السوري واللبناني وجهاً لوجه/ ضحـى حسـن
في بلاد بعيدة جداً، عاشت صراعات عنيفة، بين القوي والضعيف، بين الحاكم والحاكم الآخر، بين القائد والقائد الآخر، بين الشعب والشعب الآخر، بين الشعب والقائد، بين المدير الأكثر نفوذاً والأقل نفوذاً. استطاع مدير دار للأيتام أن يفرض جبروته على مدير دار للأيتام أيضاً في البلد المجاور
1989 – المدير (خرنفش) القوي على المدير (فرسطع) الضعيف فرض اتفاقاً تحت إشراف المؤسسة الكبرى لرعاية دور الأيتام في المنطقة، والذي ينص على أن “يخضع أيتام دار فرسطع لـ خرنفش، كي ينظم الدار ويعتني بالأيتام ويشرف عليهم كداعم لـ فرسطع في عمله هذا، بناء على طلب الأخير”.
وكخطوة أولى لتنفيذ هذا الاتفاق، طلب خرنفش من مجموعة المدربين والمشرفين خاصته أن يدخلوا الدار الآخر كأيتام، أوامر خرنفش للمشرفين هي استخدام كل الوسائل القمعية تجاه أيتام دار فرسطع للسيطرة عليه، وفرض نفوذه.
“مابفهم كيف كانوا يقولوا نحن شعب واحد بس ببلدين، هالشعبين ما بيعرفوا بعض بالأصل” – لبنان
“كانوا يقولولنا الجيش السوري عم يحمي لبنان لانو نحن شعب واحد، وبالنهاية لبنان امتداد جغرافي لسوريا” – سوريا
خلق خرنفش حالة عدائية بين الأيتام في الدارين بمساعدة فرسطع والمؤسسة المشرفة والمختصين، وبعد مرور الوقت، أصبح أيتام دار “فرسطع” يحتقرون أيتام دار “خرنفش”، إذ كانوا يظنونهم قدموا للعيش معهم، وبناء على هذا الاحتقار، أصبح أيتام دار خرنفش يكنّون المشاعر ذاتها لأيتام دار فرسطع، لكن في الحقيقة، فإن الأيتام في الدارين لم يلتقوا ولم يكبروا سويةً، كما أفاد خرنفش وفرسطع، ومن خلفه في تقاريرهم للمؤسسة الكبرى.
“ماكنت بعرف أيا شي عن الحياة في سوريا، كانت مربوطة بالنسبة إلي بالنظام وبشار الأسد، انو في ناس احتلونا وعندي رعب منهم”- لبنان
“بالنسبة الي كانوا عنصريين ضدنا، عندن شعور انو هني المتحضرين ونحن المتخلفين، نظرية طبقية بحتة، مع اني ما احتكيت فيون بس مابعرف ليه هيك كنت حس”- سوريا
2011- قرر عدد كبير من أيتام دار خرنفش التحرر من سيطرة الأب المفروض عليهم، تجمعوا وأعلنوا حالة العصيان، فقام خرنفش بمعاقبتهم، حبس الكثير منهم، وعذبهم، ومع استمرار العصيان، انتقل خرنفش إلى قتل الأيتام المعارضين له، ومحاصرتهم. فلم يكن أمام الأيتام هؤلاء سوى الهرب من الدار والذهاب إلى دار أيتام فرسطع على الرغم من كل المشاعر العدائية التي يحملونها لبعضهم البعض. وهنا كان اللقاء الأول بين الأيتام في الدارين وجهاَ لوجه.
“أول ما بلشوا السوريين يجوا لعنا، كنت عم حاول اتجاهلهم تماماً، كانوا بالنسبة إلي برجعوني لليوم إللي أكلت فيه كف على حاجز للأمن السوري وأنا صغيرة”- لبنان
“أول فترة ببيروت كنت حس كل ما أطلع من البيت كأني رايحة على جبهة قتال، الناس والطرقات السرفيس وأصحاب البيوت، كنت حس بالعدائية حتى لو ماكانت مباشرة”- سوريا
أمر خرنفش فرسطع بالتنحي وأعطى الصلاحية الكاملة لمشرفيه، الذين استطاع من خلالهم تقسيم الدار وقاطنيها إلى جماعات منفصلة، ثم منح من أعلن له الولاء نفوذاً على الجماعات الأخرى، وذلك ليكونوا يده في دار فرسطع.
“الشعب السوري ما وقف معنا وقت الحرب الأهلية، ولا عمل شي وقت احتلنا الجيش السوري”-لبنان
“حزب الله هو جزء من الشعب اللبناني، هاد الحزب اللي هلق عم يقتل أهلنا”- سوريا
بدأت جماعات خرنفش بمهاجمة الأيتام المعارضين عبر ترسيخ ما تم خلقه من عداء في الماضي، على عكس الجماعات الأخرى التي لم تخضع لسلطة خرنفش. لكن المشاعر القديمة مازالت موجودة بينهم.
“كنت حس إنن عم ينعزلوا مع بعض، بنلتقى بحياتنا اليومية بالقهوة بالشارع بكتير أماكن، بس كان في حاجز بينا بخلينا ما نقرب أكتر”- لبنان
“كنت حس انو وجودنا مزعج بالنسبة لإلون، وأيا كلمة بسمعها منون عن السوريين أد ما كان عادي، بعتبروا هجوم”- سوريا
ازداد عدد القادمين من دار خرنفش إلى دار فرسطع الصغير المقسم، ما أدى إلى حصول مشاحنات متقطعة تعود جذورها إلى المشاعر المتراكمة تجاه بعضهما البعض، والتي استغلتها جماعات خرنفش بكل الطرق الممكنة، فيما قامت مجموعات من الأيتام باحتضان هذه الأحداث وإعلانهم بشكل واضح وصريح وقوفهم معاً .
“بعد فترة، صار عندي رفقات لبنانية، بسببون صار عندي فضول لأعرف كل شي عن لبنان، وهالشي كسر الصورة القديمة”- سوريا
“من وقت بلشت حاول إتعرف على السوريين أكتر وقرّب منون، وشو عم يصير معون، بلّشت أطلع من الصورة النمطية اللي كانت براسي”- لبنان
مازالت دار أيتام خرنفش تتعرض للعنف والقمع والقتل من قبله، في حين يعاني من خرج منها مادياً ومعنوياً وقانونياً وإنسانياً، أما دار أيتام دار فرسطع مازالوا يعيشون مع تداعيات التقسيمات المختلفة والصراعات بينها، لذلك من الطبيعي أن يحتاج الأيتام من البلدين للكثير من الوقت لخلق شكل من التعايش بينهما، فهما محملان بثقل الماضي والحاضر.
العلاقة بين السوريين واللبنانين
قد نتسائل هل فعلاً لا يعرف السوريون واللبنانيون بعضهم البعض؟ ، الحرب الأهلية الطويلة، الجيش السوري، قوات الردع، حصار بيروت وخروج منظمة التحرير تفويض الأسد، السرقات، العنصرية، الطائفية، المخابرات السورية، الاعتقالات ،اغتيال الحريري، حزب الله في لبنان وتدخله لاحقاً في سوريا ضد الشعب السوري، الاغتيالات والتفجيرات، كل هذه الأحداث لا يمكن إلا أن تخلق الاحقاد وتصورات نمطية جاهزة عن الآخر.
لكن ما حدث لاحقاً، وعلى الرغم من كل الأوضاع الغير طبيعية والمحتقنة، هناك فسحة ما وفضول لاستراق النظر حول الآخر واكتشافه، في إطار مختلف بعيد عن المؤسسات والأنظمة السياسة والأمنية.
موقع لبنان ناو