السوريون لاجئون… لا إرهابيون/ كوبنهاغن ــ ناصر السهلي
يشير الرئيس السوري بشار الأسد، إلى اللاجئين السوريين باعتبارهم خليطاً، وأن أغلبيتهم من السوريين الشرفاء الوطنيين. لكنه يقول إن “هناك إرهابيين تسللوا بينهم، وإن هذا أمر حقيقي”، وهو ما نقلته وكالة “رويترز” عن التلفزيون التشيكي.
المتابع لليأس الإعلامي للنظام السوري في محاولة الدخول إلى “المنطقة الدافئة” بالبحث عن شرعية خارجية، سيلحظ ذلك النوع الرديء من الدعاية في مسيرة طويلة من كسب رضا وإعجاب الغرب.
وسائل إعلام وصحف تابعة ومؤيدة للنظام السوري اعتمدت قراءة خاصة جداً لقصة اللجوء التي انطلقت في يونيو/ حزيران 2011، حيث كانت الانطلاقة نحو تركيا. على قناة “الدنيا” قال بعض “المختصين” حرفياً: “لدينا معلومات مؤكدة بأن تركيا بنت تلك المعسكرات قبل فترة طويلة وتدفع 20 ألف دولار لمن يترك سورية كلاجئ”. تلك لم تكن مزحة ثقيلة بل حجراً أُلقي على عقول المصدّقين لـ”المؤامرة الكونية”.
الفهم الدعائي الرديء جرى التصديق عليه بجيش من “مستشارين إعلاميين”. يتباكى هؤلاء من ناحية على اللاجئين وما يعانونه، ويمرون سريعاً على صور الغرقى. في المقابل يصفون على صفحاتهم هؤلاء اللاجئين الهاربين من تحت القصف والتدمير بـ”الخونة والعملاء الذين يستحقون ما يجري لهم”، وهو توصيف ساهم بنشره من يسمون أنفسهم “نخباً”، ويعاكس تماما ما يصف به الأسد “أغلبية اللاجئين”.
كان كل شيء إذاً مفبركاً منذ البداية، مجسمات ومليارات دُفعت لإنتاج أفلام “سقوط دمشق”، لكن التتابع الكارثي المصدّق للرواية منذ بدايتها يصل إلى خلاصة أفظع في كارثيتها من الأولى.
لن نذهب إلى أبعد من سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث تكدس الآلاف على حدود المجر وفي عاصمتها. استنفر اليمين الغربي ودخل في تحالف استخدمت فيه شتى أنواع الدعاية والتحريض على هؤلاء اللاجئين، وسبق أن أشرنا للأكاذيب التي مارستها حكومة اليمين في المجر وحكومات التشيك والدنمارك، لا حاجة هنا للتذكير بالسؤال: “لماذا المجر والتشيك تحديداً؟”. يكفي أن نفهم بأن الأسد مستعد لأن يقابل أي وسيلة إعلامية ولو كانت فاشية مغمورة تنشر
تحريضاً إلكترونياً لتتحوّل اقتباساتها إلى أخبار ذات قيمة في وكالة “سانا الرسمية”.
كمثل على القيمة الرديئة في البحث عن مكان بين الدول ذات السيادة، قرأنا في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم خبراً حيث نقلت وكالة “سانا” عن “نائب رئيس تحرير مجلة أي تي ام” التشيكية دوشان روفينسكي مادة من 168 كلمة لمن سمّته “خبيرا عسكريا” يتهكّم فيها على “أكاذيب استهداف الروس للمدنيين”، ويؤكد بأنه “ليس بالإمكان أيجاد حل بدون الرئيس بشار الأسد”. فلمن تبث “سانا” تأكيداً صحافياً تشيكياً لما تؤكده يوميا في تقاريرها؟ بالتأكيد ليس للمواطن الغربي…
لكن عند استقبال الأسد خلال الأشهر الماضية أي صحافي سويدي أو منغولي أو تشيلي وبريطاني فإن الهدف الدعائي واضح، أن تنقل وكالات حديثه وتقتبس الصحف الغربية ما يفيد بتوكيد وجهة نظر يمينها القومي المتشدد لصناعة رأي عام بات يتبدّل تجاه اللاجئين حتى في السويد التي كانت الأكثر ترحيباً وانفتاحاً.
بعد هجوم شارلي إيبدو بداية عام 2015، نُشر لقاء مع مجلة شهرية تشيكية “Literarni Noviny Newspaper”، وهنا بطريقة أو أخرى تجري اللعبة، حيث لا تتردد “رويترز” وغيرها في نشر أي لقاء في الصحف الغربية. والرسالة واضحة، برجاء وتوسّل كبيرين، أن يُقبَل “السيد الرئيس” كمقاتل عنيد بوجه “الإرهاب”، فهو “لا يكفي الوطن العربي ليحكمه بل يستحق أن يحكم العالم”، كما قفز ذات يوم أحد أعضاء مجلس التصفيق.
صحيح بأن صحفاً غربية رزينة لا تستخدم تلك المقالات ولا المقابلات أو التصاريح، بل تتهكّم عليها وبذلك تصبح بضاعة بمفعول عكسي، خاصةً حين يقول الأسد “إن سياسة الحكومات الغربية مسؤولة عن الهجوم الدموي في باريس”، أو حين يهدد ويحذر مردداً “هناك المزيد والمزيد من الهجمات”، فإن بعض الزملاء الغربيين يسألون مباشرة: “هل نحن أمام رئيس أم مسؤول خلايا إرهابية يعرف لماذا ومتى ستضرب؟”.
لم تبق وسيلة إعلام غربية، خاصةً في الدول المحكومة بصناعة رأي عام عبر ما تبثه، إلا واقتبست ما قاله الأسد تحديداً عن اللاجئين السوريين: “البسطاء العاديون والوطنيون، لكن بينهم إرهابيون”. ونقلاً عن “رويترز” أيضاً، اقتبست كل وسائل الإعلام المحلية في دول الشمال ووسط أوروبا حيث ينتشر لاجئون سوريون ذلك الكلام الغير دقيق الذي يكرره اليمين المتطرف في الغرب.
ما يهم مئات آلاف البشر الباحثين عن حياة بعيدا عن براميل الأسد وصواريخ حلفائه الروس والإيرانيين ليس أن يصفهم بـ”الوطنيين”، بقدر ما تحمله الصيغ المبهمة والإسقاطات التعميمية كنوع من التحريض على هؤلاء الذين يغامرون بحراً وبراً بحياتهم وأطفالهم بحثاً عن النجاة كغريزة طبيعية.
لقد خبر السوريون، ومن يعرف ظروف حياتهم، 5 أعوام من التشويه وقلب الحقائق وبث الأكاذيب والاتهام بالخيانة والعمالة واعتبار الملايين من السوريين “حاضنة للإرهاب”.
العربي الجديد