السوريون: «ما إلنا غيرك يا الله»
عمر كوجري
دون التسلح بالتفاؤل الأقرب إلى السطحية الفجة، الموضوع السوري يدخل في نفق مظلم، حيث لا يلوح في الأفق القريب أفقٌ.
يتجلى هذا التشاؤم بعد التطورات الدبلوماسية الأخيرة سواء في الجامعة العربية أو مجلس الأمن، والاستعمال المزدوج للفيتو الروسي الصيني الذي قال للفريق العربي والغربي : استوووب!!
على الأرض، الأوضاع أكثر من كارثية، النظام بدعوى ملاحقة فلول«التنظيمات الإرهابية» نشر الجيش السوري على الأرض السورية من درعا في أقصى الجنوب إلى القامشلي في أقصى الشمال الشرقي، بيد أن نصيب مدينة حمص هو الأكبر في هذا الدمار، ويبدو النظام منتشياً بالفيتو سياسياً، وبدأ حسمه العسكري على الأرض غير آبه بتنديد هنا أو سحب سفراء للتشاور من هناك أو حتى طرد لسفراء ودبلوماسيين من مكان آخر، فهذه الرسائل لم تعد تعنيه في شيء!!
المعارضة السورية متشظية ومنقسمة هي أيضاً، فثمة فريق لا يرى حلاً أو أفقاً دون تدويل” المجلس الوطني السوري” في حين أن التدويل المرجو يبدو بعيد المنال على الأقل في الوقت الحالي، وثمة فريق” هيئة التنسيق الوطنية” مازال متأملاً شيئاً من الدور الروسي، ومتعوّلاً على زيارة لافروف الأخيرة إلى دمشق،وإمكانية الوصول لحلول سياسية مرضية وسط ثلوج موسكو القاسية، بشروط النظام، واستبعاد موضوع تنحي الرئيس أو حظر بيع الأسلحة باعتبار أن الاتفاقيات بهذا الشأن بين دمشق وموسكو هي عن أسلحة غير تقليدية، والزيارة الأخيرة والأولى لوفد سوري معارض إلى الصين أيضاً تصبُّ في هذا الجانب، أي إعادة الورقة السورية للانكفاء إلى الداخل المدعوم خارجياً من الروس والصينيين.
على الأرض ومن المنظار الشعبي يبدو السوريون في وضع لا يحسدون عليه، فلا النظام نجح في حسمه الأمني، وحالياً العسكري، ولا المظاهرات الشعبية التي أصبحت عارمة وشبه شاملة مؤخراً، أو حتى عمليات الجيش الحر استطاعت حسم المعركة مع النظام على الأرض.
يبدو جلياً أن الحسم مع النظام عسكرياً في غاية الصعوبة بسبب قلة عدد وعتاد الجيش الحر والمنشقين عن الجيش النظامي من جهة، ومن جانب آخر قوة وتماسك الجيش النظامي وسلاحه المتفوق واستحواذه على السماء بالطائرات وعلى البحر بالبارجات البحرية المتطورة.
المنتفضون- كما يقولون- عاجزون وحدهم عن حسم معركتهم لصالحهم، دون تدخل خارجي” ظهر هذا في تسمية إحدى الجمع بجمعة الحماية الدولية” بحسب رأيهم، لكنهم محكومون بالاستمرار، لأنهم باتوا ميتين على أي حال، إن لم يكن بنتائج الحل العسكري المفرط، ففي السجون والمعتقلات.
النظام إن استعاد السيطرة لن يرحم كل من رفع السلاح أو حتى هتف ضده في وجهه، وهذا ما يتأكد منه الثوار، أو هكذا يخمّنون، ولا يستبعدون في حال ترك الوضع للتوازنات الداخلية أن يتمكن النظام من سحقهم بالفعل، الثقة مفقودة تماماً بين الطرفين، ويعرف هذا النظام وكذلك المعارضة.
في هذا الوضع الذي يتأزم يوماً فيوم، تتسارع المخاوف من الانزلاق فيما لا يحمد عقباه، وهو الحرب الأهلية التي لن تذر ولن تبقي، وستقضي على سورية الدولة والمجتمع والكيان والمؤسسات.
في إحدى الجمع السابقة، رفع أهالي كفرنبل في ريف إدلب لافتة تقول : يسقط النظام، تسقط المعارضة في الداخل والخارج، تسقط الأمم المتحدة، يسقط مجلس الأمن، تسقط الجمعية العمومية وغيرها، تسقط الجامعة العربية، يسقط ” كل شي”.
إذاً، بدأ الشارع السوري المنتفض يفقد أمله في كل شيء، ويشعر أنه وحيداً يقاتل ووحيداً يدفع فاتورة حريته الباهظة، ووحيداً يموت، ليتفرج على دمائه التي تسيل كل يوم مشاهدو الفضائيات” المتآمرة” أو غيرها ” الوطنية والحيادية”.
لهذا ترى المتظاهرين السوريين في السوح والشوارع والأزقات السورية ينادون: يا الله ما إلنا غيرك يا الله، بعد أن فقدوا الأمل بكل شيء في لقطات روحية صوفية حيث يتمايلون بطريقة راغبة في دفع الخوف عن قلوبهم، يحنون رؤوسهم لا خوفاً من رصاص ” غير طائش” بل حزناً على الأحبة الكثيرين الذين يرحلون أمام أعينهم في كل وقت.
الناس تفقد أصواتها خوفاً من موت محتم، أما السوريون فيخرجون، وتصدح حناجرهم بالغناء والرقص والوثب على الأرض لعلها تستمع لصرخاتهم وآهاتهم ونشيجهم المكتوم، وفي كل جمعة جديدة يصدحون: يا الله ما إلنا غيرك يا الله.
ايلاف