السوريات العاملات فريسة الحرب/ مروان أبو خالد
تعتبر المرأة السورية أكثر الشرائح الاجتماعية تضرراً نتيجة للحرب التي أشعلها النظام وما نتج منها من انهيار اقتصادي واجتماعي. إذ شكّلت النساء اللواتي قتلن حوالي 9% من إجمالي عدد الضحايا في سورية حتى الآن، كما تمثل العاطلات عن العمل، فضلاً عن اللواتي خسرن عملهن، ما يزيد عن 50% من الحجم الكلي للبطالة.
وتشير الإحصاءات الحكومية إلى أن القوة العاملة النسوية تبلغ 13-16% من مجموع القوى العاملة في سورية، يعمل نصفهن تقريباً في القطاع العام. وقد أفاد تقرير صادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في العام الماضي، أن هناك 462 ألف شخص في سورية قد حولوا منازلهم الى مراكز عمل، تشكل النساء منهم ما نسبته 73%. في حين أشارت دراسات أخرى إلى وجود أكثر من نصف مليون إمرأة سورية دفعتهن ظروف الحرب وصعوبة أوضاع المعيشة، إلى ممارسة أعمال مختلفة في منازلهن كتجفيف الفواكه وتقطيع الخضروات المختلفة لمصلحة المحلات والأسواق، بالإضافة إلى أعمال الخياطة والتطريز ومصنوعات القش وغيرها. علماً أن حوالي 39% من العاملات في منازلهن لا يتقاضين أجراً.
تشرح أم أحمد لـ”المدن”: “كنت أملك محلاً للخياطة النسائية في منطقة القابون بدمشق، وبعد المعارك العنيفة التي شهدتها المنطقة، انتقلت للعمل في منزلي الذي تحول الى ورشة خياطة، حيث تعمل معي عشر سيدات أخريات، وأقوم بالتسويق في دول الجوار، خصوصاً في الأردن، عبر زبائني الذين غادروا البلاد”.
إلى ذلك، تخضع المرأة السورية لشتى أنواع الاستغلال في سوق العمل، حيث تعاني النساء العاملات من انخفاض أجورهن. في قطاع الخدمات الذي يعمل به قرابة 317 ألف عاملة تتراوح الأجور ما بين 5-8 ألاف ليرة سورية، لـ8 ساعات عمل يومياً، وليس وضع العاملات في الصناعة والبالغ عددهن 34 ألف عاملة بأحسن حال، حيث لا تزيد أجورهن وسطياً عن 10 ألاف ليرة سورية. ويبلغ الاستغلال ذروته في الريف حيث 80% من النساء العاملات، يعملن في الزراعة وتربية المواشي لساعات غير محددة في اليوم، إما مجاناً لمصلحة أسرهن، أو بأجر لا يتعدى قوت يومهن. بديهي القول أن استغلال عمل النساء يعتبر من الوسائل التي يلجأ إليها رأس المال من أجل خفض مستويات الأجور، حيث تستخدم النساء كوسيلة لخلق فائض عرض من قوة العمل في السوق، بحيث تسمح لأرباب العمل بإبقاء مستويات الأجور متدنية.
ويترافق هذا الاستغلال مع المخاطر اليومية التي تتحملها النساء العاملات نظراً للظروف الأمنية الصعبة وتعقد طرق المواصلات، وفي ظل الخوف المتصاعد من القتل والخطف والاغتصاب، حيث تم توثيق 37 ألف حالة اغتصاب في محافظة ريف دمشق بمفردها، بالإضافة إلى حوالي الألف مخطوفة، ناهيك عن النساء المعتقلات في السجون، والمفقودات اللواتي لا توجد إحصائيات دقيقة حول أعدادهن. وتفسر ظروف الضغط النفسي هذه واقعة ان 76% من الأدوية المهدئة في سورية يتم شراؤها من قبل النساء العاملات حسب بعض الدراسات الاجتماعية.
وقد دفعت ظروف الحرب المرأة السورية إلى ميادين عمل جديدة لم تدخلها سابقاً، مثل العمل في مجال البناء، الأمر الذي تعرّضت له أم عاطف من السويداء بقولها: “يعمل زوجي كمعلم بناء، وأقوم بمساعدته في هذا العمل حتى أوفر عليه أجر استخدام عامل والذي لن يقل عن 1000 ليرة في اليوم. لاشك أنه عمل متعب ولا يليق بالنساء، ولكن لا خيار آخر أمامنا”. يضاف إلى ذلك أن الفقر والحاجة دفعت بأعداد كبيرة من النساء الى ممارسة أعمال غير لائقة كجمع النفايات والدعارة وغيرها من الأعمال التي تخضع فيها المرأة لشتى ظروف العبودية والاستغلال.
والحال ان السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اعتمدها النظام أسهمت جوهرياً في الوضع المزري الذي ترزح المرأة العاملة تحت وطأته. ولا أدل على هذا الواقع القاتم سوى حقيقة أن عدد النساء القادرات على العمل يبلغ حوالي 5 ملايين، لا يعمل منهن فعلياً سوى 630 ألفاً فقط، بحسب الإحصاءات الرسمية المتوافرة.
المدن