صفحات العالم

السياسة بما هي إدارة وتنظيم للموارد والأولويات/ إبراهيم غرايبة

 

 

يحظى الجدل السياسي والانتخابي في الولايات المتحدة بتفاعل واهتمام اجتماعي وإعلامي في الأردن، كما في العالم كله أو معظمه، ويتجادل الأردنيون وينقسمون مثل الأميركيين وربما أكثر بين ترامب وكلينتون، وأما أنصار ساندرز فإنهم يحشدون للدعوة إلى أن يترشح مستقلاً ويبنون آمالاً عظيمة على اليسار الأميركي الصاعد! ولا تشغلهم بالقدر نفسه الانتخابات النيابية الأردنية التي ستعقد في 20 أيلول (سبتمبر) المقبل، وإن حدث جدل سياسي انتخابي فهو متصل بهموم وأولويات بعيدة من معنى الانتخابات وفكرتها الأساسية، ولكنها طموحات وتنافسات قرابية وجهوية يضاف إليها الدين والعداء للصهيونية على سبيل النكهة، ولمنحها مزيداً من الصلابة والتماسك، فلا أحد يريد برغم الانشغال الكبير بالانتخابات الأميركية يريد أن يقتبس التجربة أو يفكر في محتواها القائم حول الضريبة والتأمين الصحي والتعليم والعدالة الاجتماعية والاقتصادية. لا تبدو هذه المسائل في الأردن سياسة أو مسائل تستحق الاهتمام والجدل.

السياسة اليوم في العالم الأكثر تقدماً تكتسب معنى ومحتوى جديداً ومختلفاً، أو بعبارة أصح، تستعيد معناها الأصلي الذي بدأت به أولاً: البلد والمدن، وما زالت في إسرائيل تستخدم الكلمة العبرية/ الآرامية كما في مبتدأ معناها وتشكلها «مدينات إسرائيل». فالسياسة والحكم ببساطة هي تحسين وتنظيم حياة المدن بما هي البلاد، وهي تعني أيضاً في جذرها الآرامي القانون والعدل، ما يعني ببساطة أنه لا سياسة من غير مدن وتمدن لأنه لا يمكن قيام تنظيم سياسي إلا بالرابطة القانونية بين المواطنين ووضع الروابط الأخرى كالقرابة والدين في فضائها الحقيقي والخاص بها.

ولكنه مفهوم ولشديد الأسف يجلب الألم والمعاناة على من يصدقه ويؤمن به في عالم البطولات والمقاومات والعشائر والطوائف والأصول والمنابت، فهو مفهوم ينشئ العمل لأجل قضايا مثل استقلال المجتمعات وتمكينها، والعلاقة بين الدين والسلطة والسياسة والثقافة، والدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة، والعلاقة بين المجتمعات والشركات والقطاع الخاص بعامة، والتجمعات السياسية والاجتماعية حول الاحتياجات والبرامج الأساسية، التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والثقافة، والتنظيم المجتمعي للمياه والطاقة، وولاية المجتمعات على الدين والثقافة والرياضة، وهي قضايا لم تنجح بعد في اجتذاب المؤيدين المفترضين، ولكنها تجتذب سخط الأعداء والمتضررين منها، فيكون لأصحابها أعداء كثيرون وليس لهم أصدقاء، والأشد إيلاماً أنها قضايا أساسية وذات أولوية قصوى يصعب مغادرتها، ولا يمكن لأصحابها أن يجدوا من دونها مكاناً في العمل السياسي والعام.

الحكومات والمعارضات والجماعات والأحزاب تفضل الجدل والتظاهر حول مقاومة الصهيونية وتطبيق الشريعة وإيران وتركيا، ولا مجال في التأييد أو المعارضة سوى هذه القضايا. وأسوأ من ذلك كله القدرة المدهشة على إنشاء حالة من الاستعلاء على القضايا والأولويات الرئيسية.

وبالطبع فإن الانتخابات لا تنشئ الثقافة السياسية ولكنها تعبر عنها، أو تعبر عن محصلة العمل السياسي والاجتماعي الذي تشتغل به التيارات والاتجاهات والشخصيات السياسية والعامة، ومن ثم فإنه يمكن الاستدلال باتجاه الحملات الانتخابية وما يقدم به المرشحون أنفسهم على التشكلات الاجتماعية والثقافية ورؤية المجتمعات والأفراد لما تحب أن تكون عليه، وقد يبدو ذلك عملية صعبة في الأردن، إنه يبدو سؤالاً بلا إجابة عند ملاحظة العمل الانتخابي ومحاولة استنتاج ماذا يريد الناخبون وماذا يرون أنفسهم وحياتهم وما علاقة ذلك بذهابهم إلى صناديق الانتخاب؟

ولكن أليست هذه الكراهية المنشئة للحروب الأهلية والإرهاب المحلي والعالمي كافية للسؤال ولو على سبيل التجربة: هل أخطأنا، وما الخطأ في ما نفعله في إدارة وتنظيم بلادنا وشؤوننا؟ أليس محتملاً ولو بنسبة ضئيلة أننا نسير في اتجاه مختلف عن الهدف المفترض؟ والأسوأ من ذلك لعلنا في ما نفعله ننتج الكراهية والتطرف!

* كاتب أردني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى