السوريّون الأكراد على عتبة المصير/ حسان القالش
التطوّرات التي تشهدها معركة استعادة الرقّة من سيطرة «داعش» تعيد مسألة الأكراد السوريين إلى الواجهة، سواءً على المستوى الداخلي المتعلق بهم كجماعة، أو على مستوى علاقة هذه الجماعة بالكيان السوري. فعلى المستوى الداخلي يبدو أنّ الأكراد على عتبة مرحلة مصيرية تستوجب منهم تقويم ومراجعة أدائهم خلال سنوات الثورة، وذلك على رغم أنّ المقارنة بين أدائهم السياسي وأداء بقيّة المجموعات المعارضة تُشير إلى تفوّقهم وإلى كثير من الإيجابيات، لعلّ أبرزها استقلالهم النسبي في قرارهم الخاص والقدرة على ضبط الخلافات الداخلية ما بين مجموعاتهم المختلفة، فضلاً عن نجاحاتهم العسكرية على الأرض.
هنا، يمكن القول إنّ الأكراد نجحوا في اختبار وطني أثبت أهميتهم السياسية والعسكرية في المعادلة السورية، وهذا ما يستدعي أن يستعدّ الأكراد لمرحلة مقبلة تتطلّب منهم جهداً خاصاً في ما يتعلق بمصير ميليشيات قوات «سورية الديموقراطية» وتقويم سياستها، وبذلك يضيفون إلى فكرة الفيديرالية التي كانوا سبّاقين إلى طرحها مقدرتهم العمليّة على أرض الواقع.
هذا بينما تتكثّف المعطيات الجديدة على المستوى الوطني العام بالنسبة الى المسألة الكردية في سورية، فقد أثبت الأكراد بأنهم رقم صعب في المسألة السورية بالعموم، وبقدرتهم على أن يكونوا الحارس القويّ لحدود سورية الشرقية، بيد أنّ ذلك كلّه بات يثير من الريبة أكثر ممّا يقدّم من التطمينات بالنسبة الى البعض. والأرجح أنّ هذه الريبة غير المبرّرة ناتجة من قصور معرفي تجاه الأكراد، وهذا ما يمكن ملاحظته من كمّ التحليلات التي تناولتهم أخيراً، إذ يبدو وكأنّ هناك صورة نمطيّة عنهم تصوّرهم على أنّهم جماعة لا يمكن التنبّؤ بأفعالها، وهذا ما أدّى إلى غلبة التطيّر والتنجيم على تلك التحليلات على حساب طرح الأسئلة والبحث عن أجوبتها. وأغلب الظنّ أنّ هذا التخبّط المعرفي عند السوريين المتعاطين في الشأن العام ناتج من عاملَين، أولهما وأهمّهما أنّ تناول المسألة الكردية في سورية كان ينطلق في معظمه من النظر إلى هذه الجماعة كجماعة قوميّة، مع إهمال إدراجها ضمن مسألة الأقليات السورية. بينما يكمن العامل الثاني في طبيعة تناول السوريين المسألة الكردية، إذ كانت في معظمها تنطلق من فكرة مقارعة نظام الأسد وتفنيد مظالمه، من دون إدراج هذه المسألة في سياق المشكلات الوطنية السورية بالشكل والمستوى المطلوبَين.
وفي هذا المعنى تجوز الخشية من أن تتحوّل الريبة تجاه الأكراد إلى خوف حقيقيّ منهم قد يسمّى فوبيا الأكراد، يخلق حاجزاً يبرّر للمتعصّبين وأصحاب الغايات من الأطراف جميعها تمسّكهم بخطاب وأفكار استقصائية الطابع، وهذا ما يعيق ما تتطلّبه المرحلة الراهنة من تطمين الأكراد والسعي إلى جذبهم والاستفادة من مشاركتهم في المسألة الوطنية، كما يعيق الجهود التي يبذلها الوطنيون الأكراد في تطوير درجة الوعي السياسي لجماعتهم، التي تلوح فرصة تحوّلها من أقلية غير مستقرة منذ نشأة الكيان إلى أقلية مرشّحة لتساهم في حماية هذا الكيان.
* كاتب وصحافي سوري
الحياة