الرهانات السورية
محمد أبو رمان
لدى الأوساط الدبلوماسية الغربية؛ فإنّ هنالك ثلاثة سيناريوهات مطروحة: الأول، أن يقوم الرئيس تحت ضغط التحولات الداخلية والدفع الدولي بالتضحية بالقيادات الأمنية والعسكرية، مقابل تقديم تنازلات حقيقية في موضوع الإصلاح السياسي، وهو ما يجعله ضعيفاً أمام الشارع، ويفتح لسيناريو “الصفقة السلمية”.
الثاني، سيناريو معاكس تماماً، بأن يكون الرئيس هو “كبش الفداء”، بأن تنقلب عليه القيادات الأمنية والعسكرية، وحلقته المقرّبة، ما يجعل تعامل النظام مع الشارع أشد شراسة وبأساً.
الثالث، أن تصل المعركة بين النظام والشارع إلى منطق “الغالب والمغلوب”، وهو ما ينقلها لاحقاً بصورة أكثر حدّية ووضوحاً إلى حيّز الصراع الطائفي (سني- علوي).
إذا استبعدنا في اللحظة الراهنة الاحتمالين الأول والثاني، فإنّ السيناريو الثالث مرتبط بحيثيات وشروط رئيسة، إذ إلى الآن بالرغم من حجم الضغط والشجاعة الشعبية، فإنّ الثورة لم تصل حدود ما وصلت إليه في تونس ومصر.
وإلى الآن ما تزال موازين القوى الواقعية بيد النظام، لكن هنالك مسافة قصيرة جداً في قلب هذه الموازين رأساً على عقب، في حال استمرت الاحتجاجات والمسيرات وتوسعت رقعتها الجغرافية واتخذت طابعاً أكثر حسماً في الوصول بالنظام إلى النهاية.عند ذلك، فإنّ الرهانات الثورية السورية ستعتمد على عاملين رئيسين: الأول؛ هو تفكك النظام وانهيار القوة المعنوية لمؤسساته، وارتفاع منسوب الانسحابات والانقلابات، وتحديداً لدى السنة المنخرطين فيه، حتى لا يصطدموا مباشرة بحاضنتهم الاجتماعية، ما سينعكس على المؤسسة العسكرية (الجيش، الأوساط الدبلوماسية، السياسيين، الفنانين والمثقفين والأكاديميين..).
الثاني؛ التحول في موقف المجتمع الدولي من مجرد المراقبة والضغط الناعم إلى الضغط الخشن وإصدار القرارات الأممية والدولية وممارسة عقوبات شديدة ضد قيادات النظام الحالي، ما يرهقها ويضرب روحها المعنوية، ويعزز من الانقسام والضعف داخل هذه المؤسسات والمراكز.
من الواضح تماماً أنّ المجتمع الدولي ما يزال إلى الآن يحتفظ بـ”ورقة الرئيس بشار”، ولم ينزع عنه الشرعية بعد، وهو يراقب أولاً موازين القوى في الداخل، وثانياً إمكانية عقد صفقة مع الأسد وتأمين “مخرج سياسي” آمن له من الأزمة الحالية عبر إصلاحات جزئية وتغييرات في سلوك النظام خارجياً.
بالنسبة لإسرائيل، وفقاً لورقة أعدها اللوبي الصهيوني البريطاني، فإنّ “اللغز” هو الاختيار بين نظام بشار المعادي والمتحالف مع حزب الله وإيران وبين قوى إسلامية سنية معادية لإسرائيل، وفي كلا الحالتين لا تمتلك إسرائيل تصوراً لمرحلة “ما بعد بشار الأسد”، بصورة دقيقة.
في الخلاصة، فإنّ النتيجة التي تنتهي إليها الورقة هي أن استمرار الأوضاع المضطربة في سورية والنزف السياسي الداخلي بين الشعب والنظام هو الخيار الأفضل على المدى المقبل، في ظل الثورات الديمقراطية العربية التي تستبدل حلفاء إسرائيل وأصدقاءها بقوى صاعدة معادية لها. المشهد السوري، إذن، أكثر تعقيداً وصعوبة مما حدث سابقاً في مصر وتونس.. هذا صحيح، لكن في المقابل، فإنّ الرجوع إلى وراء يبدو سيناريو غير متوقع أيضاً، وهو ما يفتح الباب أمام احتمالات متعددة.
الغد