السوريون يصعدون إلى الحرية
بدخولها الشهر التاسع مع هذا الألق والتجذر والاندفاع، تبدو الثورة السورية من أجل الحرية والكرامة صاعدة على طريق الانتصار . فبعد أن عرَّت النظام، وأفشلت خياراته، وفضحت جوهره وتوجهاته وأساليب عمله، ها هي اليوم تجعل التغيير حقيقة واقعة في حياة البلاد، مبشرة بسورية الجديدة التي طالما انتظرها السوريون، وعملوا من أجلها طوال عقود . وبفضل أرواح شهدائها الأبرار ودماء جرحاها الزكية وتضحيات شبابها وتصميمهم على الاستمرار، تحصلت الثورة على اهتمام عربي وعالمي غير مسبوق، وحازت على هذا القدر من التعاطف والمساندة الذي تستحقه . وما إصرارها على النهج الوطني بعيداً عن الطائفية والفئوية، وعلى سلميتها بعيداً عن العنف والانتقام إلا أحد معالم انتصارها على نظام أمعن في القتل والتشبيح وإثارة النعرات والمخاوف بين صفوف الشعب، وبلغت أعماله الإجرامية والدموية بحق الثوار والمواطنين الآمنين العزَّل حداً جعل أصدقاءه والمقربين منه غير قادرين على تغطيته والدفاع عنه .
فمن درعا في الجنوب إلى إدلب في الشمال، مروراً بريف دمشق وحمص وحماة ودير الزور، تحولت المدن والأرياف إلى ساحات حرب فعلية بين السلطة وجيشها ومسلحيها وبين الشعب، تؤدي يومياً إلى سقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى في صفوف المواطنين . وتبرز مدينة حمص في هذا السياق عاصمة للثورة ومدينة بطلة ومنكوبة نتيجة العنف الأعمى الذي تواجهه، وتصمد في وجهه . لقد كشفت الثورة عن أروع ما يستبطنه السوريون من تحضُّر وإبداع وأخلاق، يتمثل في سلوك الثورة ونشاطات الثوار . كما أظهرت أبشع ما ينطوي عليه مجتمعهم من حقد وعنف وبذاءة، تمظهر جلياً في أعمال التدمير والقتل العشوائي والانتقام وأشكال التعذيب التي تمارسها السلطة وأجهزتها القمعية، لدرجة جعلت الناس أمام الشاشات يتساءلون : هل هؤلاء القتلة سوريون مثلنا ؟ ! وهل تجري هذه الممارسات الوحشية في بلادنا حقاً ؟ ! وفي هذا السياق، نطالب الجيش السوري الامتناع عن قتل المدنيين والالتزام بمهمته الرئيسة وهي حماية الشعب والسيادة الوطنية . ونؤكد اعتزازنا بالضباط والجنود السوريين الأبطال الذين رفضوا الانصياع لأوامر النظام بقتل إخوتهم ومواطنيهم المطالبين بالحرية، وقرروا الانحياز لصفوف الشعب والثورة .
جاء التحرك العربي ثمرة لأخلاقيات الثورة وحجم تضحياتها، إذ لم يعد الصمت ممكناً . مثلما جاء نتيجة لفشل النظام في قمع الشعب وإسكات صوته على الجبهات الأمنية والسياسية والإعلامية . فانهزمت قوته النارية وحيله السياسية وتضليله الإعلامي أمام تصميم الثورة وصمود الشعب وراءها . برز ذلك بوضوح في موقفه من المبادرة العربية، الذي اتسم بالابتزاز والمراوغة وكسب الوقت، ومن طريقة تعامله مع الجامعة العربية ودولها، والتي اعتمدت البلطجة والإسفاف، وخلت من اللياقة السياسية والأعراف الدبلوماسية، بشكل يسيء إلى سورية والسوريين . واتضح للجميع داخلياً وعربياً وعالمياً، أن النظام يستهدف من كل ما يقوله ويفعله مجرد تأمين استمراره في السلطة فقط، ولو أدى ذلك إلى تدمير سورية وطنأً وشعباً، وإلحاق الأذى بالعلاقات بين دول المنطقة وشعوبها، وقد هدد بذلك صراحة .
نجحت الثورة في إقناع السوريين والعرب ومعظم دول العالم بشعارها الذي اعتمدته وهو ” إسقاط النظام ” بعد أن تبين للجميع بوضوح كامل، أنه فقد شرعيته الدستورية وأهليته لحكم البلاد، وأصبح استمراره خطراً على حياة الشعب ومستقبل الوطن، ومن عوامل عدم الاستقرار في المنطقة التي فتحت باب التغير الديمقراطي على مصراعيه . فقرارات الجامعة العربية بتجميد العضوية وتطبيق مجموعة من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية عليه، تدين النظام وتعزله وتمنعه من الاستفراد بالشعب والاستمرار بالعنف المنفلت الذي يمارسه . وشعار الثورة الذي رفعته بطلب ” الحماية الدولية ” وتبنته المعارضة، يكشف حجم الآلام التي يعانيها الشعب، ويحرم النظام فرص المماطلة ورمي الجهود العربية بالعجز، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته التاريخية والسياسية والأخلاقية . فشعب بهذا الصمود وثورة بهذا التصميم يستحقان الحياة والانتصار .
إن عملية الفرز التي طرحتها الثورة على المجتمع السوري بين عالم الاستبداد والقهر والفساد الذي يلتف حول النظام، وبين عالم الحرية والديمقراطية والعدل الذي يدعم الثورة، لم تترك مجالاً للحياد والوسطية والانتهازية المائعة . وطرحت أمام المعارضة ( تنظيمات وأفراداً ) استحقاق الوضوح في المواقع والمواقف . فشلال الدم السوري من أجل الحرية عصي على التجاهل ولا يقبل الاستغلال والمتاجرة. وإرادته فوق كل إرادة . وهتافات الشباب على الأرض وشعاراتهم المرفوعة هي المعيار والفيصل .
من هنا كان التأييد الذي ناله ” المجلس الوطني السوري ” وحق التمثيل الذي أودعته بين يديه قوى الثورة والمعارضة زاخراً بالمعاني والمؤشرات . وهذا يحمِّل المجلس مسؤوليات كبيرة من أجل إيجاد الصيغ الملائمة للعمل المشترك . كما يحمِّل الآخرين مسؤوليات مماثلة . ونحن في حزب الشعب الديمقراطي السوري إذ نحيي الالتفاتة الجادة للجامعة العربية نحو قضية الشعب السوري وثورته، ونطالبها بمتابعة جهودها للدفاع عن قضية الشعب السوري في المحافل الدولية، ونثمن الجهود العربية والدولية في هذا السبيل، نبقى على نهجنا الثابت في دعم الثورة والانخراط في صفوفها، والعمل على توحيد المعارضة وراء أهداف الثورة وتقديم ما يلزم لتحقيق ذلك فعلاً لا قولاً فقط . ونهيب بالجميع الترفع عن الحساسيات والارتقاء إلى مستوى المسؤولية التي ترتبها ضرورات المرحلة وتضحيات الشعب .
إن النظام وأتباعه والدائرين في فلكه وحدهم يتحدثون عن احتمالات الفتنة الطائفية والحرب الأهلية والتقسيم، بينما يشق الشعب وثورته الطريق الصعب نحو سورية المستقبل، سورية الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، الوطن الحر لكل أبنائها، في ظل شعار ” الشعب السوري واحد ” . ويبدو بوضوح أن استمرار النظام يشكل الخطر الأكبر على مستقبل سورية وحياة السورين.
تحية لأرواح شهدائنا الأبرار، قناديل الحرية القادمة .
تحية لشعبنا وصموده الأسطوري أمام آلة القتل الهمجية .
تحية للثوار .
دمشق في 23 / 11 / 2011
حزب الشعب الديمقراطي السوري
اللجنة المركزية