السوريون بين الحرب الأهلية وطلب الحماية الدولية
جهاد صالح
الوضع السوري يتجه لمنحى خطير ويسير نحو تصادم داخلي يوما بعد يوم، نتيجة زيادة وتيرة العنف وعمليات القتل المنظّمة بحق المتظاهرين السلميين، وعدم خضوع النظام لكل الضغوط الداخلية والعربية والدولية، مع جمود مجلس الأمن أمام الفيتو الروسي والصيني ،رغم محاولات النظام السوري توجيه البلاد ألى حرب أهلية ، أو بدقيق العبارة لحرب (علوية-سنية). فالنظام وقادة البعث وصنّاع الموت من جنرالات المخابرات السورية يتفنّون في حبكة صناعة الفتنة الطائفية وشحن المجتمع بثقافة الكراهية والإنتقام، وخاصة في مناطق التماس بين العلويين والسنة في حمص واللاذقية وحماه وأدلب وبانياس ، وذلك باستعمال شبيحته من ابناء الطائفة العلوية خصوصا في عمليات قصف المدن والقتل والإعتقال وممارسات التعذيب بحق المتظاهرين ، ونشره أنباء داخل المناطق العلوية أن الثورة هي سنية أصولية ستقضي على الطائفة العلوية ،وهذا هو السبب الرئيسي لعدم انقلابها على النظام وانضمامهم للثورة،أضافة لعامل الخوف والعقاب.
أن ممارسات جيش الأسد على الأرض تعكس معركة بقاء ومصير لحكم البعث والعائلة الأسدية في سوريا، مع يقينه أنها المعركة الأخيرة له،ولهذا يريدها حرب أهلية درءا لتدخل دولي عسكري ، وأسلوب ضغط وترهيب في المنطقة ،وكسبا للوقت ، على أمل عقد صفقة أو أنصاف حلول بينه وبين المعارضة ، أفضل من السقوط الكلّي والسيناريو الليبي. وهذا عكسه وليد المعلم حين دعا مؤخرا قوى المعارضة للحوار الوطني.
سوريا تتجه لحرب أهلية ، رغم أن الشعب السوري لايريدها،ولكن هناك عوامل قسرية ستضع الجميع في ساحة المواجهة المسلّحة، النظام العنيد ومعركته في كسر الثورة بالموت والدم والطائفية ، تشتت المعارضة وتشرذمها ، تنظيما وسياسة ، رفض المجلس الوطني السوري للتدخل الدولي وضبابيته في آلية اسقاط النظام، وهذا ما يدفع بالقوى الكبرى للتذرع بعدم التخل العسكري أو الإنساني، لرفض المجلس الوطني هذا الشيء.
نشرت منظمة هيومان رايتس في تقريرها الأخير عن الأحداث في مدينة حمص (وكأننا في حرب-11 نوفمبر ):” أن طبيعة وحجم الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن السورية في شتى أنحاء سوريا تشير إلى احتمال وقوع جرائم ضد الإنسانية. وإن أوجه الشبه بين وقائع القتل غير القانوني – كإطلاق قوات الأمن النار على المتظاهرين دون تحذير في حالات عديدة–والاحتجاز التعسفي، والاختفاءات والتعذيب،كلها تشير إلى وجود اعتداء موسع وممنهج على السكان المدنيين، بدعم من الدولة.
ورغم ارتفاع عدد القتلى في حملة القمع السورية، كان رد الفعل الدولي على أزمة حقوق الإنسان هذه بطيئاً للغاية وغير متناسب”.
تقوم قوات الأمن السورية بتسويق المتظاهرين أثناء أعتقالهم ألى مناطق سكن العلويين وتطلب منهم ضربهم وأهانتهم لمطالبتهم بالحرية واسقاط النظام،وهذه أحدى أساليب الشحن الطائفي وزرع الفتنة داخل المجتمع السوري، بغية أشعال الحرب الأهلية وكسر الطوق من حوله.
الحالة الداخلية للسورين يرثى لها ، فأضافة لكل الإنتهاكات الوحشية بحق المدنيين المطالبين بالحرية ، هناك أزمة غذائية وشحّ في المحروقات والغاز وارتفاع ناري في الأسعار ،وهي سياسة ضغطية يمارسها النظام إلى جانب العنف بحق الثورة السورية لإجبارهم على الرضوخ ووقف التظاهر. أن المشهد الدموي والجرائم المنظمة بحق السوريين تدخل ضمن الجرائم بحق الانسانية ،وفي ظلّ لا فعل المعارضة وفقدانها لبرنامج وطني وسياسي يضع المجتمع الدولي أمام واجباته ومسؤولياته بالتدخل السريع، واللجوء للحلول الدبلوماسية بدلا من طلب الحماية الدولية والتدخل الانساني، تحولت جماعات داخل الثورة ألى حالة الدفاع عن النفس ، واللجوء للقوة،وهذا ما يقوم به العسكر المنشقون وبعض العناصر المدنية التي لم تعد تطيق الإهانات وصمت العالم على جرائم الأسد .
أنها رائحة الحرب وطبولها ،هذا هو عنوان يفرض نفسه على مجريات الأحداث، ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أكدت على تخوفها من حرب أهلية وشيكة في سوريا ، ورغم هذا نجد المجلس الوطني السوري يرفض التدخل الدولي العسكري ويدعوا الثوار في الداخل ألى عدم الإنجرار للحرب الأهلية وثقافة الطائفية. لكن سيلان الدماء وتزايد أعداد الشهداء مع زيادة وحشية النظام يضعنا أمام خيار واحد وهو تحويل النظام مع أركانه للمحكمة الجنائية الدولية وسيستتبعها فعلا قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع لوقف كل الجرائم بحق الانسانية في سوريا. وهذا مطلب شعبي تعكسه باستمرار هتافات ولافتات الثورة في المدن المنتفضة.
لكن ومن المؤسف في غياب تحرّك جماعي من مجلس الأمن، دعت هيومن رايتس ووتش جميع الدول أعضاء الأمم المتحدة للتحرك من خلال الجمعية العامة للمبادرة بفرض إجراءات لحماية الشعب السوري ووضع نهاية لكل المجازر اليومية ، وهكذا نظام قمعي ووحشي يستحق أن يطبّق بحقه كل الوسائل التي تنهيه وتضع حدا لغطرسته، ليكتب للسوريين الحرية والديمقراطية.