السعودية والكويت ومجلس الأمن/ مصطفى اللباد
تدور في أروقة الأمم المتحدة تكهنات حول رغبة الكويت في تولي المقعد غير الدائم في مجلس الأمن، الذي رفضته السعودية بعد انتخابها له منتصف الشهر الجاري. وشكل الاعتذار السعودي عن عدم شغل المقعد سابقة لا مثيل لها في تاريخ الأمم المتحدة، ما يخلق ضبابية بشأن الإجراءات الواجب تطبيقها في هذه الحالة. حتى الآن لم تتأكد هذه التكهنات، ولكنها تذهب في حال تحققها باتجاه تأكيد فرضية أن الاعتذار السعودي جاء وفقاً لحسابات دقيقة تتعلق بالعائد والتكلفة من العضوية، كما جاء في مقال الأسبوع الماضي («السفير»: السعودية تمانع أميركا 21/10/2013). ويعود السبب في ذلك إلى أن العضوية في مجلس الأمن سترتب على السعودية المتصادمة مع التصورات الأميركية للشرق الأوسط الجديد، أعباء وتكلفة سياسية كبيرة، من دون أن تستطيع بناء كتلة تصويتية قادرة على التأثير في عملية التصويت داخل مجلس الأمن. سيكون تولي الكويت لمقعد السعودية مفيداً لحسابات الرياض، إذ ان الشراكة التاريخية بين البلدين الخليجيين ترجع إلى أكثر من مئة عام وتجعلها الأقرب إلى بعضهما البعض في الدائرة الخليجية. كما أن خبرة الكويت في التعامل الناعم مع التوازنات الإقليمية والطائفية، ترشحها لتكون محلاً لثقة الرياض؛ سواء في المعارك الديبلوماسية المقبلة في مجلس الأمن أو في التفاهمات الإقليمية المقبلة حكماً في المنطقة.
تشكل دولة الكويت الركن الشمالي الشرقي للجزيرة العربية، حيث تتقاسم حدوداً برية طويلة مع كل من العراق والسعودية وأخرى بحرية مع إيران. فرضت الجغرافيا على الكويت الصغيرة المساحة (17820 كيلومترا مربعاً) أن تتجاور مع دول إقليمية كبرى: العراق والسعودية وإيران، ما جعلها تاريخياً في مواجهة قدرية مع أخطار وجودية لا حل جذرياً ونهائياً لها. وللتدليل على هذه الفرضية يكفي أن نسترجع أحداث العام 1990، حين احتل العراق الكويت وأعلنها المحافظة التاسعة عشرة، ولم يحصل تحريرها إلا بتحالف عرمرم دولي وإقليمي في العام 1991. وإذ تعد الثروة نعمة في معظم الأحوال، إلا أن الثروة النفطية في الكويت (خامس أكبر احتياطي نفطي في العالم) جعلتها مطمعاً على الدوام لقوى من داخل المنطقة وخارجها. ومع كتلتها السكانية الصغيرة نسبياً مقارنة بجيرانها الأكبر، يصبح أمن الكويت مرتهناً موضوعياً بكفاءة حكامها في إدارة توازنات القوى الإقليمية والدولية لمصلحة بقاء بلدهم، والدليل الأكبر على ذلك بقاء الكويت في أربع حروب دارت على أراضيها وفي جوارها المباشر (حرب الخليج الأولى 1980ـ 1988، واحتلالها عام 1990 ثم تحريرها عام 1991 والغزو الأميركي للعراق 2003). ومع وقوع الكويت على مفترق طرق الفالق المذهبي السني ـ الشيعي، وجب على السياسة الداخلية الكويتية أن تكون محكومة دوماً بالتوازنات الجغرافية والإقليمية والطائفية. وبدورها، تحتم التوازنات الطائفية السنية ـ الشيعية على الكويت أن تكون أكثر نعومة في إدارة توازناتها الداخلية، أي ترسيخ التفاهم مع كل مكونات المجتمع الكويتي، بمن فيهم الشيعة الممثلون بوضوح في البرلمان الكويتي. بزغ نجم الكويت في نهاية سبعينيات وطيلة ثمانينيات القرن الماضي، إذ اعتبرت وقتذاك أكثر دول الخليج ليبرالية، فهي الملكية الدستورية الأكثر تطوراً بين دول الخليج العربية، وصاحبة البرلمان الأقوى خليجياً والذي يضم بين جنباته شرائح وطبقات المجتمع الإثنية والطائفية والأيديولوجية. احتضنت الكويت، في الفترة الممتدة من نهاية السبعينيات وحتى الغزو العراقي، أقلام الصحافة العربية ومشاهيرها، وعدّت متنفساً عز مثيله في منطقة الخليج العربي. إلا أن آثار الغزو العراقي المتمثلة في تدمير بنيتها التحتية أجبرت الكويت على تركيز الانتباه على إعادة الإعمار، فخفتت أضواء السياسة والصحافة فيها إلى حد كبير. بعدها خطفت دبي الأضواء الخليجية بانفتاحها الاقتصادي على العالم، قبل أن تنافسها الدوحة في ذلك في السنوات السبع الأخيرة مالياً وسياسياً وإعلامياً. ولا يخفى أن منافسة الدوحة لدبي كانت وكيلاً لطموح الدوحة العارم إلى مكانة خليجية، بالضد من السعودية وباقي الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. تأسيساً على ذلك، ومع التقارب النسبي في العلاقات السعودية ـ القطرية بالملف السوري، إلا أن الهوة التي تفصل حسابات الطرفين يصعب تجسيرها بالرغم من هذا التقارب الطارئ. في هذا السياق تظهر الكويت مجدداً كحاجة خليجية للتوازن بين مكونات مجلس التعاون، ما يزيدها أهمية على أهميتها من المنظار السعودي.
تفرض حقائق الجغرافيا والتاريخ والمصالح أن تتحالف الكويت مع السعودية، وفي الوقت نفسه ترطب الأجواء مع جارتيها الكبيرتين العراق وإيران. ويرتب هذا السلم الأولوياتي نتائج مريحة للرياض، التي ترغب في وجود جسور غير مباشرة إلى طهران عبر الكويت، بالرغم من التوتر الحالي في العلاقات. ومع توتر العلاقات السعودية ـ الأميركية بسبب تضارب الرؤى في النظر إلى توازنات الشرق الأوسط، تظهر حاجة إضافية إلى الكويت التي تملك علاقات ممتازة مع واشنطن بسبب احتياجاتها الأمنية. على ذلك يبدو الترشح الكويتي المحتمل لشغل مقعد مجلس الأمن غير الدائم بدلاً من السعودية مواتياً جداً لحسابات الرياض، المقبلة على توترات أكثر في علاقاتها مع واشنطن. سيتطلب تولي الكويت المقعد غير الدائم في مجلس الأمن أن تحوز الكويت دعم كتلة آسيا ـ الباسيفيكي، وكذلك على ثلثي أصوات الدول الأعضاء في الجمعية العامة، والبالغ عددهم 193 عضواً. يرتب الدور الكويتي المرتقب تعديلاً في التوازنات الخليجية على الضفة العربية ربما خصماً من رصيد الدوحة، بدعم وتشجيع سعوديين، وعلى الضفة الإيرانية بدور كويتي أنشط في تلطيف الاحتقانات الطائفية والتوصل إلى تفاهمات بين ضفتي الخليج. رفضت السعودية مقعد مجلس الأمن ولها أسبابها في حسابات العائد والتكلفة، وإظهار الاختلاف عن الإدارة الأميركية في رؤاها لتوازنات الشرق الأوسط، وعلى الأخص الأزمة السورية والحوار الأميركي ـ الإيراني. لكن الرياض في الوقت نفسه تفضل أن يذهب المقعد إلى دولة حليفة حتى تستطيع التأثير غير المباشر في مجريات الأمور، وإذا كانت الدولة الحليفة تملك رصيداً من الخبرة في التعامل الناعم والمباشر مع إيران والشيعة؛ فسيكون الأمر أكثر فائدة من المنظارين السعودي والخليجي، وهو بالتحديد حال الكويت اليوم.
بقطع النظر عن تحقق التكهنات الخاصة برغبة الكويت في تولي المقعد الدائم لمجلس الأمن الدولي الشاغر باعتذار السعودية من عدمها، يبدو أن هناك حاجة خليجية لعودة الكويت إلى الانخراط بفعالية أكبر في الشؤون الإقليمية. تدل السابقة التاريخية على أن الكويت سبق لها أن شغلت المقعد غير الدائم في مجلس الأمن خلال الفترة 1978ـ1979، والجدير بالملاحظة هنا أن عضويتها في مجلس الأمن الدولي ترافقت وقتذاك مع صعود نجمها السياسي والإعلامي في الخليج العربي. لكل الأسباب السالفة الذكر، واتساقاً مع السابقة التاريخية، يبدو أن هناك دوراً أكثر فعالية ينتظر الكويت في التوازنات الإقليمية الراهنة؛ ربما تكون العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي أبرز تجلياته.
السفير