الرسام سعد حاجو: الإنترنت خلّصني من الرقابة
كتب: محمد الحجيري
اشتهر رسام الكاريكاتور السوري سعد حاجو بلوحاته التعبيرية التي تجمع بين فن النخبة وصوت الناس، وهو يقدم الرسم مدعوماً بالكلمة الشعرية الثاقبة في الزمن السياسي العصيب. معه هذا الحوار.
لماذا غادرت في البداية سورية إلى لبنان ثم غادرت من لبنان إلى أوروبا. هل تدلّ هذه الهجرات المتنقلة على ألا مكان للفن في العالم العربي أم أن الأسباب معيشية فحسب، وهل الحياة الهادئة في البلاد الاسكندينافية تناسب الإلهام أكثر من بلاد قائمة على التوتر والقلق والتعسف، وهلم جرا؟
كانت مُغادرتي دمشق إلى بيروت لسببين: أنّ الوضع كان هكذا (الرسم رقم 1)، ومحض صدفة أيضاً أي على الشكل التالي: اتصال من الروائي إلياس خوري: «ما بدَّك تجي تاخُد مصريّاتَكْ؟». قبلها كنت قد قمت بزيارة قصيرة لبيروت بعد تخرّجي في كلية الفنون الجميلة في دمشق وأدائي الخدمة الإلزاميّة والتي خلالها أنجزت حوالى 200 رسم كاريكاتوري، ولاحقاً التقيت بالفنّانة والصديقة كارمن لبّس وأريتها 40 رسماً كاريكاتوريّاً، فطلبت الاحتفاظ بها، وعن طريقها وصلت الرسومات إلى إلياس الذي كان رئيساً لتحرير «الملحق الثقافي» لجريدة «النهار» الممنوعة من الدخول إلى سورية. في عام 1993، لم يكن الإنترنت متوافراً بعد، (من الممكن استعمال الرسم رقم 2 هنا). نُشرت مجموعة من رسوماتي فوراً في الملحق بعدها «سحبِت رجلي على الطلعة على بيروت»، ثم استقرّيت فيها بسبب العمل، وكوّنت صداقات كثيرة. بعد سنتين، قدّمني الفنانَان المصريّان الراحلان بهجت عثمان ومحي الدين اللّباد إلى جريدة «السفير» حيث بدأت بالنشر اليومي فيها حتّى تاريخه. وبعد حوالى 12 سنة، ولأسباب عائليّة وسياسيّة عدة، انتقلت وزوجتي الفنانة سحر برهان إلى السويد.
لم يختلف إيقاعي في العمل بين فترة إنجازي رسوماتي الكاريكاتوريّة الأولى أثناء أداء الخدمة الإلزاميّة في قرية تُدعى الحُجّيرة قرب دمشق، أو في بيروت وأنا أنشر رسوماتي في «النهار» و{السفير»، ولا هنا الآن في السويد. الفارق الوحيد بين سورية ولبنان وبين السويد أن في الأخيرة سرعة الإنترنت في منزلي جبّارة ممّا ساعدني على تحسين أدائي الفنّي، فالمكان دوماً جزء من/ وأداة في العمل الفنّي.
هل نشرت رسوماتك في وسائل الإعلام الأوروبية حيث تقيم الآن، وكيف كان رد فعل الناس هناك؟
أنشر بانتظام ومنذ عام 2009 في صحيفة تُدعى «الفولكبلاديت»، التي تبلغ من العمر أكثر من 150 عاماً (الرسم رقم 3) عن الأزمة الاقتصادية في اليونان، ورسومات سياسيّة عن السويد وأوروبا والشرق الأوسط. تفاعل الناس هنا جيّد وطبيعي، وقد أقمت معرضاً فنيّاً ناجحاً لمجموعة من أعمالي، وأعمل على إنجاز لعبة إلكترونية عن الطغاة العرب بثلاث لغات وهنا الرابط:
كذلك نظّمت معرضين كبيرين عن تاريخ الكاريكاتور العربي، بالتعاون مع متحف الكاريكاتور السياسي في السويد، ونُشرت رسوماتي في بعض الصحف الأوربيّة في فرنسا والدنمارك وسويسرا.
ما الذي بدّله الإنترنت، تحديداً الـ{فايسبوك»، في حياتك الثقافية. هل خلّصك من «جور» الرقابة التي تمارس أحياناً في الصحف؟
نعم، خلّصني من جور الرقابة، ولكن الأهم من ذلك أنه ساعدني على التعرّف إلى معنى الرأي العام بشكل ملموس، فأصبح بالنسبة إلي عنصراً من لحم ودم، أظهر الناس مشاعرَهم وإمكاناتهم. كذلك ساعدني الـ{الفايسبوك» على الانتشار بشكل غير مسبوق. مثلاً، أنجزت رسماً لزين العابدين بن علي في بداية الثورة في تونس ونشرته في «السفير»، وضعها أحد الأصدقاء على صفحته على الـ{فايسبوك» وعندما شاهدها متظاهرون في تونس أعادوا رسمها على لافتة كبيرة في أكبر تظاهرة في صفاقس في بداية الثورة (الرسم رقم 4). الـ{فايسبوك» بالنسبة إلي مساحة للتجربة وقياس مستوى التواصُل ونوعه، مُتابعة انفعالات الناس، وطُرق تعبيرهم، واختبار مستوى اللاوعي الجمعي لدى المجموعات وديناميكيّته، والأهمّ من ذلك كلّه أنه يشكل مساحة صداقاتي وتواصلي اليومي مع أبناء بلدي سورية.
ما أبرز الأفكار الكاريكاتورية التي تلاحظ أنها تحظى بتعليقات كثيرة على الـ{فايسبوك»؟
في هذا المجال أقول إن الرسومات بنت لحظتها.
ما الذي أعطاه سعد حاجو للثورة السورية، وما الذي أعطته الثورة لسعد حاجو؟
أنّ للإنسان حواسَّ خمساً هي السّمْع والبَصَر والشَّــمّ والَّلمس والذّوق، وهُناك حاسة مشهورة هي الحاسّة السّادسة، أمّا الحاسّة الأرقى فهي حاسّة الشعب.
هل خسرت بعض الأصدقاء بسبب مواقفك السياسية؟
خسِرت الكثير من أصدقائي (الجُدد) الذين سقطوا على يد النّطام السوري والكثير منهم لم أخسرهم ولكنهم معتقلون بسبب مواقفهم السياسيّة المؤيّدة للثورة، وهي نفسها مواقفي، وبسبب مواقفي السياسيّة توطّدت وتعمّقت صداقتي مع بعض الأصدقاء أمثال ياسين الحاج صالح وحازم العظمة وناندا محمد وفرج بيرقدار وعلي فرزات وفارس الحلو وفارس البحرة من سورية، وحسام عيتاني وزياد ماجد وأحمد بيضون وسواهم من لبنان، عداكَ عن مئات الأصدقاء الجدد من سورية ومصر وتونس وغيرها. أمّا بعض الأصدقاء «العتاق» الذين نأوا بأنفسهم، أو أصبحوا من المُمانعين الأشاوس فأحتفظ بالذكريات الرائعة معهم، وقد وضعت هذه الذكريات الخصبة واللحظات الحقيقيّة التي تقاسمناها في الثلاجة. أحياناً، أفتح الثلاجة وأُخرج كيساً صغيراً من هذه الذكريات لأقدّمه للضيوف من الأصدقاء الجدد.
هل ما زال الكاريكاتور مؤثراً في السياسة والإعلام في زمن الصورة والـ{يوتيوب»؟
نعم، وأكثر من ذي قبل. إنّه عصر الصورة والمعلومة المُختصرة السريعة. لاحظ أنّ صفحات الكاريكاتور والصفحات الساخرة على الإنترنت تسجّل أعلى نسب مشاهدة. فالكاريكاتور أحد أعمدة زمن الصورة والـ{يوتيوب» يا صديقي.
حين ترسم، هل تعيش لحظة الصراع بين الكلمة التي ستقولها والشكل الذي سترسمه؟
الشّكل عندي هو الحجر الأساس. الكاريكاتور فن بصري يعتمد السخرية والمبالغة والمفارقة والإيجاز. أَحسَب أنّ الكلام يأتي تحصيلاً حاصلاً، عندما «أصرف» الشكل أحصل على نصوص عدة (فراطة)، وحين أحوّل المضمون إلى شكل تُفاجئني الفكرة التي صنعتها. أمّا الكتابة فتكون مُنجزة بشكلها النهائي في الذهن وتخرج كما هي على الملأ. الشكل في عملي احتراف أمّا الكتابة فهواية على ما أَظنّ.
أي سورية تريد في المستقبل؟
أريدها «ظابطة عالميلّي»، يعني كما الرسم رقم 5.
الجريدة