السرقات الأدبية العربية عام 2017: قمة جبل الجليد!/ إيهاب محمود
أشباح مجلة “فصول”
منذ أيام، اعتذرت مجلة “فصول” النقدية التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، عن نشر بحث بعنوان “الاستعارة في نماذج من شعر محمود درويش.. مقاربة عرفانية” للتونسي الميلود بن جمعة حاجي، وذلك بعدما اكتشفت أنه مسروق بالكامل عن رسالة ماجستير للجزائرية جميلة كرتوس.
قامت الدنيا وهاجت إدارة تحرير المجلة، وهددت بالاحتكام للقضاء، غير أن ما فعلته بالميلود كان أكثر تأثيرًا وأوسع انتشارًا، هذه الفضيحة التي سمعت بها شتى منابر الإعلام في مصر وخارجها، ستؤثر حتمًا على احتمالية أن ينشر الميلود في أي مطبوعة ثقافية عربية، حتى لو كان النص هذه المرة من مجهوده. الغريب هو أنه وقع على إقرار الملكية الفكرية، بحسب بيان المجلة، الذي تمت صياغته بلهجة شديدة للغاية، ربما زاد من شدتها أن البحث نشر في العدد المئوي ووسط احتفالات المجلة بصدور هذا العدد التاريخي.
ما يثير الاستغراب، وربما الضحك أيضًا، هو أن محرك البحث غوغل لم يتعرف على أي منهما سواء الميلود بن جمعة حاجي أو جميلة كرتوس وكأنهما شبحان، وباختبار فيسبوك تتكرر النتائج ذاتها، لا وجود على مواقع التواصل الاجتماعي أو غوغل، ومن المؤكد أن مجلة “فصول” تواصلت مع إنسان لا شبح، ومن المؤكد أيضًا أن يكون هناك سيرة ذاتية لمن ينشر في مجلة بأهمية فصول، ولا بد أن يكون سبق له النشر في أية مطبوعة عربية، ولكن غوغل لم يصل إلى أي نتائج.
محمود حسني وآيت حنا
كانت واقعة “فصول” خاتمة لعام شهد أكثر من واقعة سرقة أدبية، وبالعودة أشهراً للوراء، وتحديدًا خلال منتصف العام المنصرم، نتذكر ما قام به الكاتب المصري محمود حسني الذي نقل فقرات كاملة من كتاب “مكتباتهم” للكاتب والمترجم المغربي محمد آيت حنا، الأمر الذي استفز الكاتب السوري يزن الحاج ليكشف الأمر عبر حسابه بفيسبوك، موضحًا الفقرات المنقولة حرفيًا التي ضمنها حسني في مقالته من دون إشارة إلى مصدرها. وتطلب الموقف وقتها أحد تصرفين من حسني: إما الاعتراف بالخطأ والاعتذار عن الفعل لسهو أو قلة تركيز، لجعل المسألة تمر بسلام، وإما إثبات عدم صحة الادعاء، غير أن محمود حسني ابتكر حلًا ثالثًا فأغلق حسابه على فيسبوك، معلنًا، بشكل ضمني، أنه ارتكب سرقة أدبية لا لبس فيها.
واقعة إبراهيم العايدي
وبعد واقعة محمود حسني بشهور قليلة، وتحديدًا في آب/أغسطس الماضي، سحب المجلس الأعلى للثقافة جائزة الدولة التشجيعية من الدكتور إبراهيم العايدي، الذي حصل عليها في مجال العلوم الاجتماعية فرع الآثار عام 2016، بعد اكتشافها أن كتابه الذي تقدم به لنيل الجائزة هو ترجمة إنكليزية، من الأصل الفرنسي، لكتاب هنري جوتييه الذي صدر في 7 أجزاء. تشكلت لجنة لفحص الأمر وانتهت إلى أن الواقعة صحيحة وأنها ليست الأولى للعايدي الذي سبق له أن نقل رسالته للدكتوراه التي منحت له في كندا، وهذا ما أثبتته لجنة تم تشكيلها آنذاك لفحص الدكتوراه التي حصل عليها، وبالفعل أثبتت اللجنة السرقة العلمية إذ إنها كانت منقولة أيضًا من أصل فرنسي وترجمه للإنكليزية!
في تصريحات صحافية، أكد وزير الثقافة المصري، حلمي النمنم، أن الجامعات المصرية تحتل المركز الأول في سرقة البحوث العلمية على مستوى العالم، لافتًا إلى ضرورة أن تصبح لدينا قوانين وإجراءات رادعة.
وسواء في مصر أو خارجها، تبدو الحاجة لقوانين تضبط الملكية الفكرية وتؤكد خصوصيتها عاجلة وفي نفس الوقت إشكالية، إذ إن المنتج الأدبي يختلف عن المنتجات الأخرى وله خصوصية تجعل من العسير جدًا تكييف وضعه القانوني بخلاف المنتجات المادية التي تقبل التعامل وفق مبادئ تجارية.
في المغرب أيضًا
عربيًا، وفي ديسمبر 2017، كان المغربي إدريس بن يعقوب، الباحث في العلوم السياسية بكلية الحقوق، في جامعة محمد الخامس بالرباط، يوجه رسالة تنبيه وتحذير لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في الإمارات، بعدما سطا المركز على بحث له بعنوان “شعبوية أنصار بن كيران تصطدم بالبورجوازية الإسلامية” وحوَّله إلى ورقة تقدير موقف مغيرًا عنوانه ليصبح “إشكالية الولاية الثالثة: هل يتعرض حزب العدالة والتنمية في المغرب للانقسام؟” دون أي إشارة لاسم للباحث بن يعقوب، على الرغم من نقل فقرات كاملة من بحثه، والأهم، في نظر إدريس، هو السطو على الفكرة التي لم يسبقه أحد إلى معالجتها على نحو ما فعل، وطالب بن يعقوب المركز بضرورة تدارك الموقف حيث إن للإحالة إلى أفكار الباحثين الآخرين قواعد متعارف عليها في البحث العلمي باعتبارها مراجع ينبغي التعامل معها بأمانة علمية. يؤكد كلام إدريس أن بحثه منشور بتاريخ 9 كانون الأول/ديسمبر، وفي أكثر من موقع مغربي، أما ما نشره المركز على موقعه فيعود تاريخه إلى 14 ديسمبر، أي بعد خمسة أيام على نشر المقال الأصلي.
وفي الجزائر
السرقات العلمية لا تتوقف فقط على الأساتذة مثل إبراهيم العايدي، ولكن تتسرب الفكرة نفسها للتلاميذ الذين يُطبعون على الاستسهال، وفي واقعة تؤكد ذلك، قامت طالبة بكلية العلوم الدقيقة وعلوم الطبيعة والحياة بجامعة بسكرة بالجزائر، بسرقة رسالة علمية لأستاذة بجامعة بليدة وقدمتها في جامعة ليون بفرنسا، غير أن الدكتور عبد الله فرحي، عميد كلية العلوم الدقيقة اكتشف الأمر، بعد أن ضبطت جامعة صالح بوبنيدر بقسنطينة حادث السرقة العلمية ونجحت في الكشف عن الرسالتين وتبين أنهما نسختان لرسالة واحدة تخص أستاذة في جامعة بليدة، فشلت الطالبة في أن تحصل على الدكتوراه، ولكنها نجحت في أن تكون سارقة معترفا بها.
المثير للتساؤل والدهشة في وقت واحد هو أن مرتكبي هذه السرقات، أو بكلمات أخرى، هؤلاء اللصوص الأدبيون إن جاز التعبير، يشتغلون بالكتابة ويستهدفون توصيل أفكارهم لقراء من المفترض أنهم في حاجة إلى من يمدهم بالمعرفة ويتيح لهم سبل التعلم، فماذا لو كان المعلم لصًا؟ وماذا يستفيد كاتب مثل محمود حسني من سرقة فقرات كاملة من كتاب لكاتب آخر؟ أي إغراء يدعوه للإقدام على خطوة كهذه؟ وفي حالة العايدي يبدو العبث في أبهى صوره، فأنت أمام أستاذ في العلوم الاجتماعية حصل على الدكتوراه بالسرقة، ثم حصل على تقدير رسمي من دولته بالسرقة أيضًا، ولكن يبدو أنه مجتهد في عمليات السرقة إذ لم يسرق البحث نفسه مرتين، فهو حصل على الدكتوراه ببحث مسروق، ثم انتقى آخر ليسرقه ويتقدم به لنيل “التشجيعية”، ثم يذهب للجامعة صبيحة اليوم التالي ليحاضر أمام طلابه ناصحًا إياهم بالكد والتعب والعمل الدؤوب ليحققوا نجاحات علمية ويشغلوا مناصب متقدمة، تمامًا كما فعل أستاذهم، وهو ما حدث حرفيًا في واقعة جامعة بسكرة الجزائرية.
أما في مجلة “فصول”، فالمسألة قد لا تبدو غريبة، إذا ناقشناها واستقبلناها في سياق الفشل الإداري المزمن لوزارة الثقافة والعبث في إدارة الملفات، ومجلة فصول واحدة من إصدارات الوزارة، ومن البدهي أن تتيقن من صحة المواد المرسلة لها، ومن البدهي أيضًا أن تتحقق من هوية الكتاب، لا أن تنشر لأشباح ثم تتهمهم بالسرقة وتتوعدهم بالمقاضاة! أية مقاضاة تلك التي يخشاها سارق متمرس، أو ربما شبح؟
ضفة ثالثة