، أو أن يكون هو “الرب” نفسه! فيكفي أن يفتح حساباً، ويطلق إسماً من أسمائه عليه كي يكونه. فالإله، على ما تدلنا صفحته التغريدية، إسم، وسخرية منه، تماماً مثلما كانت المخلوقات بمثابة أسماء في فم آدم أثناء الخلق. على أن “رب” جايفربوم اختار “تويتر” ليطل منه على مخلوقاته، لأنه مناسب له، ولآرائه المقتضبة التي ينشرها بين وقت وآخر، كما أنه ينظر إلى إعادة التغريد كأنها علامة على الإيمان به وبوجوده، الذي يشكك فيه.
“ربّ” لا يثق بحضوره، وأجاباته على أسئلة المخلوقات تستهزئ بها، لأنها مصنوعة أثناء استراحته، في يومه السابع:”هل الحياة محقة؟ الجواب القصير، لا، الجواب الأطول، لا لا لا”.
المدن