صفحات سورية

السكّر بالزهورات الحلال في قناة الوصال

 

احمد عمر

أعلن مرسوم سوري موعد انطلاق الانتخابات التشريعية، الذي يركض إليه النظام السوري ليثبت أن المجلس الجديد لن يكون روضة عيال ما كبرتش، وسنشهد فيه على الأغلب أعضاء غاضبين (يمثلون الغضب)، إذا تم الانتخاب، ‘بنزاهة وشفافية ‘ على أداء الحكومة. وربما يغيرون وزارة أو اثنتين في عصمة شهر واحد، وسيخرج عندها إعلاميون سوريون على الفضائيات ليقولوا: انظروا نحن ديمقراطيون أكثر من بريطانيا: ماذا تريدون أكثر من هذا. ومن المفارقات التاريخية الكبرى، أن التلفزيون السوري تبرع مرة ليوضح للمواطنين السوريين الذين كانوا يوما ثلاثة مليون زعيم يفهمون في السياسة وعلومها مثل هيلاري كلينتون أو أكثر أنّ المناقشات في مجلس الشعب والتي كان برنامج ساعة حرة ينقل منتخبات منها لا تعني أنها قرارات، وأن مناقشة موضوع الرواتب والأجور لا يعني أنها ستزيد، وان برنامج ساعة حرة لا يعني أنها حرة ولو لساعة من نهار!!

المريض السوري

تجاوز ‘المريض السوري’ اسكفة الحنين إلى الاستعمار، بعد أربعين سنة في زمهرير الاستبداد، إلى عتبة الوله به، والوله ضرب من الجنون، فأطراف كثيرة منهم يتمثلون قول الشاعر اليوناني كفافي ‘لقد كان البرابرة نوعا من الحل’ لكن الفرق بين شعارات المظاهرات وشعارات المسيرات هو كالفرق بين قناة الدبكة المتواصلة غنوة وقناة الأخبار المتواصلة الجزيرة، فالمظاهرات ترفع شعارات تنادي بالمطلق الذي لا يمكن لأي شعب واي إنسان إلا أن يتعاطف معه (الله سورية حرية وبس، يا الله ما إلنا غيرك يا الله، هيه والله ما بنركع إلا لله .. الله اكبر..) وهي شعارات لا يمكن قتلها بالرصاص والمدافع لأنها أبدية وعامة وإنسانية. ويبدو أن الحوار الذي سيطلقه كوفي عنان معجزة في سورية فقد احتاج إلى سنة من الدم، والى بطاقتين من الفيتو الأحمر لإطلاقه؟ لقد ظهر البحار السياسي كوفي عنان ناصحا: فمن المستحيل تغيير اتجاه الريح ومن الأفضل تغيير اتجاه الشراع، في الطين السوري المتحجر في النار!!

مسرحية نيكولاي غوغول

لكن السفن البرية التي تتنقل بكوفي عنان على الأرض السورية غربية فقد نقلته سفينة برية على أربع عجلات وهي ترقص وتومض وتغني، ثم ظهر في احد الأفلام وهو يستلم درعا من مجموعة ‘متحدة’ من رجال الدين السوريين المبتسمين المتفائلين الأنيقين المترفين، ويبدو عليه الاندهاش أكثر من الامتنان. إما من جمال الدرع التذكاري أو من سبب منحه! فهو أمين عام أمم متحدة سابق، ومتقاعد، ولم ينجح في المسعى الذي بدأه بعد بل انه جاء ‘بلا ورقة’ إلى بلد ‘بلا إصلاحات’ و’لا حرية’ و’لا مواطنة’. وربما يضطر رجال الدين المبتسمون المتفائلون الأنيقون المترفون إلى ‘سحب’ اللاوسام’ الذي منحوه بعد أيام، ويظهر عنان في الفلم الثاني وهو يفرغ ما لذّ وطاب من صحن اللا فضائي إلى صحنه، ولا مراء في أن السلطات السورية تقوم بواجب الضيافة ‘اللاعربي’. لنتذكر شهادة أنور مالك الذي قال أن الكرم يتجاوز الطعام إلى الإغراء فهل وقع المراقبون في المصيدة التي نصبها نيكولاي غوغول في مسرحية المفتش: اطعم الفم تستحي العين والقلم، واطعم العين يستحي اللسان.

أغلب الظن أن النظام السوري المنضم في أقصى طموحاته الإصلاحية ينوي الانتقال من الاستبداد المنضب إلى الاستبداد غير المنضب. تعمل الفضائيات السورية في هذه الأثناء والتجاعيد جاهدة على مسألتين أولها التركيز على ما يجري في غزة، وأفغانستان التي لم يعد يجدي معها أي تركيز إعلامي.

فقد صدئت القضية الفلسطينية وبات من الضروري تغيير الباب الذي يجب الدق عليه، نصف قرن أو بالأحرى ستون سنة والإعلام العربي عموما، والسوري خصوصا، وهو يندد ويشجب ويستنكر.. ولم تعد فلسطين تصلح حتى كحائط مبكى عربي. لقد كنا ندق على صخرة الوهم.

الرأي والرأي الآخر

من الشعارات الشهيرة التي تروج للرأي الآخر قول فولتير ‘أنا مستعد لبذل دمي في سبيل أن تعبر عن رأيك’ لكني أفضل عليه قول احمد بن إدريس الشافعي ‘رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب’ لأنه أكرم من قول فولتير بثلاثة معارج فهو يقر باحتمال الخطأ من طرف المتكلم سلفا واحتمال الصواب من طرف الخصم، كما انه قول سلميّ خال من الدم، أما تلميذه، وخاتمة الأئمة المشهورين أحمد بن حنبل فقد قال: لقد بذلت المجهود من نفسي وإني لأرجو أن أخرج منه كفافًا لا عليَّ ولا لي’. و ما دمنا في الأئمة فقد سئل الإمام أبو حنيفة: هل ما تقول هو الحق الذي لا مرية فيه؟ فقال: والله ما أدري، لعله الباطل الذي لا مرية فيه! ولا ندري إن كانت ستظهر قناة سورية يوما – في حينا – بشعار ‘الرأي الآخر والرأي’ ونغرق في دافئات المنى.

الأطفال في الثورة

شاهدنا أطفالا موالين وأطفالا معارضين في أفلام كثيرة، احدها في الجزيرة التي تشحذ سنان الثورة، وصوت طفل في قناة الحوار ينطق في الرمق الأخير جملة: الله سوريا حرية وبس. يصعب الجزم ببراءة الطفل في كيانات تلقن الناس الشعارات مع حلمة الأم والحليب الصناعي، قد يسميهم المراقب المستقل، استغلالا، لكن ثمت دول سكانها جميعا بقوا عند عتبة الطفولة لا يغادرونها، لكن الثورة تجعل الشعوب تكبر فجأة، و مهما لعب الآباء بالأطفال فإن ثمالة براءة تبقى كامنة. فمَا مِنْ مَوْلُودٍ إلا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ (فالسلطة الشمولية تبعّثه أو تمركسه أو تدجنه) كَمَا تُنْتَجُ (تولد) البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ (سليمة) هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ (مشوهة).

وقد خاب ظني، عندما رأيت التلفزيون الرسمي السوري يحتفل بعيد ثورة الثامن من آذار، العيد الذي أوصل ‘اللابعث’ إلى السلطة.

مفاجآت

– ظهور شعارات دينية كشعارات الشارع السوري مثل الله أكبر في مظاهرات القامشلي وعامودا!!

– احساس زهير سالم بالخجل عندما صادته عدسة الكاميرا في قناة الحوار التي كانت تجمع التبرعات للنازحين السوريين، فارتبك، بينما يظهر شيخ في احد الاقنية الطائفية وهو يشرب الزهورات على أنات هادي العبد الله الباكية المستغيثة. الزهورات طبعا مشروب حلال شرعا.

– يبدو أن كتيبة الفاروق ‘ارتكبت’ قبيل انعقاد مجلس الأمن مجزرة كرم الزيتون للاستثمار فيها لكن لم نعرف لم تركت توقيعها على الحيطان!؟

– يستشهد إعلامي سوري بتسلح المعارضة من فلم لأحمد موفق زيدان ثم يستنكره برنامج سوري في نفس القناة زاعما أن الفلم هو في أرض تركية فلا احد يجرؤ على وطء الارض السورية .. المباركة!

كاتب من كوكب الأرض

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى