السوريون الغاضبون جدًا!/ فايز سارة
السوريون غاضبون. تلك حقيقة واضحة في الواقع السوري. ولغضب السوريين ألف سبب وسبب. يبدأ غضبهم من سياسات وممارسات نظامهم المستمر لنحو خمسة أعوام في أعماله الإجرامية قتلاً وجرحًا واعتقالاً وتدميرًا للممتلكات الخاصة والعامة، وتهجيرًا للسوريين داخل وطنهم وخارجه، وقد استدعى في خلالها التدخلات الخارجية لتصير أطرافًا في القضية السورية، فبدأ بإيران وميليشياتها المتعددة الجنسيات من حزب الله اللبناني إلى الميليشيات الشيعية العراقية، وأخواتها الأفغانية والإيرانية وصولاً إلى التدخل الروسي، وكلها جلبت مقاتليها وأسلحتها، بما فيها الطائرات والصواريخ البالستية العابرة للقارات، لتتشارك في قتل السوريين وتدمير بلدهم تحت شعارات محاربة الإرهاب، وحماية نظام الأسد، ومنع التدخلات الخارجية الهادفة إلى تغيير النظام بعيدًا عن قرار الشعب السوري..!
وغاضبون من جماعات التطرف والإرهاب، وقد جاء أغلب قياداتها والمنتمون لها من شتات العالم، ليقيموا تنظيماتهم، ويبشروا بتطرفهم، ويمارسوا إرهابهم، وينشروا الفوضى والقتل والدمار والتهجير في سوريا، بالتزامن مع توسيع نشاطاتهم الدموية في المحيط الإقليمي والدولي، عاملين على حرف ثورة السوريين، وتحميل أصحابها أعباء ما يرتكبونه من جرائم.
السوريون غاضبون من معارضتهم السياسية والعسكرية، التي ما استطاعت رغم تضحيات السوريين ومعاناتهم، أن تستوعب أهداف الشعب وطموحاته، وأن تتخذ من السياسات والإجراءات ما يضع أهداف السوريين على سكة الانتصار والانتقال من نظام الاستبداد والقتل والتهجير إلى نظام ديمقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة للسوريين. بل المعارضة عجزت عن تحقيق ما هو أدنى من ذلك لجهة توحيد خطابها السياسي وأدائها العسكري، وعجزت عن إدارة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بطريقة تختلف جوهريًا عن إدارة النظام للمناطق التي ما زال يسيطر عليها.
والغضب السوري ممتد أيضًا حيال «أصدقاء الشعب السوري» من دول ومنظمات، أعلنت مساندتها بصورة متفاوتة لثورة السوريين، وساندت مطالبهم من أجل الحرية والكرامة، ليس فقط لأن هذه الدول عجزت عن تقديم المساعدة السياسية في وقف سياسات وممارسات النظام، التي تهدد السلم والأمن الدوليين في مجرياتها وتداعياتها الإقليمية والدولية، إنما لأن تلك الدول والمنظمات اتبعت سياسات مترددة ومتقلبة، وتخلت عن شعارات وقيم منها الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، طالما اعتبرتها قيمًا لعالم اليوم، بل إن تلك الدول والمنظمات، عجزت أو تقاعست عن القيام بواجبها الإنساني في تقديم العون الإغاثي لسوريين شردتهم حرب النظام وحلفائه، وممارسات جماعات التطرف والإرهاب من «داعش» و«النصرة» وأخواتهما من تفريعات «القاعدة».
غضب السوريين لا يقتصر في أسبابه على ما حدث، إنما ممتد إلى المستقبل، وما سيؤدي إليه من نتائج. لعل الأبرز فيها أنه ليس من أمل واضح للسوريين في أن قضيتهم تسير نحو حل سواء سياسي أو عسكري، وهو أمر يصعد بغضبهم، لأن ذلك يعني أن مسيرة القتل والدمار والتهجير مستمر، وأن نتائجها سوف تتصاعد، وأن قضيتهم ذاهبة إلى مزيد من التعقيد أكثر فأكثر، بفعل تزايد التدخلات الخارجية في قضيتهم، مما يبعد الحلول ويجعلها أصعب على نحو ما بينت تجربة السنوات الماضية.
وغضب السوريين من أجل المستقبل لا يستند فقط إلى خساراتهم لقدراتهم وخبراتهم البشرية، التي قتل وعطل وغيب في السجون والمعتقلات ما يزيد على مليون شخص منها على أيدي النظام وحلفائه والإرهابيين والمتطرفين وغيرهم، بل أيضًا بفعل التشرد واللجوء والهجرة، التي صار إليها أكثر من نصف السوريين، وكله يُضاف إلى غضبهم من وقف تعليم أطفالهم ومعالجة مرضاهم والمصابين منهم، مما يعني ضياع إمكانيات المستقبل، التي يمكن أن تتولى إعادة بناء سوريا عندما يتوقف رصاص القتل ويعود السلام إلى سوريا.
كل ما سبق بين أسباب الغضب السوري الحالي، وثمة أسباب أخرى كثيرة قد تكون أقل أهمية، وقد يراها البعض خلاف ذلك، لكنها أسباب لغضب شعب يتعرض لتجربة قد لا تماثلها تجربة مأساوية في التاريخ المكتوب للبشرية.
غير أن الغضب وحده لا يغير الواقع الذي صار إليه السوريون، وما يمكن أن يصيروا إليه في المستقبل، مما يفرض تحول الغضب إلى فعل، وليس أي فعل كان، بل أن يتحول الغضب إلى فعل إيجابي هدفه إحداث تحولات جذرية في واقع السوريين وقضيتهم، بنقل الواقع من سيئ إلى أحسن، ودفع القضية السورية على طريق الحل.
ولعل المفصل الأساسي في تغيير واقع الشعب السوري، يكمن في استنهاض قواه، خصوصًا قوى معارضته، ووضعها أمام مسؤولياتها التاريخية في لملمة الأوضاع سياسيًا وعسكريًا، وهو أمر مفتوح اليوم على أبواب مؤتمر المعارضة السورية في الرياض الذي قد يكون أهم مؤتمر للمعارضة في السنوات الماضية، خصوصًا أن المؤتمر يفترض أن يرسم ملامح خطة سورية للحل السياسي بعد أن تعددت الخطط رغم تقاربها، وأن يشكل وفدًا للتفاوض حين تبدأ مفاوضات الحل، بما يشيع جوًا من التفاهم والتفاؤل بقرب نهاية الكارثة السورية بالاستفادة من الحراك الدولي الراهن، عندها فقط يمكن القول إن الغضب السوري اتخذ مسارًا للخروج من كونه مجرد غضب، وإنه تحول إلى فعل إيجابي لصالح الشعب السوري وقضيته.
نقلاً عن الشرق الأوسط