صفحات الناس

السوريون.. وذلّ الراتب/ مروان أبو خالد

 

 

أصبح من الواضح أن القاعدة الإجتماعية الأصيلة للنظام تكاد تتركز في وجود 2.5 مليون موظف يتلقون أجورهم من الحكومة، ويعتاشون على الراتب، الذي لطالما كان وسيلة للتلاعب بهم وابتزازهم. فبعد حملات إعلامية روجتها وسائل الإعلام الموالية للنظام على امتداد الشهرين الماضيين عن وجود دراسة تعدها وزارة المالية لزيادة الرواتب بنسبة 50%، خرج نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الخدمية مطلع حزيران الجاري لينفي وبشكل مطلق وجود أي نية لدى الحكومة لزيادة الرواتب، نظراً لضعف الميزانية.

شائعة زيادة الراتب تداولها السوريون خلال الفترة الماضية على أنها حقيقة واقعة، إذ لطالما اعتادوا على حصول هذه الزيادة في الفترات التي تسبق البيعات الرئاسية، تقدم بوصفها “مكرمة” من “القائد” وليست حقاً أصيلاً لهم، مع العلم أنها دائماً ما كانت زيادة وهمية تسبقها موجات التضخم لتزيد الفجوة بين الدخول ومستويات المعيشة، فحتى هذه الزيادة التي كانت مفترضة فهي أعجز من أن تغطي الخلل البنيوي في الهيكل الاقتصادي السائد منذ ما قبل اندلاع الحرب، فحصة الأجور من الدخل الوطني لا تتجاوز 20% في بلد طالما ادعى “الاشتراكية”، في حين أن هذه النسبة لا تقل عن 40% في بعض البلدان الغربية الموصوفة بإستغلال شديد لعمالتها.

يضاف إلى ذلك، أن ارتفاع تكاليف المعيشة يحتاج إلى مضاعفة الأجور أضعافاً ، لا زيادتها 50%، وذلك للعودة إلى مستوى المعيشة المتدني الذي كان سائداً العام 2010. فأرقام المكتب المركزي للإحصاء حينها كانت تشير إلى أن متوسط إنفاق الأسرة السورية كان يبلغ 30.9 ألف ليرة شهرياً، وبالإعتماد على هذه الأرقام الحكومية ذاتها، وعلى متوسط زيادة أسعار لا تقل عن 400%، فإن متوسط انفاق الأسرة شهرياً الآن، لا يمكن أن يقل عن 120 ألف ليرة (705 دولارات عند سعر صرف 170 ليرة للدولار)، علماً أن وسطي الأجور لا يزيد عن 20 ألف ليرة (117 دولاراً). هذا في حال كانت الأسرة مقيمة في منزل تملكه. وأما ونحن أمام ظاهرة تشرد ونزوح أسرة سورية واحدة كل دقيقة حسب الأمم المتحدة، فإن متوسط الإنفاق، وفي ظل الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات، لن يقل عن 140-160 ألف ليرة شهرياً، أي ما يعادل (823- 941 دولاراً).

وربما من حسن حظ السوريين أن زيادة الراتب لم تتم حتى الآن، فإيرادات الحكومة في الموازنة التقديرية للعام 2014 انخفضت بمقدار 66% عما كانت عليه الإيرادات العام 2011، وزيادة الرواتب بمقدار 50% سيكلف الخزينة العامة للدولة مبلغاً لا يقل عن 300 مليار ليرة سنوياً (1.7 مليار دولار)، وهو أمر كارثي، إذ من المحتوم أن تلك الزيادة ستأخذ من جيوب الفقراء عبر رفع أسعار المحروقات التي تسري شائعات الآن بين السوريين بزيادتها، خصوصاً المازوت والغاز خلال الفترة المقبلة، ما سيرفع بدوره أسعار السلع الغذائية الأساسية بشكل مباشر، ليمتص زيادة الراتب المفترضة. هذا ناهيك عن لجوء الحكومة لزيادة الضرائب والرسوم والتي أثقلت السوريين بها على امتداد السنوات الثلاث الماضية، فمن الممكن مثلاً أن تلجأ لزيادة ضريبة دخل الرواتب والأجور التي تشكل الآن 20% من الضرائب المباشرة. بالإضافة إلى أن الزيادة لو تمت، فستكون هدية تقدمها الحكومة لمافيات تجارها الذين سيرفعون أسعار منتجاتهم مباشرة في ظل انعدام الرقابة.

يذكر أن السنوات الثلاث الماضية شهدت زيادتين للرواتب، الأولى جاءت العام 2011 حيث زاد الراتب 1500 ليرة، بالإضافة لزيادة 30% من الرواتب دون 10 آلاف ليرة، و20% للراتب الشهري البالغ 10 آلاف، والثانية جاءت في منتصف العام الماضي حيث زادت الرواتب بنسب تتراوح ما بين 40-50%، هذه الزيادات كانت اسمية وغير حقيقية، ولم يكن الهدف منها تحسين مستوى المعيشة، لأن سياسة تجويع الحكومة لموظفيها الموالين لها، أمر حيوي من وجهة نظرها للسيطرة عليهم ولإبقائهم جنوداً في جيشها، كونها الشريان الوحيد الذي يقدم عبر قطارة الراتب، الحد الأدنى لهم لتجنب الموت جوعاً.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى