صفحات العالم

السفارة الإسرائيلية والتلفزيون السوري!


طارق الحميد

بث التلفزيون السوري تقريرا ضمن إحدى نشراته الإخبارية ينتقد فيه ما كتبته في مقال «محاولة إحراق مصر» الثلاثاء الماضي، والذي انتقدت فيه اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة وجر مصر إلى أزمة غير مستحقة، أو مبررة.

والحقيقة لا أفهم ما الذي يغضب التلفزيون السوري من المقال، بل وما علاقته، أي التلفزيون، أصلا بما يحدث في مصر، فمن باب أولى أن يكون التلفزيون مشغولا بما يتعرض له السوريون العزل من قتل وقمع على يد القوات الأمنية للنظام الأسدي، كما أنه أمر غريب أن يهلل التلفزيون السوري لاقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وقد يقول قائل: إن التلفزيون السوري محسوب على نظام دائما ما يتحدث عن المقاومة والممانعة!

والرد بسيط، فمن باب أولى أن يحث التلفزيون السوري نظامه الأسدي على القيام بعمل ما تجاه إسرائيل من أجل تحرير الجولان، وليس لتحريض المصريين على الاصطدام بإسرائيل، فبين القاهرة وتل أبيب اتفاق سلام، ولا توجد أراض مصرية محتلة، وأيا كانت مشاعر العداء لإسرائيل في مصر إلا أن البلدين ليسا في حالة حرب، بينما الوضع مختلف تماما بين سوريا وإسرائيل.

ولذا، فإن تحمس التلفزيون السوري لمهاجمة كل من يحذر من مغبة جر مصر إلى صراع مع إسرائيل، أو أي طرف آخر، في هذه المرحلة، إن دل على شيء فإنما يدل على أن النظام الأسدي، وبالطبع من خلفهم إيران، يريدون، إذا لم يكونوا يخططون، جر مصر إلى صراعات إقليمية وداخلية من أجل محاولة حرف مسار إعادة بناء العملية السياسية والديمقراطية في مصر، وبالتالي دفع مصر إلى الابتعاد عن دورها الإقليمي الطبيعي، هذا فضلا عن زعزعة استقرارها الداخلي. وهذا ليس فقط من أجل إخراج مصر من المشهد السياسي، بل إن الهدف من ذلك أيضا هو رفع الضغط عن نظام الأسد الذي يواجه استحقاقا سوريا داخليا متمثلا في الثورة السورية الشعبية التي أتمت ستة أشهر دون كلل أو ملل.

وبالطبع، فإن اختيار إسرائيل للتصعيد معها مصريا يعد اختيارا متوقعا، ومتعودا عليه، من قبل النظام الأسدي، وكذلك من قبل الإيرانيين، وهذا ما فعلوه طوال السنوات العشر الماضية وباقتدار، ومن ينسى كيف خرج زعيم حزب الله في إحدى خطبه يوم أزمة خلية حزب الله في القاهرة محاضرا المصريين ومحرضا الجيش المصري للتحرك ضد النظام يومها، والعذر الحاضر، والدائم، هو الصراع مع إسرائيل، وبالطبع لا يمكن أن ننسى تصريح رامي مخلوف الشهير يوم اندلاع الثورة السورية حين قال إنه لا استقرار في تل أبيب ما لم يكن هناك استقرار في دمشق!

وعليه، فلا بد من التنبه هنا لأمرين أساسيين؛ أولهما، أن اعتراض التلفزيون السوري على مقال كتبناه ليس القصة، وإنما القصة هي أن النظام الأسدي لا يريد أي نصيحة تصب في مصلحة مصر، والأمر الآخر الذي يبدو أن الإعلام الأسدي لم يتنبه له أن القصة المحزنة اليوم أن العالم لا يحاول إنقاذ السوريين العزل من الاعتداءات الإسرائيلية، بل من اعتداءات أمن النظام الأسدي في دمشق، والفارق كبير!

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى