صفحات العالم

السخرية من لبنان


ساطع نور الدين

التفهم العربي والدولي لموقف لبنان الحرج من الأزمة السورية ليس شيكا على بياض، ولن يكون غطاء كافيا عندما يترجم ذلك الموقف على أرض الواقع اللبناني الصعب ويتحول إلى حفلة جنون مفتوحة تستوحي اسوأ وأخطر ما يجري في سوريا هذه الأيام، وتعتبره توجيها خاصا او مثالا وحيدا.

التفهم لا يزال حتى الآن ساري المفعول، مصدره أن لبنان بلد معاق، وشعبه متخلف. وهذه نقطة الإجماع الرئيسية بين مختلف العواصم العربية والأجنبية المعنية بالأزمة السورية وتداعياتها المحتملة، التي تبذل جهود استثنائية لاحتوائها وحصرها في حدودها الدنيا.. طالما أنه لم يعد بإمكان احد في الخارج دفعها نحو تسوية سياسية تمنع اندفاع سوريا المتسارع نحو الخراب والدمار وتحمي جوارها من الآثار السلبية.

في سياق هذه الجهود، لا يقع لبنان في المرتبة الأولى. لأن لكل بلد من البلدان الخمسة المحيطة بسوريا همه الخاص، وقلقه العميق. وبديهي القول ان لبنان لا يقع على رأس جدول أعمال أحد. هو أقرب الى حالة ميؤوس منها، تزداد كل يوم صعوبة الخروج منها.. وربما أيضا يتزايد التواطؤ الضمني على انه اذا كان لا بد من متنفس للأزمة السورية فلا مانع ان يكون لبنان، ما دام شعبه بالذات متحمسا لهذا الخيار، بدلا من أن يعمل على تفاديه.

وعندما يطرح السؤال، بطريقة عفوية، على أي مسؤول عربي أو تركي أو اوروبي عن انعكاسات الأزمة السورية وإمكانات تصديرها الى لبنان، يأتي الرد دائما بعفوية أكثر بأن الخوف الدائم هو أن يعمد اللبنانيون إلى استدعاء تلك الأزمة واستيرادها، بالشكل الأشد غباء، وخطورة طبعا.. بدل أن ينتهزوا الفرصة لكي يختبأوا من العاصفة، التي تبدو أقوى من كل العواصف التي ضربت بلدهم.

وعندما يساق منطق الجغرافيا السياسية عن أن لبنان هو جزء لا يتجزأ من سوريا، وعن أن اللبنانيين ليسوا منقسمين على الاجتهاد السياسي حول إشكالية الدكتاتورية والديموقراطية السورية، بل هم منشقون بين من قاتل مع النظام السوري وبين من قاتل ضده، بالمعنى الحرفي للكلمة. وهم لذلك يشعرون انهم طرف مباشر في الأزمة مثلهم مثل أهل دمشق وحلب وحمص وحماه ودير الزور ودرعا.. يأتي الرد سريعا بأن الفرصة ما زالت متاحة لكي يعلنوا وقفا لإطلاق النار او هدنة مؤقتة، لكي يتبينوا عل الاقل مسار الأزمة السورية التي يجزم الجميع بأن التدخل اللبناني فيها كان وسيبقى هامشيا، ولن يكون مؤثرا بأي حال من الاحوال في نهاياتها.

اما الشكل الذي يمكن ان يتخذه الاستيراد اللبناني للأزمة السورية، فإن الامر متروك كما يبدو لمخيلة اللبنانيين الخصبة وتجربتهم العريقة في التجارة بالممنوعات والمحرمات، لا سيما الوطنية منها.. التي سبق ان جعلت من فكرة الحياد إزاء ما يجري في سوريا وهما تعلق به بعض اللبنانيين، لكنها سرعان ما أثارت سخرية الغالبية الساحقة منهم، التي تتابع الاخبار السورية وهي تضع أصبعها على الزناد.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى