السلطة, أو دونها الحرب الاهلية او الموت
د.طيب تيزيني
على امتداد سنين طويلة تقترب من نصف قرن, قام رؤوس النظام الامني او الدولة الأمنية في العالم العربي بانجاز مهمة قد تدخل في “خانة اعمال ابليس”. اما هذه الاعمال فقد نكثف القول فيها بأنها تُفضي مع الزمن الى ان يصبح البدء باصلاح هذا البلد العربي او ذاك أمرا مستحيلا او فائق الخطورة. اما السبب الكامن وراء ذلك فيقوم على المُعطى التالي: ان الاستفراد بالسلطة وبالثروة الوطنية فتح ابوابا هائلة امام مزيد من ذلك الاستفراد بكلا الحقلين المذكورين; مِمّا راح ينتج حالة من الهوس الخطير لدى المعنّيين يسدّ امامهم حالات المراجعة الاصلاحية الفعلية, ولو بقدر ما.
وبحسب آليات الفساد والإفساد, يمكن ان ينتهي ذلك الى تحويل “القاتل ايضا الى قتيل” بحيث يصبح هذان الدوران خاضعين لتبادل أدوار مطردة, فكلما تعاظمت العملية, وجدنا انفسنا امام احوال تزداد استحالة في الطريق الى لجْم الفساد والإفساد. ومن ثم, تكفّ رهانات الاصلاح الوطني الديمقراطي عن ان تفصح عن نفسها, يدا بيد مع استفحال الادوار السلطوية في إضعاف ثم في انهاء الامر ويحدث ذلك بل يفرض نفسه حتى على من وقعوا تحت قبضة تلك “الثنائية – الفساد والافساد” اذ في هذه الحال, يكون قد نشأ وتبلور وتعفى جيل من الفاسدين المفسدين, الذين يمارسون ادوارا تتلخص في كونها قائمة على شبكة او شبكات تديرها مرجعيات تنحدر من اعلى الاعلى, اي ممن يصدرون القرارات.
المهم في ذلك هو انه يصبح الاصلاح عبئا على من يسعى الى ذلك او من يرغب في تخفيفه وضبطه: في هذه الحال, يفضي الاصلاح حقا الى رقاب من يملك السلطة والثروة خصوصا, وهكذا.. ونضع يدنا على ما يصبح اخطر من ذلك, حين تقترن ثنائية الفساد والافساد بجرائم جنائية ترتكب باسم حقوق الانسان, حيث يكون كل شيء مستباحا او قابل للاستباحة, وحيث نصل الى هذه المصائر يغدو القيام بخطوات اصلاحية في الحقل السياسي مطلباً حاسماً (كانجاز خطوات فاعلة لانهاء العمل بمقتضى حزب واحد يحكم البلد وما فيها, والاحتفاظ بارتال من السجناء السياسيين ومن سجناء الرأي والضمير, اضافة الى استمرار هيمنة نمط من الاجهزة الامنية بدلا من حياة مدنية وسياسية برلمانية وغيرها).
واذا كان الامر قد افضى الى تلك النهايات التي تتلخص في المعادلة التالية: اما الاستمرار في الاستفراد بالسلطة وبالثروة والاعلام والمرجعية, دونما مشاركة حقيقية من اوساط الفئات الاجتماعية والمؤسسات السياسية والمدنية.. الخ وذلك بحكم الغَلبَة الاخطبوطية التي تحدث عنها او عن ما يقاربها ابن خلدون نقول اما هذا واما فتح الابواب امام, احتمالات حرب اهلية عامة او طائفية خاصة او غيرها مما يدخل في هذا الحقل ويقود الى التدخلات الاجنبية وهذا سيجعل الجميع من هذا البلد العربي او ذاك صيداً ثمينا في ايدي الاغيار.
* سورية
العرب اليوم