صفحات سورية

السقوط الناعم للنظام السوري !!


فاتح الشيخ

يجادل المتخاذلون عن أداء واجباتهم الوطنية أو العربية أو الدولية ، إزاء دعم الثورة الديمقراطية السورية ، أن الشعب الثائر لم يتحين الفرصة المناسبة  والمناخات الدولية الملائمة ، لإسقاط النظام السوري ، وبناء نظام ديمقراطي  غير مدركين أن الثورات لا يمكن أن تتأخر ولادتها ، إذا حان أوانها ، وتوفرت اشتراطاتها.

 ولقد علمتنا التجارب الثورية الديمقراطية للشعوب التي سبقتنا في الانتقال الديمقراطي ، أن التاريخ الإنساني يرفض الجمود والاحتجاز ، لاشتغاله وفق قوانين موضوعية حتمية ، وأولها تمدد المجتمع ووعيه ، ورفضه البقاء في صندوق السلطة ، لذا فإن النظام السوري كغيره من الأنظمة القمعية ، لن يستطيع إيقاف تقدم حركة التاريخ مهما أوتي من قوة وجبروت .

إن ثورة الشعب السوري العظيم ، لم تصنعها مواقع التواصل الاجتماعي ، ولم تفجرها القنوات الفضائية ، ولم تطلبها الجهات الأجنبية ، ولم تقدها المعارضات التقليدية ، بل كانت ثورة شعبية عفوية ، رداً على التدهور الحاصل في الحالة الوطنية ، وتراكم الكثير من الأسباب الفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية الدافعة لها ، التي صهرت جميع إرادات أبناء الوطن في إرادة واحدة.

ونتيجة الثورة التقنية والمعلوماتية ، وتشابك المصالح الوطنية والإقليمية والدولية في عصر العولمة ، أصبح من الطبيعي أن يلعب العامل الخارجي الدور المنوط به ، في دعم أو إضعاف أي نظام سياسي ، لكن العامل الوطني يبقى العامل المحوري الذي تتمحور حوله جميع المواقف الخارجية ، خاصة وأن الثورات الوطنية بطبيعتها تتمركز على ذاتها ، وفي مقدمتها الثورة السورية الأبية ، وليدة الحاجات الداخلية الضاغطة ، التي استطاعت فرض أجندتها على العالم الخارجي ، ووضعت حكوماته في مواقف حرجة أمام شعوبها ، وأمام المنظمات الدولية والحقوقية ، لكن جميع إجراءاتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية ضد النظام ، أتت بشكل غير متواز مع الجهد الثوري الداخلي ، عمقاً وتأثيراً وتوقيتاً .

إن الثورة السورية هي أصدق وأنبل الثورات لوطنيتها وعفويتها ، والتي لم تُعوِلُ على العامل الخارجي في تحقيق أهدافها منذ انطلاقتها ، بل اعتبرت إرادتها الشعبية الثائرة،  أُسُ الثورة وقوامها ، ووعت أن حسابات أهل الخارج على مصالحهم الآنية ، في حين أن حسابات أهل الداخل على وجودهم ومستقبلهم .

لقد أدركت الشعوب التي وصلت البر الديمقراطي ، أو المتجهة صوبه ،أن القوى الدولية النافذة ، لن تحدد مواقف واضحة وفعالة ، تجاه ما يجري في البلدان الثائرة ، في الوقت الذي تسارع فيه لقطف الثمرات ، التي روتها الشعوب بدمائها ، حال الشروع بتفكيك أنظمة الاستبداد .

ويبدو جلياً أن المجتمع الدولي منقسم بشكل حاد ، حيال الشأن السوري إلى فريقين أساسيين :

–    فريق داعم للنظام،  لأسباب مصلحية وطائفية ، ممثلاً بحكومات : روسيا  الصين ، إيران ، العراق ، لبنان .

–    وفريق داعم لسياسة السقوط الناعم للنظام،  لأسباب مصلحية ، ممثلاً بحكومات : بعض الدول العربية ، الاتحاد الأوربي ، الولايات المتحدة الأمريكية .

واللافت أنه بعد مرور أكثر من عام على اندلاع الثورة السورية ، فقد أخذت القوى الغربية ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، بالتبني العلني لأطروحات واتهامات ومقولات النظام السوري ، وبدء سريانها على ألسنة مسؤوليها  وهي :

    حتمية قيام حرب أهلية بين المكونات الوطنية

    تداعيات سقوط النظام على الجوار الإقليمي

    وقوع سورية في قبضة تنظيم القاعدة

    عدم وجود مشروع وطني بديل

ومن البداهة القول أن الحكومات الغربية المنافقة ، التي لا تعرف المبادئ الأخلاقية في السياسة الدولية ، ولا تستهدف سوى مصالحها الذاتية ، تعقل تماماً أن النظام السوري كغيره من الأنظمة القمعية الشمولية المنهارة في (بولندا تشيكوسلوفاكيا ، يوغوسلافيا ، بلغاريا ، هنغاريا ، رومانيا ، الاتحاد السوفيتي ، كمبوديا….) والقائمة حالياً في ( إيران ، كوريا الشمالية ، كوبا سوريا ) ، كونها أنظمة متمركزة على ذاتها لطبيعتها الهيكلية ، ليس لها من سقوط ناعم أو إصلاح أو حوار أو تفاوض أو تقاسم للسلطة ، باستثناء الانهيار التام دفعة واحدة أو البقاء التام لمرة واحدة ، باعتبارها طبيعة من طبائع الأنظمة الشمولية .

ونرى أن تبني القوى الغربية لأسطورة السقوط الناعم للنظام السوري   والمطروحة على أرض الواقع،  لما سمي  بالخطة العربية والدولية          (لكوفي عنان) تعود للدوافع التالية :

1-   عدم جاهزية الوضع الدولي لتغيير النظام ، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية ، والحملات الانتخابية للدول النافذة في السياسة الدولية  واتباع سياسة الانكفاء الداخلي ، خاصة عقب انسحابهم وهزيمتهم في كلٍ من العراق وأفغانستان.

2-   إمساك الكيان الصهيوني بملف تغيير النظام ، وإصراره على بقائه  باعتباره المقاول الحارس لكيانه ، حيث لا صوت يعلو فوق صوته في المنطقة حالياً .

3-   المطالبة بتحسين سلوك النظام لا إسقاطه ، والتي لا تعني لديهم سوى فك ارتباط النظام السوري بالنظام الإيراني فقط ، وعدم اكتراثهم بمعاناة الشعب السوري المقهور .

4-       إضعاف سورية ككل لعدة عقود قادمة ، وإشغالها بترتيب بيتها الداخلي عقب سقوط النظام .

5-   العمل على إجهاض الثورة السورية ،  باعتبارها قاطرة الثورات العربية ، التي ستغير وجه المنطقة ، والتي ستكون ديمقراطية المهام التنموية والتحررية والوحدوية الديمقراطية ، والتي تُذكرهم بالعهد الديمقراطي لخمسينيات القرن الماضي 1954 – 1958 الذي اتصف بالمناعة الوطنية ، وأفشل العديد من المؤامرات والمشاريع الخارجية.

6-    التنصل من المسؤوليات الدولية والأخلاقية ، تجاه ما يتعرض له الشعب السوري المجاهد من حرب إبادة وتهجير وتدمير .

إن اكتفاء الدول العظمى والأمم المتحدة بإصدار بيانات الإدانة ، تنفيذاً لسياسة السقوط الناعم للنظام ، مجسدة بخطة (عنان) ، اللا مبالية بدماء السوريين  والتي لم تتخذ حتى الآن إجراءات سريعة وفعالة ضده ، ستعود بأوخم العواقب على السلم الأهلي والإقليمي والدولي ، والتي ستكون كلفتها المستقبلية ، أعلى بكثير من كلفة تغيير النظام في القريب العاجل ، كونها ستجلب المزيد من الأزمات للمنطقة ، وتعيد رسم خرائطها ، وتسيل الكثير من دماء أهلها ، وستساعد النظام على تحقيق تهديداته بالعمل على : إشعال الحروب الأهلية في المنطقة، وتخريب الجوار الإقليمي برُمته .

وأخيراً / إن ثورة اللا عودة التي فجرها الشعب السوري المجاهد ، تتابع مسيرتها بكل ثقة واقتدار ، معتمدة على قواها الذاتية ، وأناها الوطنية المتمردة ، التي ستحفر قبر النظام بيديها الوطنيتين ، وتقيم النظام الديمقراطي الممهد لبناء الدولة الوطنية . شاء من شاء وأبى من أبى .

وبهذا تستحق الثورة السورية لقب : عروس الثورات العربية .

كاتب سوري مقيم في ألمانيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى