صفحات العالم

السوريين تُرِكوا لمصيرهم


جهاد الخازن

وقعت مجازر عدة في شهرين، من نوع الحولة والقُبير، وأخيراً التريمسة حيث تناقِضُ معلومات المراقبين الدوليين أرقام المعارضة، والهدف إعادة نشر الخوف بين المواطنين. ولعل المعارك العنيفة في دمشق أمس هي للهدف نفسه.

لو كانت هناك مئة سياسة متاحة للنظام السوري لكان نشر الخوف أسوأها، خصوصاً أن خيارات كثيرة كانت متاحة للنظام في البداية، واليوم لم يبقَ منها شيء، فهو يتعامل مع أزمة الحكم على طريقة «يا قاتل يا مقتول»، وأجد هذه النهاية الوحيدة الممكنة للمواجهة المسلحة، فالمعارضة أيضاً ليست في وارد عقد صفقة مع النظام.

كنت في بداية الأزمة في آذار (مارس) من السنة الماضية أستطيع إقتراح هذا الحل أو ذاك أو غيره، إلا أن تصاعد وتيرة القتل أدى الى تقليص الحلول المتاحة، حتى إختفت تماماً في رأيي الشخصي وأصبحتُ أنتظر يوماً ينتصر فيه فريق ويخسر فريق.

القرى التي شهدت المجازر، بدءاً بالحولة في أيار (مايو) الماضي، كلها يضم غالبية سنّية مُحاطة بقرى غالبية سكانها من العلويين. والنظام إتهم جماعات إرهابية بالمسؤولية عن كل مجزرة، والمعارضة إتهمت النظام، والأرجح أن الجانبين مصيبان، فالنظام يستعمل الدبابات والمدفعية وطائرات الهليكوبتر، والمعارضة أصبحت تضم ألوف المقاتلين المسلحين، ثم هناك جماعات إرهابية، فالإرهابي أيمن الظواهري، رئيس «القاعدة»، طلب بعد بدء المواجهات المسلحة من «الجهاديين» أن يذهبوا الى سورية وذهب اليها إرهابيون من نوعه.

كوفي انان، مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، حمَّل النظام المسؤولية، وهو يملك من المعلومات ما يكفي لتصديقه. ونسمع أن الضحايا في التريمسة خمسون بحسب تقديرات النظام، وأنهم مئتان وربما أكثر بحسب أرقام المعارضة. وكالعادة تقسم الحكومة أرقام الضحايا على إثنين وأحياناً على خمسة، وتضرب المعارضة الأرقام بإثنين وربما خمسة، وتضيع الحقيقة مع غياب المراقبين. هذه المرة أيضاً، وكما في مجازر سابقة، مَنَعت القوات الحكومية المراقبين الدوليين في البداية من دخول مسرح القتل بحجة إستمرار تبادل إطلاق النار، وسمحت لهم بالدخول بعد أيام. وفي معلومات منقولة عن المراقبين الدوليين أن ما حدث لم يكن مجزرة وإنما معركة غير متكافئة بين قوات حكومية ومسلحين محليين.

في غضون ذلك كوفي انان كان يحاول حلاً أمس في موسكو، بعد طهران، وأقرأ أن مجلس الأمن الدولي قد يصوِّت على قرار غداً بفرض عقوبات رادعة على النظام السوري إذا لم يتوقف القتل. إلا أنني أشعر بأن السوريين تُرِكوا لمصيرهم، فالدول العربية التي إنتصرت لهم لا تملك القوة الكافية للتدخل بنفسها، والدول الغربية لا تجد في سورية من النفط ما يكفي للتدخل المباشر، وروسيا والصين تسعيان وراء مصالحهما، ولو مات السوريون جميعاً.

وإن كان هذا لا يكفي فهناك غموض يكتنف العلاقات بين المجلس الوطني السوري في عمله من اسطنبول والجماعات المسلحة التي تقاوم النظام. وقرأتُ أخباراً صحافية عدة عن مقابلات مع قادة المسلحين، وبعضهم تحدث من انطاكيا (في اللواء السليب إن كان بقيَ مًنْ يذكره) وقال أن رجاله بحاجة الى سلاح، أو مال لشرائه والإنفاق على الجرحى، إلا أنهم لا يتلقون شيئاً من المجلس.

كنت في البداية فكرتُ في حلول وأنا أدين القتل حتى لو كان ثلاثة أو أربعة مدنيين أبرياء، وبقيتُ أدين القتل في كل مقال حتى اليوم، وإعتبرتُ الرئيس بشار الأسد قبل سنة كاملة، في مقال نُشِر في حزيران (يونيو) الماضي، أنه الرئيس وأنه مسؤول عمّا يحدث ولا أحد غيره.

اليوم لم يبقَ لي سوى أن أدعو أن تكون أرقام القتل الحكومية صحيحة، ليس لأنني أصدقها، فأنا لا أصدق أي أرقام عن الضحايا تخرج من سورية، وإنما لأنها أقل كثيراً من أرقام المعارضة، فالنظام يقدّر عدد القتلى حتى الآن بحوالى خمسة آلاف في حين تتحدث المعارضة عن 15 ألف قتيل وربما 20 ألفاً أو أكثر.

وهذا كله يذكّرني بمجزرة حماة سنة 1982، فالرقم الرسمي الأصلي كان خمسة آلاف مقابل عشرة آلاف الى عشرين ألفاً بحسب تقديرات المعارضة، والأسبوع الماضي قرأت في «التايمز» اللندنية أن ضحايا مجزرة حماة كانوا أربعين ألفاً.

في الحرب الحقيقة أول الضحايا، ولم يَعُدْ لي طلب في سورية سوى وقف القتل لأن سياسة نشر الخوف فشلت قبل أن تبدأ ولم تحقق شيئاً غير إيقاع مزيدٍ من الضحايا الأبرياء.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى