صفحات العالم

الردع العربي


ساطع نور الدين

التقييم الاولي الذي أجرته اللجنة الوزارية المنبثقة عن الجامعة العربية لمهمة المراقبة في سوريا كان بمثابة إنذار مبكر الى النظام السوري ومعارضيه، والى فريق المراقبين العرب نفسه الذي لم يكن في مستوى الآمال والطموحات من المهمة التي بدأت للتوّ وليس لها بديل الآن… ولا في المستقبل.

ما جرى في اجتماع القاهرة هو تعبير أولي عن جدية الجامعة في التعاطي مع مهمة طارئة تستمد مصداقيتها الوحيدة حتى الآن من كونها تتعرض لانتقادات من السلطة ومن المعارضة في آن معاً، كما تستمد جديتها الوحيدة من كونها الخيار الوحيد المتاح بالنسبة الى جميع الدول المعنية بالأزمة السورية، التي لا ترغب في رؤية سفك الدماء، لكنها لا تستطيع حقنها.

استمعت اللجنة الوزارية الى ملاحظات أولية من رئيس الفريق الجنرال السوداني محمد أحمد الدابي الذي أثار تعيينه لغطاً نظراً لماضيه العسكري، وهو ما يتوقع أن يُحسم قريباً بعزله من منصبه وتعيين رئيس مدني للمراقبين، الذين يفترض أن يتحولوا الى فرقة مدنية مضاعفة العدد والعدة، تحقق الفصل ثم الجمع بين المتصارعين في الداخل السوري، حسب ما تنص مبادرة الجامعة وجوهرها الذي يحظى حتى الآن بما يشبه الإجماع العربي والدولي.

ما انجز حتى الآن كان متواضعاً جداً بالقياس الى تفاقم الازمة، لكنه كان كافياً للمضي قدماً نحو تحقيق هذا الهدف. وهو ما اعترفت به اللجنة صراحة وقررت تعزيز الفريق بالمال والرجال، لان المهمة لم تكن عبثاً، لا مع النظام الذي اضطر الى التجاوب الجزئي معها، ولا مع المعارضة التي شعرت بالحاجة الملحة الى إعداد برنامجها السياسي الموحّد، ولا مع الشارع الذي احس بقدر من الحماية المعنوية ما دفعه الى التعبير عن نفسه بحرية أكبر نسبياً.

المهمة لا تزال في بدايتها، وهي في حدود فض الاشتباك، لكن مغزاها الرئيسي انها تعرض على جميع فرقاء الأزمة في سوريا فرصة الإمساك بيدهم وقيادتهم نحو العثور على مخرج سياسي ملائم بأقل قدر ممكن من الخسائر والأضرار. وهي حاجة مشتركة بين النظام والمعارضة والشارع الذين يتمسكون الآن بمواقف بالغة التناقض والتطرف تنكر وجود الآخر وتعمل على استئصاله، وتعتبر ان المبادرة العربية هي مجرد مهلة لتحقيق هذا الهدف.

التقييم الاولي أوحى بأن المهمة العربية قابلة للتعديل والتطوير، طالما ان أحداً في الداخل او الخارج لا يملك عصاً سحرية سياسية او عسكرية بديلة. المراقبة يمكن أن تصبح في المستقبل القريب عملية رادعة، طالما ان القاسم المشترك الوحيد بين النظام والشارع والمعارضة بشقيها هو عدم التعامل مع الدور العربي باعتباره تدخلاً خارجياً، لا سيما أن التدخل الأجنبي غير وارد على الإطلاق ولا جدوى من الاختلاف حوله او المزايدة فيه.

الردع العربي لم يعد خارج التصور.. لأن الحل السياسي ما زال خارج التأمل.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى