صفحات الناس

الرقة : حرب الجدران/ طارق شام

لم تكد الرقة تتحرر في شهر آذار/مارس من هذا العام، حتى انطلقت ورش طلاء عديدة فيها، لتزيل عبارات الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ونجله بشار، التي تملأ جدران المدارس والمباني الحكومية، وتزيل معها كذلك، منجزات (كتائب البخاخات)، أي تلك الكتائب التي (شاركت) في التحرير، وقامت بكتابة اسمها بخط سيء لترمز إلى أنّ هذا المكان صار تحت حمايتها.

حركة أحرار الشام الإسلامية، كانت الرائدة في مجال تسليط الضوء على وجودها عبر الجدان، اذ قامت الحركة، التي تعد الفصيل الأقوى عسكرياً وتنظيمياً في المحافظة، بوضع آيات وعبارات من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.

بدايةً كانت هذه العبارات تحث على الأخلاق الحميدة مثل “الكلمة الطيبة صدقة”، و”لا يؤمن أحدكم وجاره جائع”، و”لا تظلموا فإنّ الظلم ظلمات يوم القيامة”، لكن سرعان ما أصبحت هناك عبارات وآيات جديدة تدعو للجهاد والقتال وتطبيق شرع الله.

فظهرت على الجدران الآية القرآنية “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون”،مذيلة باسم الحركة باللون الأخضر الفاتح.

لاحقاً لم يعد هذا الأسلوب حكراً على الحركة، اذ أصبح باستطاعة السائر في شوارع الرقة أن يرى إلى جانب ملصقات لحركة أحرار الشام، ملصقات أخرى لجبهة النصرة. وتستخدم في هذه الملصقات  ألوان جميلة، غالباً البني أو الأبيض والأخضر.

في شارع المجمع، تظهر عبارة “حجابي عزتي”، مذيلةً مع صورة لامرأة منقبة بتوقيع “إخوانكم  في المكتب الدعوي في جبهة النصرة”، باللغتين العربية والإنكليزية.

أسلوب حاولت تقليده مجموعة من الكتائب الأخرى، عبر طلاء بعض الجدران كنوع من الدعاية أيضاً، لكن ما قامت به لا يمكن مقارنته بجهود حركة أحرار الشام أو حتى جبهة النصرة في المقام الثاني.

كذلك يلاحظ، وبشكل ملفت للنظر جداً، عدم وجود عبارات طائفية .

أحد المشرفين على إحدى ورش الطلاء أمام جامع الفواز، تحدث أمام بعض المارة الفضوليين، عن أن الهدف من كتابات هذه الشعارات محو كلام “الحزب (البعث)، والطاغية الأب ووريثه من عقول الناس وجعلهم يتعرفون إلى “الإسلام الحقيقي””.

بالرغم من تصدر الكتائب المسلحة للمشهد، دور الشباب والتجمعات المدنية والتنسيقيات ليس غائباً بالمطلق، اذ بالامكان ملاحظة أعلام الثورة وقد تزينت بها الجدران بكثافة منذ ما قبل التحرير. فقد أطلق تجمع “شباب الرقة الحر”، حملة “شوارعنا تتنفس حرية”، وقام بتزيين الشوارع بأعلام الثورة.

بدورها، قامت حملة “عملنا”، بتزيين حديقة الرشيد وهي الأشهر في المحافظة، حيث يمكن للزائر رؤية علم الثورة على لافتة إعلانية دونّ عليها “فأنت الآن حرٌّ وحر”، مذيلة بعبارة حملة “علم الثورة يمثلني”.

هناك أيضاً بصمة واضحة للجان التنسيق المحلية في نشر عبارات ثورية على الجدران، مثل “أنا مش عورة وعلى أكتافي قامت الثورة” و”الرقة الأبية ترسم فجر الحرية”، تتوسطها خريطة لسوريا ملونة بألوان علم الاستقلال.

يبقى التفاوت المادي بين الكتائب والتجمعات المدنية عاملاً رئيسياً في مدى انتشار شعارات كل طرف.

فقد كان هناك مشروع لصناعة علم كبير وسط ساحة المحافظة ووضعه بدل صورة عملاقة للرئيس السوري، لكن التكلفة المادية الكبيرة التي قدرت بأكثر من 300 ألف ليرة سورية، حالت دون ذلك.

وهو ما سارعت حركة أحرار الشام للاستفادة منه، فقامت بوضع لافتة سوداء عملاقة مكتوب عليها عبارة للخليفة عمر بن الخطاب “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”.

بعد يومين، تمزقت العبارة بفعل الرياح الشديدة، حينها علّق أحد الناشطين بضحكة خبيثة “الخليفة عمر عادل والشيطان لا يسلك طريقه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى