صفحات سوريةفايز ساره

السوريون ومشكلة المساعدات الإنسانية/ فايز سارة

تبين نظرة خاطفة للواقع السوري، ملامح عامة للكارثة التي اصابت سوريا والسوريين، لكن نظرة مدققة، تبين عمق تلك الكارثة من خلال تفاصيلها وحيثياتها، التي يتجاوز حضورها الواقع السوري الى المحيطين الاقليمي والدولي، وقد بات كثير من التفاصيل مثل الحياة في المخيمات، وحوادث غرق مراكب الموت التي تقل مهاجرين غير شرعيين، وسوء معاملة السوريين في العديد من البلدان واستغلالهم بصور بشعة حدثاً يومياً في التقارير الاخبارية، التي تتناول الشأن السوري في مجالاته السياسية والاقتصادية والانسانية.

والتوقف عند الاهم في معالم الكارثة، التي اصابت السوريين يبين ان نحو مليون نسمة بين قتيل ومعوق ومفقود وسجين اصابتهم الاثار المباشر لعنف النظام وآلته العسكرية والامنية في عموم الاراضي السورية، وبدرجة اقل تسبب في ذلك عنف جماعات مسلحة بينها عصابات جنائية وجماعات التطرف من اشقاء القاعدة ولاسيما دولة العراق والشام وجبهة النصرة وكلها تقوم بعمليات مسلحة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في محاولة منها للسيطرة هناك، واحكام قبضتها على المناطق وسكانها.

ولعل بين الابرز في تفاصيل ما اصاب السوريين، حقيقة ان هناك أكثر من عشرة ملايين سوري اصبحوا مهجرين من بيوتهم نحو نصفهم لاجئين في دول الجوار والابعد منها، منهم أكثر من ثلاثة ملايين نسمة معظمهم موجودين في مخيمات البؤس في لبنان والاردن وتركيا، بينما هناك أكثر من خمسة ملايين نسمة مهجرين في انحاء مختلفة من البلاد في اطار سعيهم الابتعاد عن مناطق الصراع الساخنة ومن الظروف الصعبة التي صاروا اليها في مناطق سكنهم وبحثاً عن مناطق آمنة لاتتوفر في اي منطقة من البلاد.

ان مجريات حرب النظام دمرت اكثر من مليون مسكن بصورة كلية، ونحو ضعفي هذا العدد بصورة جزئية، وهو ما اصاب ملايين المحال التجارية والحرفية والخدمية. كما دمرت الحرب البنى التحتية والمنشآت الانتاجية والخدمية بما فيها المدارس والمشافي، وجعلت أكثر من عشرة ملايين سوري دون خدمات عامة وبلا موارد للعيش، بل هي اصابت واستنزفت ما كان يملكه معظم السوريين من ثروات واحتياطات نقدية في العامين والنصف السابقين، وجعلت اغلبية السوريين تنزل في معاشها الى ما تحت معدل الفقر العالمي حسب العديد من التقارير الدولية، التي رصدت الواقع المعاشي للسوريين، وقد وصل حد الجوع وانتشار الامراض وخاصة في العديد من مخيمات اللاجئين السوريين وفي المناطق التي تحاصرها قوات النظام في الغوطتين المحيطتين بدمشق وفي حمص القديمة.

لقد جعلت الحرب السوريين في امس الحاجة لمساعدات، سعى السوريون بقدراتم المحلية ومن خلال المغتربين الى توفيرها في الفترة الاولى، لكن قدراتهم توقفت وعجزت مع تصاعد الحاجات لاحقاً بعد ان ارتفعت اعداد ذوي الحاجة، وتنوعت وتوسعت الاحتياجات داخل البلاد وفي بلدان اللجوء، وللمساهمة في تلبية الاحتياجات انخرطت مؤسسات وهيئات دولية واقليمية ومحلية اضافة الى دول في عملية المساعدة، التي تبدو انها مستحيلة بسبب اعداد السوريين المحتاجين للمساعدة من جهة وطبيعة المساعدة المطلوبة، التي تشمل كل شيء تقريباً من الطعام الى الشراب واللباس والسكن والصحة والتعليم وغير ذلك من حاجات، لم يتعود المجتمع الدولي على تأمينها في الاحوال المعهودة.

واذا كانت المشكلة الاساسية في نقص المساعدات المتوفرة مقارنة بالاحتياجات من حيث الحجم والنوع، فان ثمة مشاكلات أخرى لا تقل اهمية وخطورة من بينها تشتت المساعدات وصعوبة وصولها الى اهدافها بسبب الظروف الامنية، وقيام بعض الاطراف المحلية والاقليمية باستغلال تلك المساعدات لتحقيق اهداف سياسية، او لشراء ولاءات في اوساط المحتاجين السوريين، وبينها سطو بعض الدول المضيفة للاجئين السوريين على جزء من تلك المساعدات في اطار عمليات فساد او لجهة توزيع اجزاء منها ل”محتاجين” من مواطنيها، او في التحكم بتوزيع المساعدات وفق حاجات امنية، وسرقة اجزاء منها من جانب الجهاز الامني البيروقراطي على نحو ما تقوم به السلطات السورية، التي تمنع تدفق المساعدات الى مناطق محاصرة منذ وقت طويل.

ان المحصلة العامة لحالة المساعدات الانسانية للسوريين، تبين نقص المساعدات، والعجز في وصولها الى هدفها في تخفيف معاناة المحتاجين ومساعدتهم في التغلب على الظروف الصعبة التي صاروا اليها نتيجة سياسات القتل والدمار والتهجير التي تابعها النظام طوال الازمة، وبفعل الصمت الدولي عن جرائم النظام، وتقصيره في اتخاذ خطوات عملية لوقف الحرب ووضع حد للكارثة التي وصل اليها السوريون.

وتطرح وقائع المساعدات ومحصلتها النهائية ضرورات على المجتمع الدولي بما فيه من مؤسسات وهيئات ودول ينبغي القيام بها في اطار توفير مساعدات انسانية فعالة للسوريين، لعل ابرز ما فيها من الناحية العملية والانسانية زيادة حجم وتنوع المساعدات المقدمة وخاصة من جانب الدول الكبرى والغنية ومن جانب المؤسسات والهيئات المعنية بتقديم المساعدات ومنها المفوضية الدولية للاجئين التابعة للأمم المتحدة والصليب الاحمر الدولي، اضافة الى تنظيم تدفق تلك المساعدات وتحصينها ضد الاستثمار السياسي وضد عمليات الفساد واعمال السطو التي تتعرض لها، اضافة الى ضرورة الضغط الدولي الى حد اجبار النظام والتشكيلات المسلحة لضمان تدفق تلك المساعدات الى كافة المناطق السورية دون قيد او شرط وخاصة لجهة النماطق التي تحاصرها قوات النظام.

ان الضرورات السابقة، لاتمثل الا اجراءات علاجية في مواجهة الكارثة الانسانية المحيطة بالسوريين. لكن الضرورة الاهم والاكثر تأثيراً، هي وقف الحرب التي يشنها النظام وتشارك فيها بعض التشكيلات المسلحة، واخذ البلاد الى حالة سلم على طريق اقامة نظام ديمقراطي جديد بدل النظام القائم، ومن شأن انجاز هذه الضرورة وقف الكارثة وتداعياتها، بل ان ماسبق سيقود الى توليد طاقات سورية محلية للمساعدة والاغاثة من جهة ولتوفير حاجات السوريين بشكل ذاتي. غير ان وقف الحرب في سوريا يحتاج الى خطوات الزامية تفرض على النظام، وان لم يستجب على عادته، فلابد ان يكون الزامه بواسطة قرار دولي يصدره مجلس الامن الدولي تحت البند السابع، ومن الوضاح في ضوء التجربة السورية، ان هكذا اجراء هو الوحيد الذي يمكن ان يكون فعالاً من اجل مساعدة السوريين بالفعل.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى