الروس في سوريا عام 2017/ إياد الجعفري
قد يكون العام 2017، حاسماً بالنسبة للتدخل العسكري الروسي في سوريا، من جانبين، الأول، أن أي تغير نوعي في سياسات واشنطن حيال الملف السوري، لأسباب مرتبطة بالموقف من إيران، أو عدم التفاهم مع روسيا ذاتها، قد يُترجم إلى دعم لفصائل من المعارضة ينعكس سلباً على نجاحات التدخل العسكري الروسي، كما أنه سينعكس على موقف تركيا، التي قد تنسحب تدريجياً من تفاهماتها مع الروس إن وجدت مظلة أمريكية تحفظ مصالحها في سوريا.
أما الجانب الثاني، فهو يرتبط تحديداً بمدى قدرة الفصائل المعارضة الكبرى، على إطالة أمد المواجهة، وتفعيل الخسائر في صفوف النظام والميليشيات الداعمة له، عبر حرب عصابات محترفة، وفي جبهات متعددة، تشتت جدوى الغطاء الجوي الروسي، وتضعف فاعليته، بصورة تطيل من أمد التدخل الروسي، وتزيد من تكاليفه، وتخفض من جدواه.
ذلك أن مراجعة مُجريات السلوك الروسي خلال تجربة حلب الأخيرة، وما بعدها، يُثبت أن الروس حساسون حيال عوامل عدة في المشهد السوري، ولا يُطيقون حدوث تغيرات نوعية فيها. أبرز تلك العوامل، الموقف الأمريكي في سوريا، وطول أمد تدخلهم العسكري.
فما معنى أن يهاتف بوتين ترامب، بعيد نجاحه في الانتخابات مباشرةً، ويناقش معه الوضع في سوريا، ومن ثم، بعد ذلك مباشرةً تنطلق حملة جوية روسية شرسة، مترافقة مع هجوم برّي للنظام والميليشيات الداعمة، تُفضي إلى إنهاء ملف شرق حلب؟.. ذلك يعني بجلاء، أن الروس ما كانوا ليتحركوا لو لم يضمنوا حياداً أمريكياً، في الحدود الدنيا، ليس فقط على صعيد إدارة أوباما الحالية، بل حتى، على مستوى إدارة ترامب المُرتقبة.
ولنتأكد أكثر من مدى صوابية هذه القراءة، دعنا نتذكر السلوك الروسي في سوريا، في الأسبوعين الأخيرين قبل يوم الانتخابات الأمريكية. روسيا أعلنت تعليق عملياتها الجوية في حلب، رغم أنها، على أرض الواقع، استمرت، لكنها ظلت محدودة، مقارنة بالحملة الجوية الشرسة التي أطلقتها روسيا بعد إعلان فوز دونالد ترامب.
يقلل ذلك من مقدار صوابية ما يُشيعه بعض الأمريكيين، حينما يدافعون عن سياسة واشنطن في سوريا، بنظرية مفادها، أن زيادة معدلات التدخل الأمريكي في سوريا قد يؤدي إلى صدام روسي – أمريكي مباشر. فالرئيس الروسي كان حريصاً على أخذ الموافقة الضمنية حيال القضاء على المعارضة في حلب، من الرئيس الأمريكي المُنتخب، حتى قبل توليه لمهامه.
وفي السياق نفسه، تُعتبر السياسة التركية في سوريا، مؤثرة للغاية على السلوك الروسي وتطوراته. لكن السياسة التركية مرتبطة تحديداً بالسياسة الأمريكية حيال سوريا. فإن تغيرت سياسة واشنطن في الملف السوري، علينا أن نتوقع تغيراً للسياسة التركية أيضاً.
وللتوضيح أكثر، منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، زاد عُنف الحملات الجوية الروسية على حلب تحديداً. وبعد الحديث عن توافق تركي – روسي، سمح للأتراك بالتدخل العسكري المباشر شمال سوريا، شهد ملف حلب تطورات ميدانية دراماتيكية، وبدا جلياً أن تركيا تقف على مسافة من المعارضة الجهادية المسلحة، التي كانت تحاول فك الحصار عن المدينة. فالأتراك تحولوا فعلياً من داعمٍ حثيثٍ للمعارضة، إلى حالة أقرب للحياد، مع ميلٍ للوساطة بين المعارضة والروس.
وإن راجعنا الخط البياني لنجاحات التدخل العسكري الروسي، نجد أنها بدأت تحديداً بعيد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا. فقبل ذلك التطور، كان قد مضى على التدخل الجوي الروسي في سوريا، تسعة أشهر تقريباً، من دون أية إنجازات ميدانية نوعية. لكن ذلك التدخل شهد مساراً ناجحاً في حلب تحديداً، بعد ستة أشهر من العمل الحثيث، تحديداً، بعد التقارب التركي – الروسي الذي ظهر جلياً بعيد الانقلاب الفاشل.
ما سبق كله، يفسر سبب مسارعة الروس لاستثمار ما تحقق ميدانياً في حلب، باتجاه فرض تسوية سياسية سريعة للأزمة السورية، تُجنب الروس تبدلات السياسة الأمريكية المحتملة، حينما يتولى دونالد ترامب مهامه، وتجنبهم أيضاً، التورط في حرب طويلة لسنوات، لا أفق لمكاسب سياسية في ختامها، بحيث يكرر الروس تجربة أفغانستان.
التورط الروسي طويل الأمد في سوريا، محتمل بصورة كبيرة. ذلك أن شرق حلب، ذلك الجيب المدني الصغير، المُحاصر، تطلب إسقاطه ستة أشهر على الأقل من الحملة الجوية الروسية العنيفة المرفقة بهجوم برّي مكثف لميليشيات شيعية داعمة للأسد.
وهو ما يطرح تساؤلاً جدياً.. كم يتطلب السيطرة على إدلب مثلاً، باعتبارها مركز المعارضة الجهادية، بما تتميز به من مناطق جبلية وعرة، ومساحة ممتدة، وتواجد نوعي لمقاتلي المعارضة بأعداد هائلة. دون شك، يتوقف ذلك على أداء تلك المعارضة، وعلى مدى قدرتها على التنسيق العالي بين فصائلها، وتطوير تكتيكاتها العسكرية، وتنويع الجبهات التي تعمل عليها.
وهكذا، فإن طول أمد الحرب في سوريا قد يعكس الخط البياني لنجاحات التدخل العسكري الروسي، وقيمته السياسية. وهو أمر يدركه الروس، حسبما يبدو. لذلك هم يسعون اليوم سريعاً، لتحويل تدخلهم العسكري إلى نفوذ سياسي – اقتصادي، عبر تسوية سياسية تُنهي الصراع في البلاد، لصالح الرؤية الروسية، بالشراكة مع الأتراك والإيرانيين.
وهو مسعى تواجهه تحديات كبرى، تُنذر بفشله، أبرزها، أن القوة الوازنة الفاعلة من المعارضة السورية الميدانية، المتمثلة بالفصائل الجهادية، تملك القدرة، لو أرادت، على أن تجر الروس وحلفائهم على الأرض، إلى حرب عصابات طويلة ومكلفة. وهو أمر مُتوقع.
يضاف إلى ذلك، أن سياسة واشنطن في عهد ترامب، يسودها عدم اليقين. ويكفي أن نذكر أن ترامب استُفز من تصريح بوتين الأخير حول تعزيز القدرات النووية الروسية، فردّ بتصريح يتحدث عن رغبته في خوض سباق تسلح نووي مع الروس والصينيين. وهو ما يؤكد أن الرهان على موقف متراخٍ لترامب حيال روسيا، يدخل في خانة اللايقين عملياً.
وهكذا، يبدو أن نجاحات الروس في سوريا، عام 2016، مرتبطة بثبات كل العوامل التي ساعدت على تحقيق ذلك النجاح. بمعنى، أن استمرار نجاحات الروس في سوريا، خلال العام 2017، يتطلب، ثبات السياسة الأمريكية الحالية حيال سوريا، وثبات السياسة التركية الحالية أيضاً حيال سوريا، واستمرار فشل المعارضة في تطوير تكتيكاتها القتالية والتنسيق بين فصائلها المتعددة.
أما إنذا تغيّر أي من العوامل السابقة، علينا أن نتوقع تغيّراً في الخط البياني لنجاحات الروس، بصورة ربما تصبح، معكوسة.
المدن