الروائيات العربيات: نحن لا نكتب سيرنا الذاتية
الرياض، تحقيق- نوال الجبر
ترى عدد من الكاتبات العربيات أن أحد المآخذ على السرد النسوي، أن المجتمعات العربية تقرأ إبداعاتهن كسير ذاتية ذلك يعني بأن الجمهور من القراء والمثقفين لم يسعوا إلى التعمق في الرؤى الإبداعية في رواياتهن والتعامل معها كجنس روائي مستقل، ما يفقد أعمالهن الرؤية، الاستقلال الأدبي،الحيادية، والموضوعية. هذا الحكم الجائر على الروايات التي تكتبها امرأة ساهم في تهميش القيمة الفنية للعمل الروائي الذي يتقصد في الأغلب البنى الفكرية للمجتمع الذكوري، هذا التصور الاجتماعي يفقد الرواية القراءة الجادة، وتحولها إلى مدونات للبوح عن جزء من حياتها. فأصبحت معظم الأعمال الروائية مؤشرات فاضحة لسيدات أتهمن بالكتابة عن سيرهن الذاتية.
لهذا نقول 🙁 لماذا يُدرج البعض كتابات الروائيات تحت ما يصنف بأدب السيرة الذاتية ؟)
ومن هنا شهادات لروائيات حول العالم العربي يرصدن اتهامات تكيل لهن في قراءة أعمالهن بين نصوص روائية ووصمات السيرة الذاتية المكتوبة.
وفاء البوعيسي كاتبة وروائية ليبية مقيمة بهولندا ترى أن السرد النسوي يعامل بتفرقة عنصرية مقارنة ب “النص الرجالي” إن جاز لي التعبير، فالمتلقي وهو الرجل يقرأه وهو محمّل باستعداد مسبق لرد فعل قوي، من حيث استعمال آلية من آليات الدفاع التي تحدد له ذكوريته المتشبعة بمنطقه المهيمن، إنه باختصار يرسخ آليته الدفاعية ضد أي سرد نسوي لأنه يرى فيه تهديد كامن لتوازنه، وربما لكون النص النسوي يأتي محملاً بالبوح، ويستهدف تفكيك بنى المجتمع الذكوري الفكرية والثقافية، لهذا يندفع المتلقي في التخيل على نحو مرضي، ومن الغريب أنه أحياناً لا ينتظر المرحلة الأخيرة من عملية القراءة، لكي يفسر ما قرأ ويحاكمه بموجب أداوات النقد الفني والبنائي، بل ينخرط في تفسيرات تخصه من لحظة وقوع نظره على العنوان واسم الكاتبة وحتى صورتها، إن ظهرت بمظهر لا يرضى عنه، إنه حتى لا يجهد نفسه في ربط النص بسياقاته الثقافية واللسانية والاجتماعية التي أنتجته وبضرورة المراهنة على نوايا النص، بل على كونه متحدٍا معه فقط.
لم يحن الوقت بعد كما يبدو، كي يتم الكف عن لوم الروائيات لكتابتهن أعمالاً ذات منحى متحرر أو معالجتهن مواضيع غير مألوفة.
لم يحن الوقت بعد لقراءة الكتابات النسوية واكتشاف ما تقدمه بدلاً من صياغة نظريات عما كان يجب أن تقدمه تلك الأعمال.
على القارئ أن يتخلص من عقدته نحو كتابات المرأة وخطابها، يجب فك عقدة فهمه المأزومة، المأزومة بالتشكيك في أن أية إسقاطات ما هي إلا حالة فردية تخص الحياة الشخصية للكاتبة، عدا ذلك سيكشف عن عمق الأزمة، وأعني بذلك الفجوة في الخطاب بين الكاتبة والقارئ وبالتالي المجتمع، واستفحال فجوة فكرة المسافة بين الكاتب والقارئ.
أما ليلى العثمان الروائية والكاتبة الكويتية فتقول: هو في المجمل كل ما تكتبه المرأة يتصوره القارئ أنه جزء من حياتها وكثير من الأديبات ظلمن في هذا الجانب لو أخذنا على سبيل المثال الكاتبة عالية ممدوح ( رسائل إلى السيدة ب ) حين أصدرت هذا الكتاب كانت تعالج قضية المثلية بين النساء ولشدة تمكنها من وصف هذه العلاقة التي تكون بين امرأة وأخرى اعتقد البعض أن عالية من هؤلاء النساء المثليات! لذلك اتهموها بالمثلية وعلى هذا المسار تندرج العديد من الأسماء لكاتبات عربيات أنا أيضاً كثيرون يتصورون أن بعض مشاهد الحب أو مشاهد التعذيب الذي تناله بطلاتي من الأسرة سواء من الأم أو الأب أنها مشاهد أنا المعنية بها دائما المرأة متهمة بأنها لا تكتب إلا عن تجاربها الخاصة على الرغم من أن هناك كثيرا من الرجال أيضاً كتبوا عن سيرهم الذاتية من خلال الرواية حتى أن بعضهم يضع أسماء أسرته الحقيقية في عمله الإبداعي. كل كاتب لا يستطيع أن يتحرر من واقعه فلذلك تأتي بشكل سيرة في الرواية لكن هناك طبعاً فرق كبير بين أن تكون الكتابة سيرة بحتة كما فعلت أنا في المحاكمة وبين أن تكون هناك رواية تدخل ضمنها بعض جوانب السيرة الذاتية هنا الاتهام ليس للمرأة وحدها فقط حتى للرجل المشكلة أن الرجل لا يحاسب إذا كتب من سيرته عن علاقاته العاطفية أو الجنسية لكن المرأة حتى لو كتبت شيئا من الخيال فإنها تتهم بأنها تجربة حقيقية مرت بها وأنا قدمت عن اتهامات المرأة في ورقة عمل في أحد المؤتمرات العربية هذه الورقة تتضمن العديد من النساء اللائي اتهمن بالكتابة عن سيرهن الذاتية.
وتقول لينا هويان الحسن روائية وكاتبة سورية تعمل بالصحافة: اعتادت الكاتبات العربيات كتابة نصوصهن اعتمادا على حياتهن الشخصية وقلما خرجن من ذواتهن وهذا حشر نصوصهن ضمن حيّز ضيق. وهذا لا يليق بالأدب مطلقا، وأكثر من ذلك يخالف منطق الأدب، لأن عالم النص الأدبي شاسع وإذا لم يغذي الكاتب سواء أكان ذكرا أم أنثى نصوصه بالمسافات البعيدة، فإن ذلك سيكون مضادا لفكرة الأدب ذاته. وهنا كان المطب الحقيقي لغالب الكاتبات العربيات عندما كتبن انطلاقا من تجاربهن الشخصية حيث جاءت نصوصهن مليئة بحيواتهن الشخصية. .
بالنسبة لي أنتقد زميلاتي من موقع قوي لأني لم أكتب النص الذاتي أبدأ. ورواياتي تشهد على ذلك. حياتي الشخصية لي أنا وحدي ولا أسمح لأحد أن يشاركني أسرارها، إنما فقط للقارئ أن يتلصص على ما قد يعتقده أمرا يخصني، أترك له متعة قراءة ما بين السطور، رواياتي مفخخة بالاحتمالات الكثيرة التي يمكن أن تشبه حياتي الشخصية أو العكس. ففي روايتي “سلطانات الرمل” كتبت سيرة حوالي سبع نساء هن أشهر شيخات وأميرات البادية الشامية واللواتي تسببت شخصياتهن القوية بعدة حروب. باختصار لست من السذاجة الأدبية بحيث أقدم حياتي الشخصية مجانا لأي قارئ. من حق القارئ عليّ كروائية أن أقدم نصّاً يحترم ذائقته وذكاءه، وليس من حقي أن أرهق القارئ بتفاصيل حياتي الشخصية. فالكاتبات اللواتي كتبن سيرهن الشخصية هن الفاشلات عاطفيا واجتماعيا وعليه فإن نصوصهن ستشبههن حتما. بصوت عال أنتقد زميلاتي وهن يدججن أعمالهن بسيرهن الشخصية.
وترى هدية حسين الكاتبة والروائية العراقية المقيمة في كندا، التي صدر لها ثماني روايات وست مجموعات قصصية وكتاب في النقد ترى ان في ذلك انتقاصا للكاتبة حيث تقول: باعتقادي أن ذلك يعد نظرة قاصرة ومهينة المقصود منها هو التقليل من قيمة ما تكتبه المرأة، نحن نعلم أن غالبية الروايات الأولى للكتاب (الرجال والنساء على السواء) فيها الكثير من سيرهم الذاتية أو هي صدى لما مروا به في حياتهم، لكن بعد تراكم الخبرة تنفتح الآفاق أمامهم ويكتبون شيئاً مغايراً.. أنا أعجب حقاً لماذا لا يقال عن الرجل الروائي ما يقال عن المرأة؟ ومتى ستُنصف كتابات النساء وتوضع في الميزان الذي توضع فيه كتابات الرجل؟
نعم نحن النساء الكاتبات نمرر في رواياتنا ما مررنا به، نأخذ جزئية ونبني عليها معمارنا الفني، وفي كل عمل هناك شيء من نفس الكاتبة، وهذا ما يفعله الكاتب الرجل أيضاً، لكن لايمكن اعتبار كل ماتكتبه المرأة هو سيرة ذاتية، فالسيرة الذاتية لها اشتراطاتها ويمكن أن نعدها وثيقة بسبب تطابق حياة السارد مع ما عاشه من تجارب، بينما الرواية فن يحتمل التخييل والتأويل، وعلينا أن لا نخلط الأمور لمجرد هناك هيمنة ذكورية تريد الحط من قيمة ما تكتبه المرأة دون دراسة نقدية معمقة لرواياتها، أو تأتي الدراسات برأي مسبق كالخطأ الشائع الذي يسري ويغطي على صحيح القول.
حسناً أيها السادة، أنا أصدرت حتى الآن ثماني روايات وأوشك على الانتهاء من روايتي التاسعة، كتبت عن تاريخ بلدي، عما عشته وعاشه الناس تحت رعب الحروب، عن فترة الأربعينات التي لم أولد فيها، وعن المجتمع ومعارك الأحزاب في الخمسينيات، تلك الفترة التي لم أعِ فيها الحياة تماماً، عن الصراعات الدموية في الستينيات التي تشابكت بين الطفولة والصبا.. فهل كنت أكتب في كل تلك الروايات سيرتي الذاتية؟
أما رانيا مأمون كاتبة من السودان فتقول: لا يمكننا أن نعمم، ولكن يمكن أن نقول (لماذ يُدرج البعض كتابات الروائيات تحت ما يُصنف بأدب السيرة الذاتية؟) استناداً على هذا (التبعيض) برأيي أن حالة التلصُّص على حياة المرأة، خاصة المبدعة لا تستكين، يبحث البعضُ عن حياتها في رواياتها، ويُسقطون شخصياتها المتخيلة تماماً عليها! المرأة مازالت عند الذهنية العربية عورة خاصَّة الذهنية المتشددة، وكل ما هو مغطى أو مستور هو محرِّض على الاكتشاف والتقصِّي، لذا يبحثون عنها في إنتاجها وإبداعها، ليس بدافع الفضول فقط، وإنما بدافع المحاكمة والحكم والتقييم على تيرمومتر العقلية سواء كانت دينية أو أخلاقية، أو مجتمعية.
وهناك البعض ممن يشكك في قدرة المرأة الإبداعية، فيتصور أنها غير قادرة على إنتاج أعمال تخيلية صرفة تتكئ على براعة فنية عالية، لذا لا بُدَّ لها من أن تمتح من تجربتها الحياتية، وهذا بالتأكيد منافٍ للواقع؛ لأن القدرة الإبداعية لا تختلف عند الروائية أو الروائي، إنما الاختلاف يتأتي من خلال التجربة الإبداعية وعمقها وفرادتها وتجريبها وموضوعاتها. ما أتمناه، أن يتجاوز هؤلاء هذه المحطات، لقد تجاوزها الزمن، وأن ينفتحوا على العملية الإبداعية نفسها ويعملوا أدواتهم فيها، هذا أجدى وأنفع للحركة الإبداعية والنقدية على السواء، بدلاً عن إهدار الوقت في لملمة ملامح الروائية وتفاصيل حياتها من خلال شخصياتها.
وترى مها حسن روائية سورية مقيمة في باريس، صدرت لها ست روايات، بأن القول حول كتابات الروائيات في العالم العربي تندرج تحت ما يُصنف بأدب السيرة الذاتية، مجحف وغير دقيق، وهو يعني النظر إلى إنجاز الروائية بوصفه كتابة غير إبداعية ، تقوم على نسخ لصق السيرة الذاتية.
بتأمّل بعض المنجز الروائي لأسماء كاتبات من سوريا ولبنان ومصر وغيرها من الجغرافيا العربية، نعثر على نماذج كتابية إبداعية لا تقلّ أهمية عن روايات الكتّاب الرجال، وأنا أعتقد أن هذا التقسيم أصبح بمثابة (كليشيه) يطلقها أشخاص لم يقرأوا جيداً، بل توقفوا أمام تجارب محصورة بكتابات( رديئة)، استثنائية، أخذوها كقاعدة.
هناك روايات لكاتبات عربيات، تتصدّر الأدب العربي الحديث، ولكن ( البيست سيلر) وما يلعبه الإعلام، من دور سيئ للإتجار بالأدب، وتحويله إلى أرقام مبيعات وطبعات ثانية وثالثة و.. ليس المرجعية ذات المصداقية في الحكم على النتاج الروائي، كما أنّ تصدُّر بعض الكاتبات المتواضعات إبداعياً، لا يعني أن هذه هي نماذج كتابة الرواية، بل يرتّب مشاكل نقدية مختلفة، على المهتمين الانتباه لها والعمل عليها، بدلاً من جعل هذه العيّنات، مصادر ومرجعيات لكتابة الروائيات العربيات.
إن التصنيف الكسول الذي يقسم عالم الكتابة الإبداعية وفق معايير جنسوية، بات مملاً اليوم، في الوقت الذي تكتب فيه النساء العربيات عن السجون والتجارب الوجودية والتقمّص والتاريخ والفساد… ولكن يبدو أن هناك نوايا ترغب في تكريس أسماء ما، لا تمت إلى الإبداع بصلة، لتعميم صورة رديئة ومجحفة عن كتابة الروائيات.
على الإعلام العربي، والنقد كذلك، العمل على إظهار التجارب الإبداعية، والتركيز على إبداع الكاتبات الخارجات عن السياق المكرّس، والذي يهدف إلى الإبقاء على دور المرأة في المواقع الخلفية، إلا أنه للأسف، يتم الاحتفاء، بحفنة من الأسماء، لتلميعها بوصفها (كتابة المرأة) وهي أبعد ما تكون عن الإبداع، وأقرب ما تكون إلى عُقد نسائية، وإنشاءات لا تبتعد عن جلسات النميمة والثرثرة، بطريقة لغوية مختلفة شكلاً، متماهية مضموناً. ليست المشكلة في النتاج الكتابي للروائية العربية، ولا نقصا في إبداع حقيقي ومهمّ، بل في إعلام ونقد، ذكوريين، يكرسان ويعمّمان، تجارب رديئة، لمحو إبداع مهمّ، لا يعترف بالفروقات، إلا كونها، فروقت إيجابية تغني الرواية وتفتحها على اقتراحات أوسع… فمن يسمع!
وتشارك الكاتبة المصرية عزة رشاد القاهرة حيث تقول: ينطوي المحور على تحديد مزدوج: جنس الكتاب وجنس الكاتب، وهو تحديد لا يخلو من تعسف، فالرواية بشكل عام، خليط من الواقع والمتخيل بنسب مختلفة، خلطة سحرية لا تتكرر، وكل رواية تحمل، رغماً عنها، شيئاً من ذات المبدع تتباين كثافته، فحتى بالأعمال المتخيلة تحوي شذرة من خبرات المبدع الحياتية، هذه الخبرات عندما تتكثف لتصبح عضداً أساسياً تنتج رواية السيرة التي ثمة من يعتبرها فناً قديماً جداً عن العرب، وإذا ما ركزنا على تاريخنا الحديث فسنجد الرواد الأوائل قد أتحفونا بروايات سيرية خالدة: “الأيام” لطه حسين، “سارة” للعقاد، “يوميات نائب في الأرياف” للحكيم وغيرهم، فلا ريب أن رواية السيرة جنس أدبي يتسم بالمرونة والمراوغة، يتراواح من اقتراب الكاتب من ذاته حد تسجيل ما يشبه يومياته، إلى الظل الرهيف لخبراته الحياتية ممزوجة بالعالم وبالآخرين، يتراوح أيضاً من عدم الاعتراف به كرواية، إلى تضخيمه حتى “نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية”، لا ريب أيضاً أن تشريح الذات يبدو فخاً جميلاً مغوياً، والأكثر إخلاصاً لهواية البحث عن المغفل عمداً أو دون عمد بحياتنا كمنطقة خام تغري بالاجتراح، فهل تبدو المرأة أكثر من الرجل هاوية للنبش والنكش والفضح؟ ربما، وربما ذاع صيت رواية السيرة مؤخراً بتوقيع المرأة التي، للأسف، لا يثق المجتمع في قدراتها “الإبداعية”، أي في تمثل أفكار ومشاعر الآخرين، حد اعتبار كل إبداع نسائي هو حياة الكاتبة الشخصية “بقلمها”، وحتى من يقدرون فرادة كتابة المرأة فإنهم يعزون اختيار الكاتبات له إلى خشيتهن البوح الصريح لكون مجتمعاتنا سياسياً واجتماعياً دأبت على التكتم والإخفاء، وإذا افترضنا صدقية هذا التحليل في بعض الأعمال الأولى لبعض الكاتبات، فلا يمكننا تصور الحياة الشخصية كمعين كامل وأبدي، ولا تجاهل المخيلة كمعين لا يقل كرماً، وما أقصده هو أن الكاتبات مضطرات دوماً أن يدفعن باجتهادهن فاتورة أعلى بكثير من الكتاب الرجال كي يحصلن على اعتراف المتلقي بهن ككاتبات حقيقيات.
وتقول فاطمة الزهراء الرغيوي كاتبة من المغرب: تنطلق محاكمة الكاتبات العربيات من عناصر متعددة، تتباين بين طبيعة المجتمع العربي المحكوم بعقلية القبيلة والقطيع، حيث لم يستقل الفرد بوعيه بعد، وبين ما سأسميه الخوف من فضح المستور: ألسنا مجتمعا يزعم الكثير من أفراده أنهم منزهون عن النواقص (والنواقص هنا قد تكون ممثلة في هشاشة الحب أو زنا المحارم، لا فرق)؟ لا شك أن كل كاتب/كاتبة يستعمل بشكل أو بآخر تجربته الحياتية الخاصة في كتاباته، ولكن توظيف التجربة الخاصة لا يندرج بالضرورة في خانة السيرة الذاتية. للسيرة عناصرها المحددة لها، بينما يجب أن يحافظ الإبداع على عنصر التخييل الذي يحفظ له سحره.
هناك إصرار على نزع شرعية الإبداع المحض عما تنتجه المرأة الكاتبة، خاصة وأننا نجد في كثير من كتابات النساء نزوعا إلى تعرية بعض المظاهر الاجتماعية المسكوت عنها فيما يشبه التوافق والاتفاق الاجتماعي. ثم إن المرأة الكاتبة تفضل غالبا استعمال ضمير المتكلم في كتابتها، وهذا ناجم ربما عن طبيعتها النفسية ..فهي –المرأة عموما- تجيد نقل الحكاية وبالتالي الكتابة، عبر توريط ذاتها في العوالم التي تستكشفها وتكشفها. من جهة أخرى، إن كون المرأة تتعامل مع الكتابة كوسيلة للتعبير عن ذاتها المقهورة في ظل قوانين لا تضمن لها حريتها الكاملة ولا استقلاليتها التامة، وأيضا للتعبير عن وعيها الخاص بذاتها وبتطلعاتها، يجعلها أحيانا تحيد عن مساحة الإبداع المحض إلى حيز التعبير عن موقف صريح اتجاه موقف ما( مثلا ما يسمى المساواة بين المرأة والرجل، حريتها الجنسية… )، وهو ما يجعل المتلقي لا يميز بين الكاتبة وشخوصها ويصدق إلى حد كبير أنه أمام سيرة ذاتية محضة. لكن، هل يجب أن نعتبر هذا “الاتهام” الموجه للمرأة الكاتبة، انتقاصا من إبداعية كتابتها؟ ألا يجدر بنا مدح الكاتبة التي استطاعت أن توهم المتلقي بأنه أمام نص سير ذاتي محض؟ اعتبر شخصيا أن لخلفية المتلقي السوسيوثقافية، أهمية قصوى في قراءة النص بما يكفي من الحياد للحكم عليه بعيدا عن جنس الكاتب. ولهذا أعتبر أن القارئ(بصيغتي المؤنث والمذكر) في مجتمعاتنا بحاجة للتخلص من نزعته القبلية التي تجعله يمارس الوصاية على المرأة ويخاف أن تقول ما يتجاوز أفق انتظاراته الجمالية والقيمية.