السبب هو البيئة الطائفية/ صالح القلاب
لا ضرورة لإعلان حسن نصرالله أنه على استعداد للذهاب “شخصياً” للقتال في سورية فـ”ميليشيات” حزبه موجودة هناك منذ اللحظة الأولى، ثم إنه من المعروف أن قرار ذهابه وذهاب حزبه إلى هذا البلد الذي حوَّله نظام بشار الأسد إلى ساحة تذابح طائفي ومذهبي حقير ليس قراره وإنما قرار مرشد الثورة الولي الفقيه علي خامنئي وقرار قائد فيلق القدس، المرابط في غرفة العمليات في دمشق، الجنرال قاسم سليماني.
إنَّ هذه العملية الدموية الأخيرة التي استهدفت أبرياء في ضاحية بيروت الجنوبية، التي أصبحت بمنزلة معسكرٍ لجيش “حزب الله” وأصبحت كجزءٍ من مدينة “قم” المقدسة التي يقع فيها مرقد السيدة “المعصومة” فاطمة بنت موسى “الكاظم” وشقيقة علي “الرضا”… هي عملية إرهابية بكل معنى الكلمة، وهي مدانة ولا يمكن وصف منفذيها إلا بأنهم قتلة ومجرمون، حتى وإن اخترعوا تنظيماً ألصقوا به اسم زوجة رسول الله وابنة أبي بكر الصديق السيدة عائشة لتنفيذ عمليتهم الإجرامية القذرة هذه.
لكن، ومع إدانة هذه العملية الإرهابية وإدانة منفذيها، أليس المسؤول عن استدراج هذه المنطقة إلى كل هذه الطائفية البغيضة وإلى هذا التذابح المذهبي القذر هم الذين رفعوا راية “حماية مقام السيدة زينب ومقام الصحابي حجر بن عدي” وهم الذين أرسلوا إلى سورية اللواء العراقي الطائفي الذي سموه لواء “أبوالفضل العباس”، وهم الذين دفعوا ميليشيات “حزب الله” إلى القتال إلى جانب جيش بشار الأسد الذي أصبح، للأسف، جيشاً طائفياً رغم أنه لايزال يحمل اسم الجيش العربي السوري!.
إنه لكل فعلٍ ردّ فعل، ولذلك فإن تحويل إيران لهذا الصراع المحتدم في سورية كلها إلى تذابح مذهبي وطائفي ما كان من الممكن إلا أنْ يؤدي إلى بروز نقيضه، وهو هذه المجموعة التي ضربت مؤخراً في ضاحية بيروت الجنوبية التي معظم قاطنيها من أبناء الطائفة الشيعية الكريمة التي هي غير مسؤولة عن طائفية حسن نصرالله الكريهة، ولا عن أفعال حزبه الشائنة… وهو هذا المنطق المريض والبائس الذي بات يجتاح هذه المنطقة كلها والذي وصل حتى إلى بعض العقلاء في طائفتين من المفترض أن أخوة الدين الإسلامي السمح والعظيم تجمعهما.
إنَّ عملية ضاحية بيروت الجنوبية عملية إرهابية مدانة، ولا يمكن وصف من قاموا بها ونفذوها إلا بأنهم قتلة ومجرمون، لكن إذا أردنا أن نقول الحقيقة، وعلينا أن نقول هذه الحقيقة، فإن ثورة الخميني التي زغردنا لها حتى التوت ألسنتنا وهتفنا باسم قائدها حتى بُحَّت حناجرنا هي ثورة مذهبية وطائفية حتى النخاع الشوكي، كما أن كثيرين من قادة العراق الذين هم في مواقع المسؤولية والذين هم خارجها هم مذهبيون، وهم الذين يقفون وراء كل هذا العنف الدموي الذي يضرب هذه الدولة العربية… سورية.
وكذلك، إذا أردنا الحقيقة، فلابد من القول إن نظام حافظ الأسد، بدءاً بحركته التصحيحية عام 1970، قد حوّل سورية، التي من المفترض أنها دولة علمانية يحكمها حزب قومي واشتراكي، إلى دولة طائفية… حزبها طائفي وجيشها فعلياً طائفي، وتركيبة الحكم فيها طائفية، والدليل على هذا هو كل هذا الاصطفاف المذهبي الداخلي والإقليمي، الذي أعقب مباشرة انفجار كل هذا الاقتتال الدامي في مارس عام 2011، وهو استقدام ما يسمى “فيلق أبوالفضل العباس” والحرس الثوري الإيراني وميليشيات “حزب الله” لذبح أغلبية الشعب السوري وتدمير مدنهم وقراهم، بدوافع طائفية ومذهبية لم تعد خافية على أحد، ولم يعد أصحابها يخجلون من البوح والتباهي بها.
إنَّ هذه الحالة، التي عنوانها قول حسن نصرالله وهو يرفع يده عالياً حتى كادت ترتطم بسقف السماء: “نحن شيعة علي بن أبي طالب في العالم كله” وقوله إنه على استعداد ومعه كل حزبه (حزب الله) للذهاب إلى سورية للقتال دفاعاً عن نظام بشار الأسد، هي المسؤولة عن عملية ضاحية بيروت الجنوبية المدانة والبربرية والإرهابية، وإن من استهدف مقام خالد بن الوليد في حمص واستهدف مسجد عمر بن الخطاب ورفع ذلك العلم الأسود فوق مئذنته هو المسؤول عن كل هذا التسعير الطائفي… وعن كل ردود الفعل الطائفية هذه التي لابد من إدانتها، ويجب تبرئة الإسلام الحنيف منها ومن الذين قاموا بها ونفذوها، وأيضاً من الذين بأفعالهم المذهبية الدنيئة أوجدوا هذه البيئة المقيتة التي لابد من التخلص منها قبل أن ندخل في مرحلة طويلة جداً من صراع مدمر كالصراع الصَّفوي-العثماني الذي ارتدى العباءة الدينية، مع أن حقيقته هي تضارب المصالح القومية وتصادم التطلعات السياسية.
الجريدة