صفحات العالم

السياسة الأميركية إزاء سوريا/ ماجد كيالي

 

 

ظلّ موقف الإدارة الأميركية مما يجري في سوريا حمّال أوجه، فهو غير حاسم، ومشوب بالالتباسات، والتناقضات، ومثير للشكوك، فهي مع الثورة السورية، ولكنها ضد إسقاط النظام، وهي ضد أعمال القتل والتدمير والتشريد التي ينتهجها هذا النظام، ولكنها لا تفعل شيئاً لوقف هذه الأعمال أو الحد منها، وهي مع الحل السياسي لإنهاء هذه الحالة لكنها لا تضع ثقلها وراء هذا الحل.

معلوم أن الرئيس الأميركي باراك أوباما بعث مراراً بإشارات تشجيعية للسوريين توحي بالتعاطف والإسناد، من نوع أن الأسد بات فاقداً للشرعية وأن عليه أن يرحل، حتى أنه جرى في مراحل معينة نوع من الحظر أو المضايقة لواردات السلاح الى النظام، مع تقديم بعض الدعم للمعارضة السياسية والعسكرية، ولكن هذا كله لم يرق الى دعم سياسي أو عسكري، يصل ولو الى أقل القليل مما يصل إلى النظام من حليفيه الأقربين إيران وروسيا. حتى في الموقف من بيان جنيف1(2012) فإن موقف الإدارة الأميركية اتسم بالمرونة في حين حافظ الموقف الروسي على صلابته للحظات الأخيرة التي أفضت، أواخر العام الماضي، الى مقررات فيينا، وإلى قرار مجلس الأمن الدولي.

الاستنتاج من السياسة الأميركية، حيال المأساة أو الكارثة أو الانفجار السوري، أن الولايات المتحدة الأميركية، في حقيقة الأمر، لا يعنيها من يحكم في سوريا، سواء كان شخصاً أو حزباً، وسواء كان يسارياً أو قومياً أو إسلامياً، كما لا يعنيها ما يحصل في هذا البلد، إذا استثنيا ما يخص قضية الصراع مع إسرائيل، وأمنها واستقرارها. أما تفسير ذلك فيعود إلى ثلاثة أسباب أساسية: أولها، أن هذا البلد، أي سوريا، لم يكن محسوباً، طوال العقود السابقة، ضمن دائرة حلفائها التقليديين، لذا فهي لا تشعر بخسارة ما في هذا المكان. وثانيها، أن مصالحها في سوريا مضمونة بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم، سواء كانت مصالح سياسية أو اقتصادية أو أمنية، وهو ما يمكن تبينه من مراجعة السياسات التي انتهجها النظام السوري طوال المرحلة الماضية، بغض النظر عن كل الشعارات أو الادعاءات. وثالثها، أن هذا البلد صغير، وفقير الموارد، وتنبع أهميته فقط من موقعه الجغرافي، ومن جواره مع إسرائيل.

مع ذلك فإن هذه الأسباب لوحدها لا تكفي لتفسير المواقف التي انتهجتها الإدارة الأميركية، إزاء سوريا، في هذه المرحلة، والتي تتأسس، ربما، على الاستثمار في المسألة السورية، وهذا يختلف عن إدارة الأزمة، لأنها من الناحية العملية تشجع كل الأطراف على المجيء الى سوريا، وعلى تحويل سوريا الى ساحة للمواجهة أو للصراع، في حين هي تجلس في مقاعد المتفرجين، أو في مكانة الحكم بين الأطراف.

ولعل الإدارة الأميركية تشتغل هنا بناء على ثلاثة استراتيجيات أساسية، الأولى، ومفادها ترك الآخرين يتقاتلون في ما بينهم، ويستنزفون بعضهم، وفقاً لمقولة «دعهم يتقاتلون»، والمقصود هنا إيران وتركيا وروسيا والسعودية، وغيرها من الدول العربية. وكمثال عليها وصول روسيا وتركيا إلى حافة الحرب، بعد حادثة إسقاط الطائرة، وهذا ينطبق على حال العداء بين إيران والسعودية. والثانية، تتعلق بالعمل وفق تصور مفاده أن كل الأطراف، بعد أن تكون أنهكت واستنزفت، ستلجأ في الأخير إلى الولايات المتحدة، باعتبارها صاحبة القوة الأكبر، وباعتبارها الحكم. والثالثة، تتعلق بأمن إسرائيل، وهي ربما القطبة المخفية، في هذا الأمر، إذ إن أغلب المؤشرات تفيد بأن إسرائيل هي أكثر دولة مستفيدة من بقاء الأمور على ما هي عليه في المنطقة، ولا سيما في سوريا، وأن المصلحة السورية تقف في مركز الاهتمامات الأميركية المتعلقة بالمنطقة.

المعنى من كل ذلك أن السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة إزاء ما يحدث في سوريا لا علاقة لها، بما يعتقده البعض، بضعف ما في هذه الدولة، ولا هو نتاج ما بات يعتقد أنه بمثابة انسحاب أميركي من منطقة الشرق الأوسط، بقدر ما له علاقة برؤية الإدارة الأميركية لمصالحها، وتقديرها لدورها في هذه المنطقة، وفقاً لمفهومها عن إدارة الأزمة، والاستثمار في الصراعات الإقليمية، والإدارة من الخلف، واستنزاف القوى الأخرى، الدولية والإقليمية. ويستنتج من ذلك أن القوى التي تلعب في الشرق الأوسط، وضمنه في الموضوع السوري، إنما تلعب ضمن الهامش الذي تتيحه الإدارة الأميركية، لا بالضد منه، بغض النظر عن الشعارات أو الادعاءات.

على ذلك، ووفقاً لهذه الرؤية، فإن الصراع السوري سيستمر، مع الأسف، على الوتيرة ذاتها طالما أن الإدارة الأميركية لم تغادر موقفها هذا، وطالما أنها تعتبر نفسها رابحة في مختلف الظروف والتطورات، مهما كانت اتجاهاتها.

المستقبل

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى